سفر المزامير | 87 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّمَانُونَ
لِبَنِي قُورَحَ. مَزْمُورُ تَسْبِيحَةٍ
«١ أَسَاسُهُ فِي ٱلْجِبَالِ ٱلْمُقَدَّسَةِ. ٢ ٱلرَّبُّ أَحَبَّ أَبْوَابَ صِهْيَوْنَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَسَاكِنِ يَعْقُوبَ. ٣ قَدْ قِيلَ بِكِ أَمْجَادٌ يَا مَدِينَةَ ٱللّٰهِ. سِلاَهْ».
لقد تناول المزمور السباق فكرة أن الله هو إله الشعوب كلهم وهو الواحد الحي القدير الحاكم على الناس جميعاً وحده. وأما في هذا المزمور فنجد أن الفكرة تتطور إلى سيادة مدينة أورشليم بالذات وتحكمها بالشعوب كلهم. وهو مختصر جداً وموجز إلى درجة إننا نحار بعض الأحيان في فهم المقصود. ولكي تنال بعض المساعدة (انظر إشعياء ٤٤: ٥) فهو أشبه بمفتاح للمعاني.
بالنسبة لذكره عدداً كبيراً من الأمم التي أحاطت بإسرائيل فيمكننا أن نفتكر أن هذا المزمور قد كتب بعد أن اندحرت جيوش أشور في أيام حزقيا (انظر ٢أخبار ٣٢: ٢٣).
(١ – ٣) يبدأ المرنم كلامه في موضوع منشغل فيه دون أن يذكره ويتكلم عن الأمجاد المحيطة به ويعددها. إن أورشليم مؤسسة على الجبال المقدسة التي تحيط بها من كل جانب. فبعد أن يتكلم عن الأساس الذي هو أهم شيء يأتي في العدد الثاني لذكر أبواب صهيون والقصد من ذلك إن من أحب مدينة أكثر من التردد على أبوابها وهو يدخل ويخرج. وهذا المرنم الذي بلا شك هو من أورشليم نفسها يجد فيها عزه بأنها أعظم من كل مدن إسرائيل الأخرى. لا شك كانت السامرة قد سقطت وزال مجدها وجبروتها بعد أن نفي سكانها وتبددوا في كل مكان. ولم يكن في كل مملكة يهوذا مدينة تضارع أورشليم بعزها وصولتها فهي مركز الملوك وهي أيضاً مركز الهيكل العظيم الذي كان يحسب بحق فخر كل يهودي.
وأما العدد الثالث فيذكر أن الله قد مجّدها على جميع مدائن الشعوب وينتهي بارتفاع الموسيقى. إن الله ذاته هو الذي صرّح الآن ويخبرنا عن مدينته المجيدة التي هي فخر العالم ويجب أن تنشر رسالتها وتبعث بصيتها إلى كل مكان لأنه يجب أن تكون مكان ولادة جميع الشعوب.
هنا اعتزاز بمكان معين ولا عجب أن يهرع بنو إسرائيل للذهاب إلى أورشليم في الأعياد والمواسم لتأدية ما يتوجب عليهم من فروض ولكي يعتزوا بالذكريات والأمجاد القديمة.
«٤ أَذْكُرُ رَهَبَ وَبَابِلَ عَارِفَتَيَّ. هُوَذَا فِلِسْطِينُ وَصُورُ مَعَ كُوشَ. هٰذَا وُلِدَ هُنَاكَ. ٥ وَلِصِهْيَوْنَ يُقَالُ: هٰذَا ٱلإِنْسَانُ وَهٰذَا ٱلإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ ٱلْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا. ٦ ٱلرَّبُّ يَعُدُّ فِي كِتَابَةِ ٱلشُّعُوبِ أَنَّ هٰذَا وُلِدَ هُنَاكَ. سِلاَهْ. ٧ وَمُغَنُّونَ كَعَازِفِينَ كُلُّ ٱلسُّكَّانِ فِيكِ».
(٤ – ٧) أما رهب فهي مصر على الأرجح (انظر مزمور ٨٩: ١١ وإشعياء ٣٠: ٧ و٥١: ٩). كانت مصر القوة الجبارة من الجنوب وأما بابل فكانت من الشمال والشرق. كذلك يذكر فلسطين وقوتها الحربية وصور وقوتها المالية والتجارية ولا ينسى أن يذكر كوش وهي على الأرجح بلاد الحبشة التي كانت مغامرة وذات سيطرة بعيدة إلى آخر الحدود (انظر إشعياء ١٨). هؤلاء الشعوب جميعاً يأتون ويسجدون في أورشليم وتكون لهم موطناً روحياً ثانياً. قد يكون المعنى أن شعب الله الذي كان قد تفرق في كل مكان يعود الآن ليجتمع في مقر ملكه ومجده. كذلك يمكن أن نفسر الكلام إن أورشليم ستكون فوق جميع الذين ذكرهم وإذا ذكرت هي فلا عز ولا أمجاد لأولئك بجانبها.
وفي العدد الخامس نجد أن هذه المدينة التي تحوي من مختلف الشعوب تصبح عامة للكل وتمنح جنسيتها الروحية بكل سخاء حتى يقول كل إنسان متفاخراً لقد ولدت فيها. وعظمتها ليست لأمور أرضية لئلا يكون فخرها مدعاة لتأخرها وخزيها ذلك لأن فخرها هو بالعلي الذي يثبت أركانها ويقوي بنيانها على الأساسات القديمة.
ونجد العدد السادس يؤكد هذا المعنى حينما تنظر الشعوب كلهم إلى هذا الشرف الذي ينالها بالانتماء إلى هذه الأمجاد العريقة حتى ينسوا تاريخهم وأنفسهم ويندمجوا في تمجيد الله العظيم في مدينته المقدسة التي هي موئل وملاذ جميع الشعوب.
والعدد الأخير يمكن ترجمته «كل الينابيع فيك». وهذا إتمام للمعنى السابق. فهؤلاء السكان الفرحون السعداء لأنهم يغنون ويعزفون بالنسبة لما هم فيه من أمجاد وراحة وسلام. يتوحدون بأنهم مجتمعون معاً ولو كانوا في الأصل من مصادر مختلفة. هم في بوتقة واحدة تصهرهم ولو كانوا من قطع معدن مختلف الأشكال. إن أورشليم هي نقطة الارتباط ومركز التلاقي للجميع لذلك فهي مدينة الله وهنيئاً لمن كان اسمه فيها.
السابق |
التالي |