سفر المزامير

سفر المزامير | 82 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّمَانُونَ

مَزْمُورٌ لآسَافَ

«١ اَللّٰهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ ٱللّٰهِ. فِي وَسَطِ ٱلآلِهَةِ يَقْضِي. ٢ حَتَّى مَتَى تَقْضُونَ جَوْراً وَتَرْفَعُونَ وُجُوهَ ٱلأَشْرَارِ؟ سِلاَهْ. ٣ اِقْضُوا لِلذَّلِيلِ وَلِلْيَتِيمِ. أَنْصِفُوا ٱلْمِسْكِينَ وَٱلْبَائِسَ».

إن آساف المرنم الرائي في هذا المزمور يشاهد الله آتياً لكي يوبخ ويهدد زعماء شعبه ويقوّم اعوجاجهم ويذكرهم بأن مركزهم السامي هذا وعلاقتهم بإلههم يجب أن تدفعهم للقيام بالواجبات المفروضة عليهم. جيد للإنسان أن يذكر قيمة نفسه ويعتز بها ولكن ذلك جائز حينما يكون دافعاً للنهوض بالعمل المفروض عليه وليس لمجرد التفاخر والاعتداد بالذات. ونرى آساف يجعل الله ذاته يتكلم (راجع مزمور ٥٠ و٧٥ و٨١). فهو يود أن يرينا الله قاضياً على شعبه وعلى العالم أجمع. وقد وضع بعض المفسرين عنواناً لهذا المزمور «قضاء الله على آلهة الأرض». فمن هم آلهة الأرض هؤلاء؟ وهل يقصد بهم ما عبده الناس من أصنام وأوثان أم أنهم الزعماء والقادة ولا سيما من بني إسرائيل أنفسهم. ويستبعد كلمة «إلوهيم» بهذا المعنى في أي مكان من الكتاب المقدس. وقد استخدم السيد المسيح ما ورد في هذا المزمور داعياً نفسه ابن الله (راجع يوحنا ١٠: ٣٤ – ٣٦). فهو بذلك يدحض قول اليهود عندئذ أنه يجدف على اسم الله طالما أولئك قد دعاهم المزمور آلهة. بل أن هؤلاء لا يستحقون هذا الاسم قط بالنسبة لسلوكهم غير المرضي من جهة البر وقداسة الحياة.

(١) إن الله لكونه قد أعطى شعبه شريعة عاهدوه على السير بموجبها فإذاً هو الذي يقضي عليهم بموجبها. وهكذا يصبح مجمع الله هم جماعة إسرائيل الذي انتخبهم الله خاصته (راجع العدد ٢٧: ١٧ و٣١: ١٦ ويشوع ٢٢: ١٦ وما بعده). هذا الشعب الذي منح أن يشارك الله في تفهم الواجبات المطلوبة منه ويقضي على الشعوب من جهة حياتهم الأدبية وسيرتهم.

(٢) هؤلاء أنفسهم لم يكونوا مستحقين هذا الشرف الذي دعوا إليه بل قضوا بالجور وساروا سيرة الأشرار. الذين يرفعون وجوه فيكونون أشراراً هم أنفسهم إذ يصبحون شركاءهم في جريمة الجور والقساوة. يسأل المرنم حتى متى؟ وهنا توبيخ شديد مرّ وينتهي بارتفاع الموسيقى دليل أهمية هذا الموضوع الذي بدأ البحث فيه.

(٣) كان الحق على هؤلاء أن ينصرفوا إلى طلب العدالة والإنصاف وأي الناس أحق بهما من الذليل الذي لا معين له فهو مهضوم الحقوق مدوسها دائماً ومن اليتيم الصغير الذي لا يعرف كيف يدافع عن نفسه ومن المسكين والبائس اللذين ليس لهما مال كاف أو جاه يستطيعان بهما طلب المقاضاة والإنصاف (إشعياء ١: ١٧).

«٤ نَجُّوا ٱلْمِسْكِينَ وَٱلْفَقِيرَ. مِنْ يَدِ ٱلأَشْرَارِ أَنْقِذُوا. ٥ لاَ يَعْلَمُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ. فِي ٱلظُّلْمَةِ يَتَمَشُّونَ. تَتَزَعْزَعُ كُلُّ أُسُسِ ٱلأَرْضِ. ٦ أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو ٱلْعَلِيِّ كُلُّكُمْ. ٧ لٰكِنْ مِثْلَ ٱلنَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ ٱلرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ. ٨ قُمْ يَا اَللّٰهُ. دِنِ ٱلأَرْضَ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَلِكُ كُلَّ ٱلأُمَمِ».

(٤) ولكن هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يحصلوا حقوقهم بأنفسهم يجب أن يحصلها لهم من يدعون أنهم يجلسون في مجمع الله وهم صحبه وخاصته. يذكرهم مرة أخرى بواجبهم الأولي وهو أن ينجو المسكين والفقير لأن يد الأشرار شديدة وتقتص منهم في كل حين. عملهم إذاً هو النجاة والإنقاذ إذ أن الحيف واقع لا محالة والمتظلمون كثيرون وإنما من يسمع وينجد ويسرع للعمل قبل فوات الأوان.

(٥) ولكن يظهر أن هؤلاء المكلفين بالقضاء العادل بين الناس لا يتممون ما ينتظر منهم فلم ينجوا المسكين ولم يقضوا بالحق لليتيم والذليل وهكذا يأتي عليهم هم أنفسهم حكم الله العادل فيقول عنهم أنهم لا يعلمون ولا يفهمون. وهكذا يضيع فيهم إرشاد الله فقد قصد أن يسترشدوا بنوره ويهتدوا من الظلمة التي هم فيها لأن استرسالهم في الضلال والغواية يسبب تزعزعاً حتى إلى أساسات الأرض إذ لا يعود يثق أحد بأحد بعد هؤلاء المقامين للعدل والبر.

(٦) يعود فيذكرهم مرة أخيرة باللقب الشريف الذي ينالهم لو فهموا وعقلوا. هم في هذا المقام السامي طالما يستطيعون أن يجروا عدلاً ويتمموا إنصافاً ولكنهم إذا لم يفعلوا ذلك يسقطون ويذهب عزهم من أيديهم على حق قول الشاعر

أعطيت ملكاً فلم تحسن سياسته وكل من لا يسوس الملك يخلعه

إن مقامهم هذا هو مدعاة قيامهم بالواجب فإن لم يفعلوا انتزع منهم كل شيء.

(٧) هوذا يذكرون أيضاً بالعواقب الوخيمة التي يصلون إليها. وإنهم الآن في حياة قصيرة لا بد أن تنقضي وعليهم أن يغتنموا الفرصة ولا يتأخروا. ذلك لأن الموت غير بعيد عن أي منهم. وإذا حسبوا رؤساء أفليس الرؤساء أيضاً يسقطون ولا يبقى سوى الله العلي فوق كل العالمين (راجع قضاة ١٦: ٧) فإذاً وظيفتهم هذه ليست للجماعة بل للدينونة لأن من أعطي كثيراً يطلب منه كثيراً.

(٨) يلتفت أخيراً إلى الله بعد أن أعياه أمر الناس ولم يبق لديه أي أمل بالإصلاح من هؤلاء هوذا الله يقضي بعدل على الجميع (راجع مراثي ٣: ٥٩). هو الذي يدين الأمم جميعاً لأنها كلها ملكه وتخضع لسلطانه. وليس من المحتمل أن يكون التوبيخ موجهاً لقضاة الأرض من الأمم الأخرى بل هو توبيخ لشعب إسرائيل ولا سيما لكبرائه أن ينتبهوا ويضحوا قبل نزع سلطانهم.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى