سفر المزامير

سفر المزامير | 26 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

لِدَاوُدَ

«١ اِقْضِ لِي يَا رَبُّ لأَنِّي بِكَمَالِي سَلَكْتُ، وَعَلَى ٱلرَّبِّ تَوَكَّلْتُ بِلاَ تَقَلْقُلٍ. ٢ جَرِّبْنِي يَا رَبُّ وَٱمْتَحِنِّي. صَفِّ كُلْيَتَيَّ وَقَلْبِي. ٣ لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَمَامَ عَيْنِي. وَقَدْ سَلَكْتُ بِحَقِّكَ. ٤ لَمْ أَجْلِسْ مَعَ أُنَاسِ ٱلسُّوءِ، وَمَعَ ٱلْمَاكِرِينَ لاَ أَدْخُلُ. ٥ أَبْغَضْتُ جَمَاعَةَ ٱلأَثَمَةِ، وَمَعَ ٱلأَشْرَارِ لاَ أَجْلِسُ. ٦ أَغْسِلُ يَدَيَّ فِي ٱلنَّقَاوَةِ، فَأَطُوفُ بِمَذْبَحِكَ يَا رَبُّ»

هذا المزمور يتشابه والمزمور سابقه في الأفكار والتعبير. فهو صرخة لله أن ينجيه وينقذه من متاعب هو فيها طالباً الرحمة والرضا من لدنه ولكنه لا يسمو مثل ذاك إذ فيه الكثير من روح الاعتداد بالذات ومحاولة أن يبرهن بره الذاتي بالمقابلة مع غيره من الناس وإنه أفضل منهم. وقد يناسب وصفه الأعداء أنهم أتباع أبشالوم الذي لحقوه بالرشوة (راجع ٢صموئيل ١٥: ٦). ولكن هذا المزمور يحوي حنين المرنم إلى بيت الله والسجود فيه.

(١) لأنه مضطهد وفي حالة العداوة لذلك يلتمس من الله أن يقضي له وينصفه من الأعداء. هو متكل بالتمام على إلهه ويحاول أن يستشهد بسلوكه الشريف وكماله لذلك لا يستحق مثل هذه المعاملة ومع ذلك فهو ثابت الإيمان راسخ اليقين ولا شيء يقلقله.

(٢) في هذا العدد لا يطلب المرنم من الرب أن يبرهن بره في حالته هذه مثلما يتوسل أن يخفف عنه أحمال ضيقه. التجربة أولاً ثم بعد ذلك الامتحان وقوله «صفِّ» في الأصل العبراني تحمل معنى تنقية المعادن بواسطة النار. أي يطلب من الله أن يجيزه أشد الامتحانات لكي يُعرف من أي معدن هو. فإذا لم يحوِ شيئاً يذهب محترقاً كلا شيء. والكليتان حسب العرف القديم مركز العواطف والقلب مركز الإدراك.

(٣) هو مطمئن البال بعد كل امتحان لأنه رحمة الله ترافقه بل ماثلة أمام عينيه لا تفارقه لحظة ثم يكرر تأكيده أنه سالك بحق الله والذي يسلك بالحق لا يخيب قط ذلك لأن الباطل إلى حين وأما الحق فإلى كل حين. فإن اتبعنا الحق على قدر مكنتنا مصحوباً برحمة الله التي لا تتخلى عنا نصبح قادرين على العيش ثم نثق بأننا نتغلب على كل الأعداء.

(٤ و٥) يشرح هنا مجرى سلوكه فلم يجالس أهل السوء. ولم يتداخل مع الماكرين الذي يلوون الحق باطلاً والباطل حقاً على حسب أهوائهم ونزعاتهم. بل يزيد بعد ذلك أنه تركهم جانباً وأبغض سبلهم ولم يجالسهم قط. وهنا زيادة إيضاح لما بدأ به أولاً فهو مملوء من خلوصه لله ونوره في داخله لذلك لا خلطة لنور الله مع ظلمة الأشرار وفسادهم (انظر أيوب ٢٢: ١٥).

(٦) وهنا بعد أن يتبرأ من المذنبين حواليه يطلب أولاً أن يتنقى ويغتسل من شروره كلها حينئذ يصبح أهلاً لأن يطوف بمذبح الرب (انظر تثنية ٢١: ٦ ومتّى ٢٧: ٢٤). وهنا صورة عن الكاهن الذي كان يجب عليه أن يغسل يديه قبلما يقدم الذبيحة (راجع خروج ٣٢: ٢٠ الخ) ومن هذا العدد نجد شيئاً من شرح عمل الكاهن وما يقوم به من رسوم وطقوس (انظر خروج ١٩: ١٦).

«٧ لأُسَمِّعَ بِصَوْتِ ٱلْحَمْدِ وَأُحَدِّثَ بِجَمِيعِ عَجَائِبِكَ. ٨ يَا رَبُّ، أَحْبَبْتُ مَحَلَّ بَيْتِكَ وَمَوْضِعَ مَسْكَنِ مَجْدِكَ. ٩ لاَ تَجْمَعْ مَعَ ٱلْخُطَاةِ نَفْسِي، وَلاَ مَعَ رِجَالِ ٱلدِّمَاءِ حَيَاتِي. ١٠ ٱلَّذِينَ فِي أَيْدِيهِمْ رَذِيلَةٌ، وَيَمِينُهُمْ مَلآنَةٌ رَشْوَةً. ١١ أَمَّا أَنَا فَبِكَمَالِي أَسْلُكُ. ٱفْدِنِي وَٱرْحَمْنِي. ١٢ رِجْلِي وَاقِفَةٌ عَلَى سَهْلٍ. فِي ٱلْجَمَاعَاتِ أُبَارِكُ ٱلرَّبَّ».

(٧) هنا يصف وجوده في الهيكل حيثما يسمع ويشترك أيضاً بالحمد والتسبيح للرب. وهناك يخبر الآخرين عما فعله الرب معه من العجائب والعظائم. هو يشتاق للرجوع بعد طول الغياب إلى مراسيم العبادة المعتادة فقد حرمها مدة والآن يرجوها.

(٨) وهنا يظهر كفايته بخدمة العبادة المقدسة. يحق له الطواف حول المذبح الخارجي حيثما كان يسمح لجمهور العابدين أن يكونوا وأما القدس فقد كان للكهنة فقط. هناك يظهر مجده وجلاله ويعاينه كل إنسان.

(٩) يطلب من الله أن يهرب من الذين تأباهم روحه فلا يخالطهم ولا يكون معهم قط. ورجال الدماء هم الذين يقدمون على القتل إذا كانت مصلحتهم تقتضي ذلك ولا قيمة للحياة البشرية في عيونهم.

(١٠) «الرذيلة» تأتي من كلمة تعني القصد الشرير. فهي التي تسبب الصيت الرديء وعدم الطهارة في الفكر والعمل. فهم زناة فاسقون لا يتورعون عن ارتكاب القبائح. وفي الوقت ذاته هم يرتشون يهمهم جمع المال لصرفه في غير طرقه فلا يهمهم إذا جمعوه بغير طرقه أيضاً. ويمينهم التي يجب أن تسبب اليمن والخير والبركة إذا بها تسبب الضرر والحيدان عن الحق لأن الرشوة لا تقدم إلا في سبيل ذلك ولغرض سافل كهذا (راجع تثنية ٢٧: ٢٥).

(١١) يكرر المعنى السابق من جهة الكمال الذي ينشده ويطبقه في حياته. فهو ليس كالذين يذكرهم لذلك فهو سعيد بضميره النقي من كل الشوائب والخطايا والعيوب.

(١٢) وهنا يختم هذا المزمور ويتأكد أن الله يسمع دعاءه ويستجيب صلاته ولا يتركه قط. لقد حسب نفسه من قبل واقفاً في وديان عميقة والضيقات تكتنفه من كل جانب ولا يرى مناصاً أما الآن فهو في السهل الفسيح الممتد أمامه. يعود ليجتمع مع الناس الذين هربوا منه قليلاً أو هو تجنب ازدراءهم. يعود الآن سعيداً مسروراً وأكاليل النصر فوق رأسه. يجد سعادته لأنه قد تخلص من أولئك الأشرار الذين اضطهدوه ولا شيء يؤلم الإنسان مثل صحبة ملزمة لا سبيل للتخلص منها. الآن يشعر المرنم أن الأرض التي يقف عليها ثابتة غير متقلقلة فيلتذ حينئذ أن يرنم للرب مع جمهور العابدين الذين اعتاد أن يشاركهم العبادة ويفرح بمعاشرتهم.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى