سفر المزامير

سفر المزامير | 24 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

لِدَاوُدَ. مَزْمُورٌ

«١ لِلرَّبِّ ٱلأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. ٱلْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ ٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا. ٢ لأَنَّهُ عَلَى ٱلْبِحَارِ أَسَّسَهَا، وَعَلَى ٱلأَنْهَارِ ثَبَّتَهَا. ٣ مَنْ يَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ، وَمَنْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ قُدْسِهِ؟ ٤ اَلطَّاهِرُ ٱلْيَدَيْنِ، وَٱلنَّقِيُّ ٱلْقَلْبِ، ٱلَّذِي لَمْ يَحْمِلْ نَفْسَهُ إِلَى ٱلْبَاطِلِ، وَلاَ حَلَفَ كَذِباً. ٥ يَحْمِلُ بَرَكَةً مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ وَبِرّاً مِنْ إِلٰهِ خَلاَصِهِ».

هذا المزمور يصور دخول الرب إلى مدينته بينما المزمور السابق قد صور لنا شوق المرنم للمكوث في بيت الرب. وقد يكون الداعي لنظم هذا المزمور حينما نقل داود تابوت العهد من قرية جعاريم إلى جبل صهيون حيثما وضعه داود في خيمة خاصة (راجع ٢صموئيل ٥: ١٧ و١١: ١١ و١ملوك ١: ٣٩). وذهب بعضهم أن هذا المزمور مركب من قسمين متباينين من العدد (١ – ٦ وثم ٧ – ١٠) وهذان جمعا معاً كما نراه الآن. دخول الرب إلى هيكله كما في (ملاخي ٣: ١) ثم فتح الأبواب كما في (إشعياء ٤٠: ٣).

(١) يبدأ بتعظيم الله أنه ملك الأرض وكل ساكنيها ما فيها وما عليها.

(٢) هنا فكرة قديمة أن الله أخرج اليابسة من المياه (انظر تكوين ٧: ١١). وهي قدرة الله وحدها التي تستطيع أن ترفع اليابسة وتبقيها مرتفعة هكذا.

(٣) إذا كان العددان الأول والثاني مقدمة فيكون هذا العدد أهم موضوع يبحثه المرنم. والصعود والإقامة هنا من باب الكناية إذ ليس من الضروري أن تكون حرفية وقد تكون أيضاً. سؤال جوهري عن معنى العبادة الحقة لأن القصد من مثل هذا الصعود والإقامة هو أن يقول كيف نقترب لله وكم هذا السؤال شبيه بسؤال (ميخا ٦: ٦ الخ). هو سؤال قديم حديث وعلينا أن نجيب عليه بكل إخلاص وأمانة ولا يهدأ لنا بال حتى يكون الجواب وافياً.

(٤) هنا يبدأ بالجواب فيقول أولاً على اليد أن تعمل الخير وعلى القلب أن يتنقى. وهو نفسه الذي يغتر بالباطل ولا سبيل للكذب في حياته لا سيما حينما يتعهد بشيء أو يقسم فهو دائماً صادق. وقوله يحمل نفسه أي يغرر بنفسه أو هي تغرر به وتخدعه (راجع عاموس ٦: ٨ إرميا ٥١: ١٤).

(٥) ويتابع الجواب أيضاً ويقول عنه أنه مبارك ببركة الرب. فالخير الذي له هو من الله وعليه أن يستعمله في سبيله. وكذلك فالبر الذي فيه ليس براً ذاتياً يتفاخر به بل هو بر الله في قلبه. هو لا يكتفي بصورة نفسه بل يريد صورة الله في نفسه وهكذا يستطيع الإنسان المؤمن أن يعود «لصورته تعالى ومثاله» على شرط أن يقبل الخلاص بالمسيح.

«٦ هٰذَا هُوَ ٱلْجِيلُ ٱلطَّالِبُهُ، ٱلْمُلْتَمِسُونَ وَجْهَكَ يَا يَعْقُوبُ. سِلاَهْ. ٧ اِرْفَعْنَ أَيَّتُهَا ٱلأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَٱرْتَفِعْنَ أَيَّتُهَا ٱلأَبْوَابُ ٱلدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ. ٨ مَنْ هُوَ هٰذَا مَلِكُ ٱلْمَجْدِ؟ ٱلرَّبُّ ٱلْقَدِيرُ ٱلْجَبَّارُ، ٱلرَّبُّ ٱلْجَبَّارُ فِي ٱلْقِتَالِ! ٩ ٱرْفَعْنَ أَيَّتُهَا ٱلأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَٱرْفَعْنَهَا أَيَّتُهَا ٱلأَبْوَابُ ٱلدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ. ١٠ مَنْ هُوَ هٰذَا مَلِكُ ٱلْمَجْدِ! رَبُّ ٱلْجُنُودِ هُوَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ. سِلاَهْ»

(٦) إذاً هؤلاء جماعة من الناس يطلبون من الله ويسعون في سبيله ويلتمسون وجهه ليكونوا في خير وسعادة. وهم الآن أولاد يعقوب ليس باللحم والدم فقط بل بالسيرة والحق (انظر إشعياء ٤٦: ٢ وكذلك رومية ٩: ٦ وغلاطية ٦: ١٦) والأرجح أن اللاويين هنا كانوا يصرخون مترنمين بعد هذا العدد وتكون ختاماً لطيفاً للموضوع لأن في الأعداد التالية ينتقل المرنم على ما يظهر إلى موضوع آخر.

(٧) في هذا العدد يبدأ المرنم بصورة جمهور العابدين قادمين للهيكل وقد وقفوا على الأبواب ويتمنون أن تكون ثابتة للأبد. وهنا يمكن أن نلاحظ أن المزمور لم يكتب في عصر داود بل بعده ربما لأن الهيكل بني بعد زمانه. أو قد يكون إشارة لأمور تاريخية قديمة منذ أيام اليبوسيين الذين منهم اشترى داود أرض الهيكل أو منذ ملكي صادق. ذلك لأن ملك المجد يريد الدخول إلى هيكله. أو هذه أبواب قلعة صهيون عليها أن ترتفع وتسمو لتكون أهلاً لدخول ملك المجد (انظر أيوب ١٠: ١٥ وزكريا ٢: ٤).

(٨) هنا سؤال من الأبواب ذاتها لماذا عليها أن ترتفع؟ ومن هو هذا ملك المجد؟ فيجيب أنه الملك الجبار. هو الرب إله إسرائيل الإله القدير المنتصر في القتال. وهنا صورة دخول الملوك والقواد الظافرين بعد أن يحرزوا المعارك والانتصارات فتستقبلهم بلادهم بمجالي العظمة والتقدير والتكريم؟ وهل التكريم هنا لملك أرضي؟ لقد ربح الإسرائيليون هذه الأرض بحد السيف وكان الرب منتصراً في الحروب كلها.

(٩) لا شك يوجد روعة عظيمة في تكرار السؤال وكذلك تكرار الجواب فهي من التوكيد بمكان عظيم. يريد السائل أن يرسخ الحقيقة في ذهن السامعين ولا يرغب بأي تردد في المعنى تجاه مديح الملك العظيم.

(١٠) رب الجنود «صباؤوت» هو الاسم العلم للرب أيضاً لأنه إله القتال. وتستعمل صباؤوت للنجوم لذلك فإن جنوده سماوية وليست أرضية وانتصاراته هي بقوة السماء على أجناد الأرض وشرورها (انظر يوئيل ٢: ١١ وإشعياء ٤٠: ٢٦). وهذه الأفكار مستقاة من تاريخ إسرائيل القديم (انظر تكوين ٣٢: ٢ الخ وتثنية ٣٣: ٢ وقضاة ٥: ٢٠). هو الرب الملك يريد الدخول لهيكله ليجلس على الكاروبيم في مقدسه بين تسابيح شعبه وتهاليلهم.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى