سفر المزامير

سفر المزامير | 23 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ

مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ

«١ اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. ٢ فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ ٱلرَّاحَةِ يُورِدُنِي. ٣ يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ ٱلْبِرِّ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ. ٤ أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ ٱلْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي».

لقد تقدم في المزمور السابق ذكر وليمة الرحمة والخلاص للجنس البشري ولا شيء أنسب أن يلحقه هذا المزمور الذي يجعل الرب أنه الراعي المحب لشعبه. وهو مزمور التقوى العميقة التي تفوح أزهار أفكارها بأطيب العبير والرائحة الزكية. وهو يتمنى بعد كثرة الهجر والجولان أن يسكن مستقراً في بيت الرب ليكون له السلام المنشود.

(١ و٢) الراعي مذكور في (إشعياء ٤٠: ١١ وحزقيال ٣٤: ٣٧) وإذا كان الناظم داود والأرجح كذلك فهو يتذكر به أيامه القديمة حينما كان راعياً للغنم في بيت أبيه لأن دقة الوصف والحاسات التي يصورها يجب أن يكون مصدرها عن اختبار حقيقي في عمل الراعي وخلقه. ولأن الرب يرعى فلا نحتاج. فهو يقودنا إلى أماكن الكلاء الطيب ويضمنا حيث الراحة والهناء ويعطينا الغذاء اللازم والماء.

(٣) ولأنه راع صالح فهو لا يسمح للغنم أن تشرد إذ هي لا تستطيع أن تقود نفسها فيلزمها من يمشي أمامها ويدلها على السبيل الأمين الذي يجب أن تسلكه لكي تصل بأمان. هو يهدي أي يعطينا الناحية التي يجب أن ننتحيها. المهم في هذه السبل أن توصل أخيراً للهدف وليس الأهمية أن تكون معوجة أو مستقيمة طالما الغاية التي سنصلها واضحة. إن سبل الله كلها بر وسلام وهو يفعل ذلك ليتمجد فهو الرب الكريم المجيد وبعمله هذا يبرهن لي عن نفسه وحينئذ أخضع لقيادته وأسلّمه ذاتي.

(٤) هوذا الغنم تسير وراء الراعي آمنة مطمئنة لأنها تعرف القائد جيداً وتثق به. ليس من الضروري أن تكون «ظل الموت» بل يمكن ترجمتها كلمة واحدة «الظلمات» فإن كلمة ظلم وأظلم مشتقتان في الأصل من ظل الثنائية. ووادي الظلمات هذه هي حينما يكون الراعي سائراً في برية منفردة موحشة فقد تخاف الغنم وترتعب ولكن عزاءها هو بصوت الراعي وعصاه وعكازه.

« ٥ تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِٱلدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. ٦ إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلَى مَدَى ٱلأَيَّامِ».

(٥) في هذا العدد يتحول المرنم إلى صورة جديدة وفكر جديد. وإذا الرب هنا يصبح المضيف ونحن ضيوفه. ومتى دخل البيت فلا يستطيع المضايقون أن يفعلوا شيئاً لأنهم أصحبوا تحت حماية المضيف الذي يعدها أكبر إهانة له أن امتهنهم أحد داخل بيته. بل هذا المضيف يسمح بأن يكون مائدة سخية كريمة ثم يملأ الكأس تماماً فيأكل هذا الضيف مريئاً ويشرب هنيئاً. بل أن المضيف يكرمه كما على مائدة فخمة ملكية فيمسح ضيفه بالزيت المطيب.

(٦) وحيئنذ فإن الأعداء والمضايقين لا يتبعون فيما بعد بل بالعكس فإن الخير والرحمة كلاهما يكونان من نصيبه ولبس لوقت قصير ثم تتغير الحال بل دائماً (انظر هوشع ١٢: ٧ ومراثي ٥: ٢٠).

إن السكن مع الله هو ختام لطيف لهذا المزمور العظيم. فكما أن الغنم تأتي لمبيتها وتستريح وكما أن الضيف يأتي نزلاً يأويه ويطعمه كذلك فإن بيت الرب هو المأوى إلى كل الأيام.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى