سفر المزامير

سفر المزامير | 21 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ

«١ يَا رَبُّ بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ ٱلْمَلِكُ، وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدّاً! ٢ شَهْوَةَ قَلْبِهِ أَعْطَيْتَهُ، وَمُلْتَمَسَ شَفَتَيْهِ لَمْ تَمْنَعْهُ. سِلاَهْ. ٣ لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُهُ بِبَرَكَاتِ خَيْرٍ. وَضَعْتَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجاً مِنْ إِبْرِيزٍ. ٤ حَيَاةً سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ. طُولَ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ. ٥ عَظِيمٌ مَجْدُهُ بِخَلاَصِكَ، جَلاَلاً وَبَهَاءً تَضَعُ عَلَيْهِ».

(١) في المزمور السابق صلاة من الشعب لأجل الملك وفي هذا المزمور تأكيد أن الله قد استجاب الصلاة وسمعها. في المزمور السابق دعاء لكي يوليه الله نصراً على الأعداء وعزة وأما هنا فلتقديم الشكر وعقد الآمال وقد يكون الأول في بدء معارك الحرب وأما هنا ففي خاتمتها وألوية النصر ترفرف فوق الرؤوس.

يبدأ المزمور بتعداد بركات الله على الملك السابقة واللاحقة وهكذا يستمر المرنم على ذلك حتى العدد الثالث. القوة يقصد هنا ما هو ظاهر للعيان من أبهة ومجد أما الخلاص فهو ما ليس ظاهراً بل يمنح من السماء.

(٢) الشهوة هنا تأتي بالعبرانية من شيء يفيد الإرث أي ما هو غريزي متأصل في قلبه وليس شيئاً عارضاً وأنت يا رب قد حققت له ذلك. وما طلبه بلسانه كذلك منحته له. ولأنه يختم هنا سلاه فالأرجح أن هذا المزمور هو ختام لدعاء معروف لدى الشعب جميعاً.

(٣) ليست كل البركات بركات خير فقد يكون بعضها للشر ولكن الالتماس هنا لما هو للبنيان والنجاح والتقدم. وقد يكون هنا إشارة لما ورد (٢صموئيل ٢٢: ٣٠) بعد انتصار داود على ربة العمونيين ووضع التاج بعد غلبة تلك المدينة الملكية وانتصاره عليها.

(٤) ويظهر أن هنا إشارة لتاريخ هذا المزمور أنه كان في أخر أيامه. والدعاء للملك أن يعيش للأبد هو شيء اعتيادي وقديم أيضاً. (انظر ١ملوك ١: ٣١) والمعنى في ذلك أن يعيش مدة من السنين غير محدودة. وقد سأل الناس هذه الأمنية من قبل والرب قد حققها الآن.

(٥) إن نعمة الله وحدها قادرة أن تحتفظ بهذا المجد والجلال لذلك فالفضل كله يعود لما يمنحه الله لا ما يمنحه البشر. إن عطايا الله أعظم من سؤلنا. وهذا المجد هو حمل على الملك ومسؤولية لذلك عليه أن يؤدي حساباً عن كل أعماله. وعلى الحكام والملوك أن يعلموا أن لا مجد ولا جلال إلا ما يمنحه الله من رحمته وخلاصه ولا صولجان أسمى من المحبة للرعية والرعية تخلص للملك وتطيعه وتنجده وتسنده. هذا لأنه بركة الله على الملك وعلى كل نسله.

«٦ لأَنَّكَ جَعَلْتَهُ بَرَكَاتٍ إِلَى ٱلأَبَدِ. تُفَرِّحُهُ ٱبْتِهَاجاً أَمَامَكَ. ٧ لأَنَّ ٱلْمَلِكَ يَتَوَكَّلُ عَلَى ٱلرَّبِّ، وَبِنِعْمَةِ ٱلْعَلِيِّ لاَ يَتَزَعْزَعُ. ٨ تُصِيبُ يَدُكَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ. يَمِينُكَ تُصِيبُ كُلَّ مُبْغِضِيكَ. ٩ تَجْعَلُهُمْ مِثْلَ تَنُّورِ نَارٍ فِي زَمَانِ حُضُورِكَ. ٱلرَّبُّ بِسَخَطِهِ يَبْتَلِعُهُمْ وَتَأْكُلُهُمُ ٱلنَّارُ».

(٦) «جعلته بركات» أقوى جداً من القول منحته أو أعطيته بركات. وهنا قد يكون المعنى أن الله قد باركه جداً كما في (تكوين ١٢: ٢) حتى صار وجوده بين شعبه سبب بركة أيضاً. معروف عن بعض خدم الأغنياء أنهم قد صاروا أغنياء لأنهم التصقوا بهم وعاشوا من خيرهم فكم بالأحرى الملك فإنه سبب بركة للآخرين لا سيما في تلك الأيام القديمة حينما كانت كلمة من فمه ترفع الإنسان لأعلى الدرجات وكلمة أخرى تنزل به لأحط الدرجات. وكلمة تفرح بالعبرانية قريبة باشتقاقها جداً من العربية أي إنعاش الجمال بواسطة أغاني الحادي. وهكذا فإن نعمة الله تفرح الملك وتعينه على حمل أثقال الملك والقيام بالواجبات الكبيرة.

(٧) هنا ينتقل المرنم من مخاطبة الله إلى مخاطبة الملك. على الملك أن يتكل على الله وتكون النتيجة أنه لا يتزعزع قط. هنا سر القوة والنعمة. فكما أن البناء لا يقوم إلا بعد أن يصل الأساس حتى الصخر كذلك فإن بناء حياتنا الروحية لا يثبت إلا بعد أن نلقي كل اتكالنا على صخر الدهور. ونعمة هنا قد تترجم رحمة أيضاً وهذه من العلي مصدر الصلاح والقدرة والسلطان. لذلك فهذا الاتكال يجب أن يبطل كل مخاوفنا ويزيل كل همومنا.

(٨) إن يد الملك القوية الآن بقوة الله تستطيع أن تضرب الأعداء جميعهم. ولأن الملك قد انتصر على كل الأعداء كان له في آخر أيامه سلامة وطمأنينة. إن الله بواسطة الملك سينتقم من المبغضين وحينئذ لا شيء يستطيع أن يحميهم حتى لا التلال ولا الجبال بل تصبح كأنها أوراق التين التي حاول آدم أن يتستر بها لأن قدرته تصل إلى كل إنسان.

(٩) إن أعداء الملك الذين هم أعداء الله وهم أيضاً أعداء شعبه (انظر لاويين ٢٠: ٦ ومراثي ٤: ١٦). لا شيء يستطيع أن يقف في وجه النار ولذلك فهؤلاء الأعداء هم الهشيم المشتعل أمام وجهه. هم الآن ولكن بعد قليل سيضمحلون ولا يكونون. لا يستطيعون أن يقفوا في وجه الملك ويقاوموه كما أن كل ما يشتعل لا يستطيع أن يقف في وجه النار المحترقة بل يحترق هو بدروه أيضاً. إذاً ليخف الأشرار وليرتعبوا لأن نهايتهم أكيدة ومحزنة (انظر ٢صموئيل ١٧: ١١) «التنور» على ما يظهر كان معروفاً ومستعملاً عندئذ وهو شبيه بتنور اليوم.

«١٠ تُبِيدُ ثَمَرَهُمْ مِنَ ٱلأَرْضِ وَذُرِّيَّتَهُمْ مِنْ بَيْنِ بَنِي آدَمَ. ١١ لأَنَّهُمْ نَصَبُوا عَلَيْكَ شَرّاً. تَفَكَّرُوا بِمَكِيدَةٍ. لَمْ يَسْتَطِيعُوهَا. ١٢ لأَنَّكَ تَجْعَلُهُمْ يَتَوَلَّوْنَ. تُفَوِّقُ ٱلسِّهَامَ عَلَى أَوْتَارِكَ تِلْقَاءَ وُجُوهِهِمْ. ١٣ ٱرْتَفِعْ يَا رَبُّ بِقُوَّتِكَ. نُرَنِّمُ وَنُنَغِّمُ بِجَبَرُوتِكَ».

(١٠) نعم إن ظهور داود في مدينة ربة بني عمون كان سبب الاستظهار عليهم واندحارهم التام (راجع ٢صموئيل ١٢: ٢٦) وما يتبع ثمرهم أو ذريتهم كلمتان مترادفتان أي تأكيد هلاك هؤلاء الأعداء حتى لا يقوم لهم قائمة. الثمر يحوي البزر عادة يخلف نوعه وكذلك الذرية هم الأولاد. أي لا هم يبقون ولا أولادهم ايضاً.

(١١) ذلك لأن هؤلاء الأعداء قد أرادوا الشر وتفكروا به وصمموا عليه بل عملوا مكيدة لم يستطيعوها. وقوله «نصب» تدل على وضع شبكة أو أحبولة للإيقاع بالآخرين. ولو استطاعوا لأضروا ضرراً عظيماً ولكن حفظ الله ينجد وعنايته هي التي تخلص.

(١٢) يضرب بسهام على وجوه الأعداء المهاجمين. فهو لا يهابهم ولو كانوا شجعاناً أشداء بل يهاجمهم أيضاً وتكون النتيجة أنهم يرتدون على الأعقاب. وقد بدأ بالعبارة أنهم يتراجعون «يتولون» ثم فسر ذلك بالعبارة التي كملت المعنى بعد ذلك بأنه أطلق السهام عليهم وجابههم بها ولم يتهيبهم قط. وهكذا يكون المعنى متناسباً مع ما سبقه فقد تفكروا بالباطل ورتبوه ونصبوا أشراكاً ولكنهم فشلوا وكان فشلهم تاماً لأنهم ارتدوا على الأعقاب وتراجعوا ولم يستطيعوا أن يواجهوا قوة الملك وجبروته.

وهنا يصل المرنم للختام فقد حلق بعيداً وعالياً والآن يتراجع كما يتراجع الطائر المحلق إلى عشه ومكان راحته. لقد صور الانتصار تصويراً دقيقاً وأسهب في وصفه وكيفية انخذال العدو وكان من الممكن أن يهنئ الملك بالفوز ولكنه يتركه جانباً ويعطي المجد لله. هذا ختام بديع لموضوع بديع وكانما أوحي للشاعر الانكليزي رديرد كبلنغ أن يكتب لئلا ننسى في حفلة اليوبيل الألماسي للملكة فكتوريا. إن العزة والقدرة هي لله وحده فليصمت البشر وليتذللوا أمام العلي. وفي الوقت ذاته فإن كمال الفرح والترنم هو بجبروت الله وليس بأي جبروت آخر. فإن نال الملك نصراً فإنه من الله وإن نال مجداً فليكن من الله.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى