سفر المزامير

سفر المزامير | 18 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِعَبْدِ ٱلرَّبِّ دَاوُدَ ٱلَّذِي كَلَّمَ ٱلرَّبَّ بِكَلاَمِ هٰذَا ٱلنَّشِيدِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أَنْقَذَهُ فِيهِ ٱلرَّبُّ مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِهِ وَمِنْ يَدِ شَاوُلَ. فَقَالَ:

«١ أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِي. ٢ ٱلرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلٰهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلاَصِي وَمَلْجَإِي. ٣ أَدْعُو ٱلرَّبَّ ٱلْحَمِيدَ فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي. ٤ اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ ٱلْمَوْتِ، وَسُيُولُ ٱلْهَلاَكِ أَفْزَعَتْنِي. ٥ حِبَالُ ٱلْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي. أَشْرَاكُ ٱلْمَوْتِ ٱنْتَشَبَتْ بِي».

هذا المزمور موجود بكامل نصه حرفياً على وجه التقريب في (٢صموئيل ٢٢) وفي كلا الموضعين ينسب إلى داود. وليس سوى الذي يشكك في كل شيء يمكنه أن يشكك في هذه النسبة بل يسلم دون أي جدل أنها صحيحة تماماً. وهذا مزمور شكر لله لأجل نجاته كما يذكر العنوان في أوله. والقالب الشعري جميل للغاية والأفكار سامية مملوءة بالإيمان والورع والاتكال الكامل على عنايته تعالى. (١) يكاد يكون العدد الأول بمثابة موضوع المزمور كله وهو يحب الله ويعترف بجميله. فإن اختبار المرنم الطويل عن محبة الله جعله أن يصرخ في الافتتاح ويقول أحبك يا رب. محبة عميقة شديدة بالنسبة للإنسان هي تناسب مع فضل الله وإحسانه نحو الجميع.

(٢) الرب صخرة في ثباتها والركون إليها والاعتماد عليها ثم يقول أنها مجتمعة مع صخور أخرى لتؤلف حصناً ثم إذا بها يقطنها منقذ يمد يده بالخلاص. هو إلهي والتكرار هنا للتوكيد ولزيادة كلمات التعبد والخشوع أمام الله. وكذلك الكلمات التي لي فيصف الله أنه ترس. بل هو يذيع الخلاص ويتممه لأن القرن ينفخ فيه للانتصار ثم يعود يؤكد ما بدأ به كلامه فهو ملجأ أمين.

(٣) هذا هو الرب الذي يليق به الحمد لذلك أدعوه وألتجئ إليه وتكون النتيجة أنني أنال الخلاص من هؤلاء الأعداء الذين يريدون نفسي. إن الله لحميد لأنه بالاختبار قد استحق هذا التعظيم اللائق باسمه (انظر أعمال ٢: ٢١).

(٤) كلما زادت المخاطر أمامنا كلما كانت النجاة أعظم وأثمن. يصور الموت كأن له حبالاً يمسك بها الناس بأشراكه. وينتقل إلى صورة سيول جارفة تفزعه وتحرمه لذيذ المنام.

(٥) وفي هذا العدد أيضاً يكرر المعنى ذاته ويعظم الضيقة التي هو فيها. ويبدل فقط كلمة الموت بالهاوية. وهذان العددان (٤ و٥) هما في حقيقة الأمر بمعنى واحد. ويخبرنا المرنم أنه كان في خطر مداهم كل دقيقة من حياته عندئذ بل كاد يهلك تماماً لولا رحمة الله التي أدركته ونجته (انظر مزمور ١١٦: ٣).

«٦ فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ وَإِلَى إِلٰهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ. ٧ فَٱرْتَجَّتِ ٱلأَرْضُ وَٱرْتَعَشَتْ أُسُسُ ٱلْجِبَالِ. ٱرْتَعَدَتْ وَٱرْتَجَّتْ لأَنَّهُ غَضِبَ. ٨ صَعِدَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ مِنْ فَمِهِ أَكَلَتْ. جَمْرٌ ٱشْتَعَلَتْ مِنْهُ. ٩ طَأْطَأَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. ١٠ رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ وَطَارَ، وَهَفَّ عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلرِّيَاحِ».

(٦) في هذه الحالة الصعبة يلتفت المرنم إلى قوة علوية خارجة عنه هي فوقه فلا يدركها ولكنها حقيقية وحنونة فيستنجد بها ويعتمد عليها. إن الله يلبي النداء ولا يتخلى عن أولاده. يسمع من هيكله لأنه موجود فيه بصورة خاصة وهكذا سمع الصراخ أيضاً.

(٧) يعود بالصورة هنا إلى جبل الله سيناء حينما خاف بنو إسرائيل وارتعبوا ولم يستطيعوا أن يسمعوا (انظر مزمور ١٩). وهذه الكلمات تشبه ما ورد في (حبقوق ٣ و٢تسالونيكي ١: ٧ الخ). والأرض وأسس جبالها ترتج وترتعش كإنما من نفسها لهول المنظر ورهبته.

(٨) إن الدخان كإنما هو نفس النار يتصاعد كما يتصاعد تنفس الإنسان. وهنا يؤكد وجود النار والجمر المشتعل. فغضب الله عامل فتاك يحرق ويبيد ولذلك فالخاطئ يجب أن يخاف ويرتعب ولا يستطيع أن يستمر على حالته بدون مبالاة. تعطي النار تحذيراً بوجود الدخان وتنتهي بوجود الجمر الذي هو كمال الاشتعال.

(٩) وهكذا فإن السموات التي هي كرسي الله تطأطئ وكإنما تنزل وهنا خيال للشاعر رحيب فإنه طالما رأى الغيوم تسوقها الرياح وتذهب بها أنى شاءت. والضباب لا يكون عالياً كالسحاب لذلك فهو يناسب أن يكون في مكان رجليه فقط. والحق يقال أنه لمنظر آخاذ ووصف بديع للغاية.

(١٠) نلاحظ كرب على كروب أي على ملاك أو ملائكة هي خدامه وإذا قلبنا الحروف قليلاً «ركوب» أو مركبة وهنا تأتي الكلمة بشكل اسم مفعول. والكروب ذكر أولاً في (تكوين ٣: ٢٤) الذي وضع حارساً على باب الفردوس. وهو مركبة الله التي يأتي بها ظاهراً للناس بجلاله العظيم. فالكروب بالأحرى هو مظهر الله لشكله الناري حينما يواجه هذا العالم لا سيما بحالة غضب وعدم رضا. وكان لنزوله صوت يهف كإنما هي الرياح تصفق بأجنحتها وتنبئ بوجود قوة تحركها وتسيّرها.

«١١ جَعَلَ ٱلظُّلْمَةَ سِتْرَهُ. حَوْلَهُ مَظَلَّتَهُ ضَبَابَ ٱلْمِيَاهِ وَظَلاَمَ ٱلْغَمَامِ. ١٢ مِنَ ٱلشُّعَاعِ قُدَّامَهُ عَبَرَتْ سُحُبُهُ. بَرَدٌ وَجَمْرُ نَارٍ. ١٣ أَرْعَدَ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَٱلْعَلِيُّ أَعْطَى صَوْتَهُ بَرَداً وَجَمْرَ نَارٍ. ١٤ أَرْسَلَ سِهَامَهُ فَشَتَّتَهُمْ وَبُرُوقاً كَثِيرَةً فَأَزْعَجَهُمْ، ١٥ فَظَهَرَتْ أَعْمَاقُ ٱلْمِيَاهِ، وَٱنْكَشَفَتْ أُسُسُ ٱلْمَسْكُونَةِ مِنْ زَجْرِكَ يَا رَبُّ، مِنْ نَسَمَةِ رِيحِ أَنْفِكَ».

(١١) يصور هنا حالة الضباب الكثيف كإنما في غابة (غبو) كما في العبرانية (راجع خروج ١٩: ٩ وقابل مع إرميا ٤: ٢٩) وفي هذه المناسبة يرسل غضبه من هذه الغيوم.

(١٢) وإذا البروق تملأ الفضاء حتى تعبر الغيوم هذه من مكان لآخر كإنما هي سيف لامع يضرب كبد الظلماء. وبعد ذلك يأتي برد وصواعق ويظهر أنه برد ثقيل مخرّب. وكإنما يصور لنا أن هذا الضباب من شدة لمعان برق الله عليه يتحول إلى برد يتساقط بقوة عظيمة.

(١٣) وصوت الرب كان برعده القاصف الذي ملأ الأجواء البعيدة. وهذه كلها مشتركة تصوّر لنا تلك العاصفة التي كثيراً ما تحدث بصورة مفاجئة فتفزع وترعب حتى أشجع الناس.

(١٤) وقد يكون أن نزلت صاعقة فكان أن جعلتهم يهربون لا يلوون على شيء. واستمرت البروق اللامعة في الفضاء فكانت سبب إزعاج لم يستطيعوا معها المضي في ملاحقتهم لطريدتهم التي هو داود ذاته. والإزعاج هنا يتناول أنه هيجهم وبلبلهم وجعلهم لا يعلمون ماذا يفعلون. وهنا يظهر صوت الرب في الزوبعة.

(١٥) هنا صورة أرضية لما حدث أثناء هذه الزوبعة (راجع متّى ٧: ٢٧). وأعماق المياه تعني مجاري المياه والأنهار فإن هذه السيول الموقتة قد تتعاظم بسبب كثرة الأمطار إلى درجة هائلة. وظهر كإنما أعماق كل شيء قد بان لعين الناظر. وهذا ينسبه كله من غضب الرب على هؤلاء الأعداء فهو بعد أن يفزعهم برعوده وبروقه يكاد يغرقهم بسيوله المتدفقة المتكاثرة.

أما نسمة ريح أنفه فإن ذلك مصحوب بالرياح الشديدة التي تهب من كل ناحية وتتقاذف الأمطار والبرد وتحملها إلى كل جانب كإنما تسد عليه سبل الهرب والنجاة.

«١٦ أَرْسَلَ مِنَ ٱلْعُلَى فَأَخَذَنِي. نَشَلَنِي مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. ١٧ أَنْقَذَنِي مِنْ عَدُوِّي ٱلْقَوِيِّ، وَمِنْ مُبْغِضِيَّ لأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنِّي. ١٨ أَصَابُونِي فِي يَوْمِ بَلِيَّتِي، وَكَانَ ٱلرَّبُّ سَنَدِي. ١٩ أَخْرَجَنِي إِلَى ٱلرُّحْبِ. خَلَّصَنِي لأَنَّهُ سُرَّ بِي. ٢٠ يُكَافِئُنِي ٱلرَّبُّ حَسَبَ بِرِّي. حَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ يَرُدُّ لِي».

(١٦) ولكن الرب مد يده فنشله من الغرق لأن العاصفة شديدة والمياه جارفة والهوة سحيقة. وكلمة نشل (مشا) العبرانية الأرجح مأخوذة من المصرية وهي مذكورة في (خروج ٢: ١٠) تفسر كلمة موسى بأنه المنشول من الماء. وكإنما المرنم يريد أن يقول أنه جعل منه موسى آخر ذاك الذي نشل من النيل ومن غضب فرعون وهذا الذي خلصه الله من يد عدوه الشديد العاتي.

(١٧) يقرّ ويعترف المرنم أن هذا العدو قوي وهذا المبغض شديد لا يستطيع أن يقابله وجهاً لوجه ولكنه يستطيع أن يتكل على الله لأجل خلاصه. في العددين (١٦ و١٧) ينتهي المرنم من وصفه المؤثر البديع لكي يبدأ بعد ذلك في استنتاجاته الروحية التي ترفع النفس وتسمو بالأفكار إلى العلى. ولا يتأخر أن ينسب كل الفضل والإحسان لله فهو الذي خلّصه وأعانه ونجاه من تلك التهلكة العظمى.

(١٨) كادوا يصلون إليه ويمسكونه وينتهي أمره إلى البوار ولكن إذا بالرب يستده ويقويه فلا يقع في أيديهم. فهو العصا والعكاز وإن يكن في وادي ظل الموت.

(١٩) كان في محل ضيق علاوة على حالته الروحية والعقلية الضيقة والآن هو في مكان رحب يستطيع أن يسرح ويمرح فيه غير هياب من أحد.، كان الله مخلصه وذلك لأنه نال رضاه تعالى. هو الممسوح ملكاً حقيقياً على شعبه. ورويداً رويداً يتغلب على شاول في الصيت والكرامة حتى يعتلي أسمى مركز في إسرائيل.

(٢٠) هذا جزاء الصالحين الأبرار لهم مكافأة ولا يمكن أن يتخلى الرب عنهم بل سيذكرهم بخيره ويرحمهم برحمته. فإن مد يده لي بالعون فقد مددت له يدي من قبل بطهارة الأعمال الصالحة التي أتممتها. يرى المرنم هذه الأشياء دالة على عدل الله وبره إذ كيف يتخلى من أتقيائه الراجين رحمته؟

«٢١ لأَنِّي حَفِظْتُ طُرُقَ ٱلرَّبِّ وَلَمْ أَعْصِ إِلٰهِي. ٢٢ لأَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ أَمَامِي، وَفَرَائِضَهُ لَمْ أُبْعِدْهَا عَنْ نَفْسِي. ٢٣ وَأَكُونُ كَامِلاً مَعَهُ وَأَتَحَفَّظُ مِنْ إِثْمِي. ٢٤ فَيَرُدُّ ٱلرَّبُّ لِي كَبِرِّي وَكَطَهَارَةِ يَدَيَّ أَمَامَ عَيْنَيْهِ».

(٢١) يتابع المرنم أفكاره ويشرح مفصلاً علاقته بالله فهو يمشي بطرق الرب ويطيع أوامره.

(٢٢) ثم هوذا ما حكم به الله عليه أو على غيره هي ماثلة أمام عينيه يذكرها ويراجعها لنفسه ويتعظ بها فيرى الصلاح لكي يمشي عل منواله ويرى عاقبة الأشرار وجزاءهم العادل فيبعد عنهم. بل يرى أن من واجبه أن يتمم كل فروض العبادة والانصراف لله (قابل تثنية ١٨: ٣٠ مع ٢صموئيل ٢٣: ٥).

(٢٣) لذلك فهو يرى كماله أي عدم ارتكابه لأي إثم وهنا الكلمة تعود إلى الغواية فهو لا يغوي ولا يغش بل يثبت في الله ويتكمل.

(٢٤) وهكذا فإن الرب إذا جازاني فهو يفعل بالمقابلة براً ببر ويداً بيد لأنه يتأكد طهارة حياتي وكمالها.

«٢٥ مَعَ ٱلرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيماً. مَعَ ٱلرَّجُلِ ٱلْكَامِلِ تَكُونُ كَامِلاً. ٢٦ مَعَ ٱلطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِراً. وَمَعَ ٱلأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِياً. ٢٧ لأَنَّكَ أَنْتَ تُخَلِّصُ ٱلشَّعْبَ ٱلْبَائِسَ، وَٱلأَعْيُنُ ٱلْمُرْتَفِعَةُ تَضَعُهَا. ٢٨ لأَنَّكَ أَنْتَ تُضِيءُ سِرَاجِي. ٱلرَّبُّ إِلٰهِي يُنِيرُ ظُلْمَتِي. ٢٩ لأَنِّي بِكَ ٱقْتَحَمْتُ جَيْشاً، وَبِإِلٰهِي تَسَوَّرْتُ أَسْوَاراً. ٣٠ اَللّٰهُ طَرِيقُهُ كَامِلٌ. قَوْلُ ٱلرَّبِّ نَقِيٌّ. تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ ٱلْمُحْتَمِينَ بِهِ».

(٢٥) الرحيم هو صديق الله والإنسان ولذلك فسلوكه يتناول جانبين البشري والإلهي. والكامل هو المتصف بالأدب الرفيع والتدين والخلوص لله (انظر رومية ١: ٢٨).

(٢٦) والطاهر أي الذي ينقي ويطهر نفسه (١يوحنا ٣: ٣) من المعايب ويسعى في إصلاح كل خلل فيه. أما الأعوج فضد المستقيم. أي الذي يحيد عن طريق الآداب العالمية والمبادئ الصحيحة. ومن السهل أن نرى سذاجة هذا المعنى فإن المرنم يرى تطبيق شريعة عين بعين وسن بسن حتى في الله جل وعلا. ولم تكن قد سمت الأفكار الدينية حتى مجيء المسيح الذي قال «يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلأَشْرَارِ…» (متّى ٥: ٤٥).

(٢٧) والبائس هنا ليس الفقير أو المعدم بل كما يقال بالدارج حتى اليوم (مسكين الله) أي لين الجانب متدين ورع يخشى الله بالعكس عن ذاك المتشامخ ذي العين المرتفعة. فالله يعضد مثل هذا البائس وبالعكس فإنه يضع ذلك المتكبر المتجبر على الله القاسي القلب والمتحجر الضمير (انظر إشعياء ٢٩: ١٤ ولاويين ٢٦: ٢٣). ولا أعتقد أن معنى المرنم هو فقط أن الله هو كما يتصوره الإنسان فنفس الإنسان هي مرآته (انظر ١صموئيل ٢: ٣٠ و١٥: ٢٣).

(٢٨ و٢٩) الرب ضوء سراجه ونوره في الظلمة وفي العدد التالي فهو شجاعته وبأسه وبه يستطيع أن يقتحم الأسوار (٢صموئيل ٢١: ١٧).

(٣٠) «الله» هنا ليس إلوهيم في العبرانية بل الإله الذي سار مع شعبه وقواهم ونجاهم. طريقه كامل أي من سار به لا يضل السبيل وقوله طاهر لأنه يعلّم ألسنتنا الصدق وقول الحق دائماً ثم في النهاية يعود فيكرر القول عن حمايته تعالى لكل اللاجئين إليه والمحتمين به فلا يتركهم أبداً.

«٣١ لأَنَّهُ مَنْ هُوَ إِلٰهٌ غَيْرُ ٱلرَّبِّ! وَمَنْ هُوَ صَخْرَةٌ سِوَى إِلٰهِنَا! ٣٢ ٱلإِلٰهُ ٱلَّذِي يُمَنْطِقُنِي بِٱلْقُوَّةِ وَيُصَيِّرُ طَرِيقِي كَامِلاً. ٣٣ ٱلَّذِي يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَٱلإِيَّلِ، وَعَلَى مُرْتَفِعَاتِي يُقِيمُنِي. ٣٤ ٱلَّذِي يُعَلِّمُ يَدَيَّ ٱلْقِتَالَ فَتُحْنَى بِذِرَاعَيَّ قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ. ٣٥ وَتَجْعَلُ لِي تُرْسَ خَلاَصِكَ، وَيَمِينُكَ تَعْضُدُنِي، وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي».

(٣١) في هذا العدد وما يليه شكر قلبي لجود الله وإحساناته العميمة. وهنا تكرار للمعنى المتقدم فلا إله سواه ولا صخرة يمكن الاحتماء بكنفها سوى الرب العظيم.

(٣٢) هذا الإله القوي الذي يعطي القوة لكل ملتمسيها. وهو الذي يجعل طريقنا مستقيماً كاملاً. أي لا عثرات فيه ولا سقطات للذين يسلكونه. ذلك لأنه طريق يؤدي إلى هدف معين لا نستطيع أن نحيد عنه قيد شعرة ونسلم (انظر أيوب ٢٢: ٣).

(٣٣) الإيل يضرب به المثل بالسرعة فالله قد أعطاه النجاة وجعله سريعاً بها لأن بهذه السرعة استطاع أن يسلم من يد شاول عدوه. بعد أن يسلم من الخطر إذا به يقيم في المكان العالي. كان مختبئاً من قبل أما الآن فيظهر. كان يسير في الأودية والمنعطفات أما الآن ففي أرفع الأمكنة غير هياب ولا وجل. والحرب كرّ وفرّ.

(٣٤) وبعد أن نجاه من التهلكة لم يتركه بطالاً بلا عمل بل نجده يدربه كيف ينجي نفسه مرة ثانية ولا سيما فإن المهمة شاقة أمامه والعمل صعب عليه أن يخلص شعب الله من جميع الأعداء حولهم. ويصبح بارعاً وقوياً بهذا المقدار حتى يستطيع أن يستخدم أشد الأسلحة فتكاً. ولا يخفى ما كان عليه القوس ولا سيما إن كان من نحاس من أهمية في تلك الأيام القديمة (انظر أيوب ٢٠: ٢٤).

(٣٥) وهنا يلتفت ليؤكد أن الخلاص ليس بيده بل من يد الله لأنه هو الذي يعطي ترس الخلاص ويحميه. ولم يعطه الله هذا الترس فقط بل أعطاه يمينه عضداً وسنداً وليس هذا فقط بل كان لطفه سبب تعظيم ورفع.

«٣٦ تُوَسِّعُ خُطُوَاتِي تَحْتِي فَلَمْ تَتَقَلْقَلْ عَقِبَايَ. ٣٧ أَتْبَعُ أَعْدَائِي فَأُدْرِكُهُمْ وَلاَ أَرْجِعُ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. ٣٨ أَسْحَقُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ٱلْقِيَامَ. يَسْقُطُونَ تَحْتَ رِجْلَيَّ. ٣٩ تُمَنْطِقُنِي بِقُوَّةٍ لِلْقِتَالِ. تَصْرَعُ تَحْتِي ٱلْقَائِمِينَ عَلَيَّ. ٤٠ وَتُعْطِينِي أَقْفِيَةَ أَعْدَائِي وَمُبْغِضِيَّ أُفْنِيهِمْ».

(٣٦) توسيع الخطوات أي عدم ضيقها فيستطيع الحركة والعمل برحب (انظر أمثال ٤: ١٢) فإن الرب قد مهّد السبل أمامه وسنده فيها وهكذا لم يتعثر ولم تزل به القدم.

(٣٧ و٣٨) وهكذا في هذا العدد يصبح الضعيف قوياً حتى يستطيع أن يطارد أعداءه ويدركهم ولا يرجع عنهم حتى الظفر التام. هنا منظر القتال الذي لا هوادة فيه ولا لين فأما أن تكون القاتل أو تكون القتيل. ولكنه لا ينسب القوة لنفسه بل يرجعها لله الذي يعطيه إياها. وهنا يصور انخذال الأعداء التام فهم منسحقون تحت رجليه لا يستطيعون الدفاع حتى ولا النهوض.

(٣٩) يجعل القوة منطقته ويشد نفسه بها كما تشد المنطقة جسده فيصبح أخف حركة وأسرع جرياً في مطاردة أعدائه وإحراز النصر. وصرع الأعداء لا فضل له فيه بل كل الفضل يعود لله الذي يقويه.

(٤٠) وإعطاؤه قفا الأعداء دليل هربهم فلا يستطيعون المجابهة والظهور وجهاً لوجه (انظر خروج ٢٣: ٢٧). وهكذا قد نال ظفراً حاسماً وكان حظ المبغضين الفناء التام (انظر تثنية ٣٣: ١١).

«٤١ يَصْرُخُونَ وَلاَ مُخَلِّصَ. إِلَى ٱلرَّبِّ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ. ٤٢ فَأَسْحَقُهُمْ كَٱلْغُبَارِ قُدَّامَ ٱلرِّيحِ. مِثْلَ طِينِ ٱلأَسْوَاقِ أَطْرَحُهُمْ. ٤٣ تُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ ٱلشَّعْبِ. تَجْعَلُنِي رَأْساً لِلأُمَمِ. شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي. ٤٤ مِنْ سَمَاعِ ٱلأُذُنِ يَسْمَعُونَ لِي. بَنُو ٱلْغُرَبَاءِ يَتَذَلَّلُونَ لِي. ٤٥ بَنُو ٱلْغُرَبَاءِ يَبْلُونَ وَيَزْحَفُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ».

(٤١) استنجدوا بإلههم فلم ينجد بل طلبوا من الرب فلم يصغ لصوتهم. إن الرب لا يستجيب على حسب هوى الإنسان ومتى أراد بل على نسبة مشيئته ومتى هو يريد إتمامها.

(٤٢) لقد أصبحوا في أسوأ حالة وإلى أبعد درجة من الاضمحلال إلى تراب «إلى تراب تعود» فتتقاذفه الريح إلى كل جهة كما تفعل بالعصافة. بل يحقرهم إلى أبعد درجة فهم الوحل المرمي في الأسواق سبب أوساخ للمارة وتعب ومشقة للسائرين فيه.

(٤٣) «من مخاصمات الشعب» قد يعود إلى شعب إسرائيل مثلاً ينشقون بين أنفسهم ولا يتخاصمون وداود يكون رأساً لهذا الشعب بل لأمم كثيرة حتى الذين لا يعرفونه ولا علاقة لهم سابقة بهم يلتمسون خاطرهم ويقدمون الخضوع.

(٤٤) وهؤلاء الأمم لأنهم سمعوا بانتصارات داود أصبح واجب الحماية يقضي عليهم أن يلتمسوا رضاه. فهم يذلون أنفسهم لكي يسلموا.

(٤٥) ثم يضمحلون ويفنون ولا يمكنهم أن يسيروا بعد كالبشر بل يزحفون زحفاً كأحقر الأحياء. وقوله من حصونهم يجعل الصورة أتم وأكمل أي إنهم يأتون أذلاء من أعز وأمنع الأشياء عندهم وهي الحصون.

«٤٦ حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ وَمُبَارَكٌ صَخْرَتِي وَمُرْتَفِعٌ إِلٰهُ خَلاَصِي، ٤٧ اَلإِلٰهُ ٱلْمُنْتَقِمُ لِي، وَٱلَّذِي يُخْضِعُ ٱلشُّعُوبَ تَحْتِي. ٤٨ مُنَجِّيَّ مِنْ أَعْدَائِي. رَافِعِي أَيْضاً فَوْقَ ٱلْقَائِمِينَ عَلَيَّ. مِنَ ٱلرَّجُلِ ٱلظَّالِمِ تُنْقِذُنِي. ٤٩ لِذٰلِكَ أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ فِي ٱلأُمَمِ وَأُرَنِّمُ لٱسْمِكَ. ٥٠ بُرْجُ خَلاَصٍ لِمَلِكِهِ، وَٱلصَّانِعُ رَحْمَةً لِمَسِيحِهِ، لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ».

(٤٦) وهنا يبدأ المرنم بالختام فيقدّم الحمد والتسبيح ويؤكد أولاً أن الله حي موجود. فهو صخرة الحماية مبارك وممجد إلى الأبد. وهو مرتفع لكي تتجه إليه كل أنظار السائرين في طريق الموت فينجيهم.

(٤٧) وهو منتقم من الذين سببوا هذا الإزعاج فطارد عنهم الذين طردوه وأخضع الذين حاولوا إخضاعه.

(٤٨) وهو سبب النجاة ولا يتركنا نسقط بل يقيمنا ولا يكتفي بذلك بل يرفعنا فوق هؤلاء الأعداء الظالمين يكرر المعنى بكلمات مترادفة لزيادة التأثير في النفس.

(٤٩) هذا العدد قد نقله الرسول بولس (رومية ١٥: ٩) كما أخذ (تثنية ٣٢: ٤٤ ومزمور ١١٧: ١) وهنا بدء فكرة المسيا المذكورة (٢صموئيل ٧: ١٢ – ١٦).

(٥٠) ويختم بتكرار فكرة الخلاص للملك بل الذي يرحم من مسحه ملكاً على شعبه وبالأخص لداود عبده وللذين يخلفونه من ذريته في مستقبل الأيام.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى