سفر المزامير | 116 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّادِسُ عَشَرَ
«١ أَحْبَبْتُ لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَسْمَعُ صَوْتِي، تَضَرُّعَاتِي. ٢ لأَنَّهُ أَمَالَ أُذُنَهُ إِلَيَّ فَأَدْعُوهُ مُدَّةَ حَيَاتِي. ٣ ٱكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ ٱلْمَوْتِ. أَصَابَتْنِي شَدَائِدُ ٱلْهَاوِيَةِ. كَابَدْتُ ضِيقاً وَحُزْناً. ٤ وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ دَعَوْتُ: آهِ يَا رَبُّ، نَجِّ نَفْسِي».
هنا مزمور مجهول اسم مؤلفه ولكنه ينتهي بكلمة هللويا. والقصد منه هو تقديم الشكر لله من أجل تنجيته من خطر فظيع مميت وهو من هذا القبيل يشبه السابق بأنه للحمد والشكر ولكنه يختلف عنه بأن المتكلم هنا باسم الفرد بينما المزمور السابق فهو باسم جماعة المؤمنين فهو شكر عام شامل بينما هذا فهو شكر شخصي على إحسان شخصي كان له تأثير عظيم على حياة المرنم ذاته. فهو قد اختبر حنو الله العجيب عليه وعطفه الذي لا يستقصى. لقد قسمت التوراة السبعينية هذا المزمور إلى قسمين متمايزين هما أولاً من العدد ١ – ٩ وثانيا من العدد ١٠ إلى الآخر وجعلت منهما مزمورين للتسبيح. كما أنها قد ضمت المزمورين ١١٤ و١١٥ معاً وجعلت منهما مزموراً واحداً. وهذا المزمور المئة والسادس عشر هو من المزامير الحديثة الوضع أولاً بالنسبة لإدخاله عدداً كبيراً من الكلمات الآرامية وثانياً بالنسبة لما يقتبسه هذا المزمور من مزامير سابقة أي قبل السبي ولا سيما المزمور الثامن عشر.
(١ – ٤) قوله «أحببت» قد حذف المفعول به الذي قدره بعدها وهو يقصد أحببت الرب. وإذا اكتفى بالفعل وحده فكإنما يعني أنني محب أي أنني سعيد جداً في محبتي لهذا الإله المحسن الجواد الذي يسمع الدعاء ويستجيب الصلاة. وهو يأخذ العددين ٣ و٤ من المزمور الثامن عشر. هو الذي أمال أذنه وأصغى إليّ لذلك فالمؤمن يدعو الله على مدى الحياة (راجع إشعياء ٣٩: ٨). وفي العدد الثالث يغيّر اقتباسه من المزمور ١٨ قليلاً ولكنه اختبار شخصي فقد كاد يموت لأنه أصيب بشدائد الهاوية التي كانت تشد به إلى أسفل وإذا حياته كلها مريرة متعبة مملوءة بالضيق والأحزان ولكنه حينما يستنجد بالله يفعل ذلك ويعترف بحقائق عامة عالقة في ذهنه بوضوح لأن الله قد استجاب له كما استجاب من قبل للمؤمنين الحقيقيين.
«٥ ٱلرَّبُّ حَنَّانٌ وَصِدِّيقٌ وَإِلٰهُنَا رَحِيمٌ. ٦ ٱلرَّبُّ حَافِظُ ٱلْبُسَطَاءِ. تَذَلَّلْتُ فَخَلَّصَنِي. ٧ ٱرْجِعِي يَا نَفْسِي إِلَى رَاحَتِكِ لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكِ. ٨ لأَنَّكَ أَنْقَذْتَ نَفْسِي مِنَ ٱلْمَوْتِ، وَعَيْنِي مِنَ ٱلدَّمْعَةِ، وَرِجْلَيَّ مِنَ ٱلزَّلَقِ. ٩ أَسْلُكُ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ. ١٠ آمَنْتُ لِذٰلِكَ تَكَلَّمْتُ. أَنَا تَذَلَّلْتُ جِدّاً. ١١ أَنَا قُلْتُ فِي حَيْرَتِي: كُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبٌ».
(٥ – ٩) يذكر هاتين الصفتين لله أنه حنان وصديق أي رحيم وبار (راجع مزمور ١٢: ٤١). هاتان صفتان متلازمتان إلى حد كبير. فبرّ الرب قد أكده لشعبه منذ قديم الزمان (راجع خروج ٣٤: ٦ وما بعده). ومحبة الرب تظهر بجلاء للودعاء الطاهرين في قلوبهم كما ورد في (متّى ١١: ٢٥). وتأثير كلام المرنم راجع بالنسبة لأن هذه الظاهرة الروحية قد تمت له فاختبر حنو الرب ولا سيما بعد ما تذلل ووصل إلى تلك الحالة السيئة فمد له الرب يد العون والإسعاف. في العدد ٧ يخاطب المرنم نفسه وقد رأينا مثل ذلك في (المزامير ٤٢ و٤٣ و١٠٣). يريد أن يتطمأن بعد أن تكررت عليه الآلام والنكبات فها أن الرب قد أظهر إحسانه وأنقذه من موت محتوم كما أنه قد مسح دموعه فلم يعد بينٍ الحزانى الباكين وقد ثبت رجليه لئلا يصبح بين الساقطين. ولذلك فهو الآن قد امتلك زمام نفسه فيعيش في أرض الأحياء وليس في أرض ظلال الموت فلم تقدر حبال الهاوية أن تصل إليه. يمشي الآن سالكاً طريق الكرامة ولكنه يفعل ذلك قدام الرب أي بكل تواضع وخضوع لا اعتداداً بالذات ولا تكبراً كإنما هو قد خلّص نفسه.
(١٠ – ١١) لقد كان له الإيمان الوطيد بهذا الخلاص العتيد (راجع أيوب ٢٤: ٢٢ و٢٩: ٢٤) فبعد أن أظهر هذا الإيمان القوي تذلل أمام الرب فأظهر له الرب عندئذ طريقاً واضحاً للنجدة والخلاص. وفي الوقت ذاته لا يكتم المرنم تألمه من الإنسان فقد اختبر الكذب والاحتيال وهو في حالة الحيرة والارتباك فلم يكن منجد سوى الله.
«١٢ مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ ١٣ كَأْسَ ٱلْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أَدْعُو. ١٤ أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ. ١٥ عَزِيزٌ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ مَوْتُ أَتْقِيَائِهِ. ١٦ آهِ يَا رَبُّ. لأَنِّي عَبْدُكَ. أَنَا عَبْدُكَ ٱبْنُ أَمَتِكَ. حَلَلْتَ قُيُودِي. ١٧ فَلَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ، وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أَدْعُو. ١٨ أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ شَعْبِهِ، ١٩ فِي دِيَارِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ، فِي وَسَطِكِ يَا أُورُشَلِيمُ. هَلِّلُويَا».
(١٢ – ١٤) يتساءل المرنم بعد هذه الاختبارات الجليلة كلها كيف يستطيع أن يقدم الشكر للرب وماذا يستطيع أن يفي من هذا الدين الكبير المتراكم على عنقه. هذا الإله الجواد الذي كرر إحساناته من قبل ولا يزال يكررها عن غير استحقاق. وقوله «ماذا» نستطيع ترجمتها «بماذا» أي بماذا نرد للرب؟ وما هي تلك الأشياء التي نستطيع أن نظهرها للتعبير عن شكرنا العميق واعترافنا بالجميل (راجع تكوين ٤٤: ١٦). فيجيب نفسه بأن أخذ صورة من الفصح وهو أن يأخذ الكأس بيده شاكراً وداعياً باسم الرب (راجع متّى ٢٦: ٢٧). وبعبارة ثانية في لغة اليوم هو يريد أن يشرب نخب الرب بالنسبة لإحساناته العميمة. بل هو يوفي النذور التي عاهد نفسه عليها من قبل ويفعل ذلك جهاراً أمام كل الشعب فيكون بذلك قدوة للآخرين ويريح ضميره على الأقل أنه قام بواجب العبادة.
(١٥ – ١٩) لقد كان الشهداء المسيحيون يرنمون أقساماً من هذا المزمور في اضطهادات الأمبراطور ديشيوس فيمتلئون بالرجاء المطوب أن الرب يهب الحياة ولا يريد الموت لأحد لذلك فهو عزيز عليه أن يموت أحد الأتقياء. ويلتفت المرنم بمنتهى الحنو ويلتمس أن يظل الرب بعلاقته الوطيدة معه طالما هو الذي نجاه وحل قيوده. ويذكرنا هنا بأنه ابن أمة الرب مما يدل على أن والدة هذا المرنم كانت تقية فاضلة يذكرها بالخير ويظهر أن أمثال حنة النبية كان كثيراً عندئذ (راجع لوقا ١: ٣٦). وهنا يوضح بأجلى بيان لماذا قدم إلى أورشليم وقد يكون حاجاً من أطراف البلاد. فهو يقدم ذبيحة الحمد ويوفي النذور ويشهد أمام جميع الناس بما فعله الله نحوه من خير معروف. ويشعر باللذة العظمى أن ينزل حمل هذا الواجب التقوي عن ظهره ولا سيما حينما يختم كلامه هللويا.
السابق |
التالي |