سفر المزامير

سفر المزامير | 115 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْخَامِسُ عَشَرَ

«١ لَيْسَ لَنَا يَا رَبُّ لَيْسَ لَنَا، لٰكِنْ لٱسْمِكَ أَعْطِ مَجْداً، مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ مِنْ أَجْلِ أَمَانَتِكَ. ٢ لِمَاذَا يَقُولُ ٱلأُمَمُ: أَيْنَ هُوَ إِلٰهُهُمْ؟ ٣ إِنَّ إِلٰهَنَا فِي ٱلسَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ. ٤ أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ».

موضوع هذا المزمور هو دعوة لله إله إسرائيل لكي ينجي اسمه ويحافظ عليه من أن يصيبه الناس بأي سوء. ويكاد هذا المزمور أن لا يكون له أية علاقة بالمزمور السابق سوى قوله «بيت إسرائيل» ويقسم هذا إلى فروع عديدة كما نلاحظ من العدد الثاني عشر وما يليه. هو كناية عن صلاة يقدمها إسرائيل لله وذلك لدى هجوم بعض الأعداء للحرب مع الشعب. فيطلب بنو إسرائيل من الله أن ينجدهم على أعدائهم من الأمم الوثنية. وهو يصوّر هذه الأصنام تصويراً يجعل الناس أن يبتعدوا عنها ويرذلوها لأنها لا تنفع شيئاً. وهكذا فإن الله القادر على كل شيء سينصر شعبه ويقتادهم إلى ملء الراحة والطمأنينة بينما أولئك الأعداء لا معين لهم ولا مسعف ولا مجير.

(١ – ٢) ليس المجد ولا الكرامة لإسرائيل لأنه لا يستحق شيئاً من ذلك (راجع مزمور ٣٤: ٢٢ وما بعده). وهذا توبيخ صارخ للشعب حتى يتوبوا ويرجعوا إلى إلههم ولكن المجد والكرامة هما للإله القدوس الذي عرفه الشعب ومجّده منذ قديم الزمان وإلى الآن. يريد الله أن يعرف اسمه من كل إنسان وأن يتمجد لأنه إله رحيم رؤوف بعباده أمين في عهوده نحو الذين يدعون باسمه بنية مخلصة وإيمان وطيد. وأما الفكرة في العدد الثاني فقد تكون مأخوذة من (المزمور ٧٩: ١٠ أو من يوئيل ٢: ١٧ قابل ذلك مع مزمور ٤٢: ٤ وميخا ٧: ١٠) وقولهم أين إلههم؟ يقصد به التحقير أي لا إله لهم ولا يستطيع تنجيتهم.

(٣ – ٤) ولكن المرنم يسرع حالاً بالجواب ويخبر هؤلاء الناس عن هذا الإله العظيم المتعالي فوق السموات. ذاك الذي خلق كل الأشياء وأبدعها من العدم بمطلق مشيئته غير المتناهية. ويقابل حينئذ بين هذا الإله وبين آلهة الشعوب الأخرى التي تحاول تعيير إله إسرائيل بينما هم أولى بالتعيير. يرينا بأجلى بيان الفرق بين الإله الحقيقي وبين الإله الذي يدعيه الناس وهو مخلوقهم لا خالقهم.

«٥ لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. ٦ لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ. ٧ لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي، وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا. ٨ مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا. ٩ يَا إِسْرَائِيلُ ٱتَّكِلْ عَلَى ٱلرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. ١٠ يَا بَيْتَ هَارُونَ ٱتَّكِلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. ١١ يَا مُتَّقِي ٱلرَّبِّ ٱتَّكِلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ».

(٥ – ٨) هو إله متعال قدير يتمم مشيئته بمطلق حريته حتى لا يقدر أن يقول له أحد ماذا تفعل ولا شيء يقيده سوى ما يراه الأنسب وفي الوقت الأنسب. ويبدأ بهذا العدد أن يصوّر لنا هذه الآلهة الصنمية المضحكة التي لا تقنع سوى أصحابها. هي ميتة فكيف تستطيع أن تعطي حياة. قد يكون لها أفواه وأعين وآذان وأيد وأرجل ولكنها للتشبيه ليس إلا فهي لا تستطيع أن تستعمل هذه الأعضاء لما به حاجتها الشخصية فهل بإمكانها أن تساعد وأخيراً ينفي ذاتيتها بتاتاً حينما يقول أنها لا تنطق بحناجرها بينما الإنسان ذاته هو حيوان ناطق فإذن هي أقل من الإنسان لأنها لا تنطق أيضاً. قد يدعي عبدة الأصنام أن هذه للتمثيل فقط وإنهم يعبدون الروح التي وراءها ولكن المرنم يدحض زعمهم ويسخر بهم كما فعل الأنبياء في كل العصور. وهكذا ينزل بهؤلاء العابدين أعظم الهزء والتحقير حينما يقول عنهم أنه مثل أصنامهم لا يرون ولا يسمعون ولا يشمون وبالتالي لا يفعلون شيئاً.

(٩ – ١١) يلتفت بعد ذلك إلى شعب الله وينبههم ويكرر التنبيه على نسبة تكرار المخاطبين فيذكر إسرائيل إجمالاً وبعد ذلك بيت هارون أي الكهنة الذين منهم ينتظر أن يقوم رجال الله الأفاضل الذين يقومون بخدمته بواسطة خدمة شعبه الروحية. بل يخصص في كلامه أتقياء الله أي تلك الجماعة الصالحة التي هي فوق أي رتبة لأنها قد تكون من آية فئة من الناس وربما كانوا من الدخلاء ولكنهم آمنوا بالله وسمعوا وصاياه وقاموا بالشعائر الدينية على أتم وجه. وقول معينهم ومجنهم لكي يقوي وجه المقابلة بصورة معاكسة عن تلك الأصنام التي لا تستطيع شيئاً إذا بهذا الإله القدير يستطيع كل شيء ينجي ويعين إلى التمام.

«١٢ ٱلرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا فَيُبَارِكُ. يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. يُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ. ١٣ يُبَارِكُ مُتَّقِي ٱلرَّبِّ ٱلصِّغَارَ مَعَ ٱلْكِبَارِ. ١٤ لِيَزِدِ ٱلرَّبُّ عَلَيْكُمْ. عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَبْنَائِكُمْ. ١٥ أَنْتُمْ مُبَارَكُونَ لِلرَّبِّ ٱلصَّانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ. ١٦ ٱلسَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ، أَمَّا ٱلأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ. ١٧ لَيْسَ ٱلأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ ٱلرَّبَّ، وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ ٱلسُّكُوتِ. ١٨ أَمَّا نَحْنُ فَنُبَارِكُ ٱلرَّبَّ مِنَ ٱلآنَ وَإِلَى ٱلدَّهْرِ. هَلِّلُويَا».

(١٢ – ١٤) هذا الإله الذي يذكر الأشياء القديمة ويحافظ على العهود المقطوعة. ويرجح أن هذه العبارة كانت تقال لدى تقديم الذبيحة. وحينئذ كان الكاهن يطلب البركة. ونجد المرنم يكرر هذه الأسماء الثلاثة بحسب الترتيب السابق. يبارك بيت إسرائيل ثم بيت هارون ثم متقي الرب جميعهم صغاراً وكباراً حتى لا ينسى منهم أحداً بل يشملهم الله برحمته ويرعاهم بعنايته. وبعد ذلك نلاحظ العدد الرابع عشر أنه يحوي بركة خاصة (راجع تثنية ١: ١١ وايضاً ٢صموئيل ١٤: ٣). فهو يطلب لهم النمو والمزيد حتى أنه رغم اضطهاد الأعداء وتنكيلهم ورغم الموت والتشريد وكل أنواع العذاب فهم سيزدادون عدداً كما سيزدادون نعمة وقوة.

(١٥ – ١٨) وفي العدد الخامس عشر أيضاً نرى بركة مكررة إذ نجد هذا الشعب ينال رضا ربه ذلك الإله العظيم الذي يستطيع كل شيء لأنه صنع كل شيء مما في السماء وما على الأرض. لقد حسب الإنسان القديم أنه يوجد فارق بين السماء والأرض ولا سيما في التاريخ الذي عقب الطوفان ولكن العهد الجديد يزيل هذا الفارق وتصبح السماء والأرض كلتاهما للرب ونجد الرب يسوع يقول «لا تحلف بالسماء لأنها كرسي الله. ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه». ونجد فرقاً آخر من جهة الأموات فهم ذهبوا حسب زعمه ولا يرجعون. فلا يقدرون على التسبيح طالما انحدروا إلى أرض السكوت. ويلتفت أخيراً إلى الأحياء ويطلب منهم وحدهم أن يباركوا اسم الرب ويحمدوه على الدوام ومن الآن إلى الدهر. هللوا إذن يا شعبه وعظموه لأنه وحده يسمع الدعاء طالما الوقت يواتيكم وأنتم أحياء قبل الموت إذ بعدئذ لا تستطيعون أي تسبيح.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى