سفر المزامير

سفر المزامير | 08 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى ٱلْجَتِّيَّةِ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ

«١ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ ٱسْمَكَ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ، حَيْثُ جَعَلْتَ جَلاَلَكَ فَوْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ! ٢ مِنْ أَفْوَاهِ ٱلأَطْفَالِ وَٱلرُّضَّعِ أَسَّسْتَ حَمْداً بِسَبَبِ أَضْدَادِكَ، لِتَسْكِيتِ عَدُوٍّ وَمُنْتَقِمٍ. ٣ إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، ٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ ٱلَّتِي كَوَّنْتَهَا»

(١) هذا المزمور مقتبس منه جداً في العهد الجديد حتى أن الرب يسوع ذاته قد استشهد أكثر من مرة. يبدأ هذا المزمور بتمجيد اسم الرب وكذلك ينتهي. واسمه ممجد في كل الأرض وفي كل المخلوقات. فهو الخالق وهو المعتني بجميع مخلوقاته هو مصدر الكون والسلطان والكمال. وهو الحاكم المطلق والمدير الحكيم ولا مرد لأحكامه. وجلاله فوق السموات حيث الملائكة والمقدسون يمجدونه في الليل والنهار على صورة هي فوق إدراكنا البشري.

(٢) إن الله يصغي لأصوات الأطفال الصغار الذين يسبحون لاسمه (راجع متّى ٢١: ١٦) وكذلك من جهة روحية فإن الله يستخدم البسطاء والجهلاء لكي ينشر بواسطتهم أنوار معرفته وخلاصه. وكلمة حمد هنا يمكن إبدالها بعز أو قوة أي إن الله يستطيع أن يظهر قوته بأضعف مخلوقاته وهم الأطفال الصغار الذين يحتاجون للعناية الحنونة التامة حتى ينموا ويكبروا ولكن هؤلاء الأطفال أنفسهم سيكونون أساساً صالحاً للمستقبل. والمرنم وهو ينظر للقمر والنجوم تسبح الله كذلك يرى الأطفال والرضع يفعلون ذلك لإظهار مجد الله العظيم.

(راجع أيضاً ١كورنثوس ١٠: ٢٧) فإن الله قد قصد أن يجعل من الأمور الاعتيادية أشياء غير عادية وذلك لغرض تسكيت العدو والمنتقم.

(٣) ثم يمدّ المرنم بصره نحو السماء. فيرى القمر بشعاعه الأبيض اللطيف والنجوم الزهر اللامعة السابحة في الفضاء القريب والبعيد. هذه السماء الصافية الأديم عادة في فلسطين أكثر أشهر السنة هي ذاتها يراها الشاعر القديم فيندهش من عظم وجلال هذا الكون بل من عظمة الخالق الذي أوجد هذا الكون المدهش العجيب والمرنم هنا بدلاً من أن يقع في تجربة عبادة الأجرام السماوية كما فعل الكلدان الأقدمون نجده يتخذ هذه السموات اللامعة بنجومها دليلاً على عظمة الخالق وهكذا ينصرف للخشوع والتعبد وتعظيم اسم الله كلما ازداد تمعناً وتفكيراً ويكون ذلك سبب ورع قلبي حقيقي.

«٤ فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ! ٥ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. ٦ تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. ٧ ٱلْغَنَمَ وَٱلْبَقَرَ جَمِيعاً، وَبَهَائِمَ ٱلْبَرِّ أَيْضاً».

(٤) من هو الإنسان؟ لا يستعمل ابن آدم المخلوق على صورة الله بل الإنسان وتأتي الكلمة العبرانية بمعنى الضعيف المتقلب. ثم يقول ابن آدم أي ذلك المخلوق على صورة خالقه. هذا الإنسان ما هو؟ وما هو مقامه في هذا الوجود الشامل العظيم؟

(٥) والملائكة هنا «إلوهيم» أي نفس كلمة الله أي تنقصه قليلاً عن درجة الألوهية. وتزيد عليه بأن تكلله بالمجد والبهاء. والحق يقال أنه لم يكن تمييز كبير بين الآلهة ورسل الآلهة الذين هم الملائكة وفكرة الروح ومتعلقاتها كان لها تاريخ طويل في التطور. فقد حسب كاتب سفر التكوين أن الله يمشي في جنة عدن ويتكلم مع آدم وحواء ثم مع إبراهيم وبعد ذلك نجد الفكر تتطور حينما يصعد موسى على جبل سيناء وإذا به إله بعيد مخوف إله برق ورعد حتى خاف الناس أن يقتربوا أو يمسوا الجبل. والمرنم قد افتكر أن الملائكة هم خدام الله وهم لا شك في صورة الله ولذلك فالإنسان ينقص عنهم قليلاً لأنه في الجسد بينما أولئك في الروح. فهو أوطى منهم لأنه مصنوع من تراب ومن مادة ليس إلا بالعكس عن أولئك.

(٦) يكلله بالمجد والبهاء. ويسلطه على أعمال يديه. إن شارة السلطة في الإكليل يجب أن يعقبها الممارسة ووضعها موضع العمل والتنفيذ. إن الإنسان هو سيد المخلوقات ولكن على شرط أن يتصرف كالسيد لا العبد وعليه أن يخضع الأشياء لنفسه ولا يخضع نفسه للأشياء وإلا كان أدنى منها وأقل قيمة وهو قد وجد ليكون أعظم منها بما لا يقاس. يذكر أيوب ٢٥: ٦ «فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ ٱلإِنْسَانُ ٱلرِّمَّةُ وَٱبْنُ آدَمَ ٱلدُّودُ».

ولكن هذا الإنسان نفسه في عمانوئيل يصبح ذا قيمة عظيمة بالخلاص الذي أعده الله للفداء بابنه الوحيد. والإنسان ملك ومملكته هذه الدنيا التي أوجدها الله. يتصرف بها كما يشاء على شرط أن لا يضر بنفسه ولا بأخيه الإنسان وإلا يكون قد أعطى ملكاً ولم يحسن سياسته.

(٧) هنا يبدأ بوصف مدى سلطة هذا الإنسان فيذكر الغنم والبقر وكافة الحيوانات ووحوش البرية. ثم يذكر السمك كما يذكر طيور السماء ويختم المزمور كما افتتحه بتمجيد اسم الله وتسبيحه.

«٨ وَطُيُورَ ٱلسَّمَاءِ، وَسَمَكَ ٱلْبَحْرِ ٱلسَّالِكَ فِي سُبُلِ ٱلْمِيَاهِ. ٩ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ ٱسْمَكَ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ!».

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى