سفر المزامير | 07 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ
شَجَوِيَّةٌ لِدَاوُدَ، غَنَّاهَا لِلرَّبِّ بِسَبَبِ كَلاَمِ كُوشَ ٱلْبِنْيَامِينِيِّ
«١ يَا رَبُّ إِلٰهِي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. خَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ ٱلَّذِينَ يَطْرُدُونَنِي وَنَجِّنِي، ٢ لِئَلاَّ يَفْتَرِسَ كَأَسَدٍ نَفْسِي هَاشِماً إِيَّاهَا وَلاَ مُنْقِذَ. ٣ يَا رَبُّ إِلٰهِي، إِنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ هٰذَا. إِنْ وُجِدَ ظُلْمٌ فِي يَدَيَّ. ٤ إِنْ كَافَأْتُ مُسَالِمِي شَرّاً، وَسَلَبْتُ مُضَايِقِي بِلاَ سَبَبٍ، ٥ فَلْيُطَارِدْ عَدُوٌّ نَفْسِي وَلْيُدْرِكْهَا، وَلْيَدُسْ إِلَى ٱلأَرْضِ حَيَاتِي، وَلْيَحُطَّ إِلَى ٱلتُّرَابِ مَجْدِي. سِلاَهْ».
(١) لا يعلم تماماً من هو كوش هذا (راجع ١صموئيل ٢٢: ٧ و٨). و «شجوبة» ذكرت في (حبقوق ٣: ١). قد يكون كوش هو نفس شاول أو أحد أنسبائه ولا علاقة لبلاد كوش أي الحبشة فيه. هنا يتلجئ إلى الله لأنه عونه ومنقذه.
(٢) يعترف أن عدوه هو كالأسد من حيث الشدة والبطش كذلك شاول فكما ذاك هو ملك الغابة والوحوش كذلك هو ملك إسرائيل ولأنه اعتمد بالأحرى على البطش الجسدي والقوة العضلية لذلك فكان أقرب لامتياز الحيوان منه لامتيازات الإنسان.
(٣ و٤) هنا جملتان شرطيتان يحاول فيهما داود أن يرفع عن نفسه أية تهمة ويبرأ نفسه من كل ما نسب إليه. يطرح نفسه أمام الله الذي يفحص القلوب ويختبر الكلى ويطلب منه تعالى أن يدينه إذا كان فيه شيء من الشر أو من أضمر الشر من قبل. لذلك فهو لا يستحق مثل هذه المعاملة التي تجعله لا يستقر في مكان بل يظل شارداً مطروداً لا أمان على حياته. وقوله «سلبت» قد تكون إشارة إلى (١صموئيل ٢٤: ٧ و١٠ و١١).
(٥) فإذا كان لم يفعل شيئاً من ذلك فلا مبرر لعدوه شاول أن يطارده هذه المطاردة ويحرمه لذة العيش والمنام. وإن كان يفعل فحيئنذ يكون مبرر لأن يطارده ويدوسه إلى الأرض ويسحقه سحقاً. يود داود أن يظهر براءته ولأنه كذلك فهو محفوظ ومحروس ومجده سيزداد ارتفاعاً ولمعاناً كلما مرت الأيام.
«٦ قُمْ يَا رَبُّ بِغَضَبِكَ. ٱرْتَفِعْ عَلَى سَخَطِ مُضَايِقِيَّ وَٱنْتَبِهْ لِي. بِٱلْحَقِّ أَوْصَيْتَ. ٧ وَمَجْمَعُ ٱلْقَبَائِلِ يُحِيطُ بِكَ، فَعُدْ فَوْقَهَا إِلَى ٱلْعُلَى. ٨ ٱلرَّبُّ يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ. ٱقْضِ لِي يَا رَبُّ كَحَقِّي وَمِثْلَ كَمَالِي ٱلَّذِي فِيَّ. ٩ لِيَنْتَهِ شَرُّ ٱلأَشْرَارِ وَثَبِّتِ ٱلصِّدِّيقَ. فَإِنَّ فَاحِصَ ٱلْقُلُوبِ وَٱلْكُلَى ٱللّٰهُ ٱلْبَارُّ. ١٠ تُرْسِي عِنْدَ ٱللّٰهِ مُخَلِّصِ مُسْتَقِيمِي ٱلْقُلُوبِ».
(٦) يطلب من الرب أن يغضب كغضب أعدائه فإٍن كان هؤلاء لأجل الظلم فغضب الله لأجل إحقاق الحق وإجراء العدالة. إن الرب يرتفع فوق الجميع لذلك يستطيع أن يرى الجميع ويجازي كل واحد عما فعل. يلتمس أن ينتبه إليه لأنه يتبع الحق والرب إله حق ولا ظلم فيه البتة. ما أسمى هذا الفكر فإن الله يغضب ولكنه يرتفع بغضبه ويسمو بسخطه لأنه يجازي المسيء لكي يرجع عن إساءته ويقاص المذنب لكي يتوب عن ذنبه.
(٧) كإنما يريد أن يجمع إلى نفسه العديد من القبائل لكي يشهدوا على ما يفعل وهنا بذرة لفكرة الدينونة حينما يجتمع الناس يوم الدين كما هو مذكور في (متّى ٢٥) ويكون الجزاء علانية أمام الجميع وبعد أن ينهي مهمته معهم يعود إلى حيث أتى.
(٨) هنا المرنم لا يخاف من عاقبة الدينونة بل يتأكد أن الله يحبه. وهو لا يطلب أكثر من حقه ولا يلتمس مكافأة إلا على نسبة الكمال الذي فيه. ثم في العدد (٩) يريد من الله أن ينهي شر الأشرار ولا يبقى سوى الصديقين وما يقدمونه وما يفعلونه. لأن الأشرار هم كالعصافة التي تطير وتذريها الريح وأما الأبرار فهم ذوو وزن وثابتون يقاومون الريح ويقفون في وجهها.
إن الله يعرف الخفايا ويفحص كل شيء ولا يمكن أن يدوم تسيطر الأشرار كل الوقت.
(١٠) إن الله ترس به نتقي سهام الأعداء وضرباتهم القاسية. نحن بدون وقايته وحمايته نسقط ونتحطم أما بمساعدة الله فلا خوف علينا. هو الذي يدافع عنا ويقينا ويسندنا لدى العثار وينشلنا. ذلك لأنه يريد أن تتم إرادته في العالم فقد يخالف الناس هذه الإرادة ويعصون مشيئته ولكن ليس في كل وقت.
«١١ اَللّٰهُ قَاضٍ عَادِلٌ وَإِلٰهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ. ١٢ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ يُحَدِّدْ سَيْفَهُ. مَدَّ قَوْسَهُ وَهَيَّأَهَا، ١٣ وَسَدَّدَ نَحْوَهُ آلَةَ ٱلْمَوْتِ. يَجْعَلُ سِهَامَهُ مُلْتَهِبَةً. ١٤ هُوَذَا يَمْخَضُ بِٱلإِثْمِ. حَمَلَ تَعَباً وَوَلَدَ كَذِباً. ١٥ كَرَا جُبّاً. حَفَرَهُ، فَسَقَطَ فِي ٱلْهُوَّةِ ٱلَّتِي صَنَعَ. ١٦ يَرْجِعُ تَعَبُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى هَامَتِهِ يَهْبِطُ ظُلْمُهُ. ١٧ أَحْمَدُ ٱلرَّبَّ حَسَبَ بِرِّهِ. وَأُرَنِّمُ لٱسْمِ ٱلرَّبِّ ٱلْعَلِيِّ».
(١١) بالطبع لا يتنافى العدل مع السخط قط فإنه كثير الأحيان يجب أن نسخط ونغضب وعلينا أن نفعل ذلك على نسبة الشر الذي يحيط بنا. علينا أن نسخط على الشر ولكن نخلص الشرير منه ولا نخلط بين الأمرين. هو إله عادل لذلك يجازي كل إنسان بما صنع.
(١٢) ويشبه الله بأنه متسلح بسيف محدد ماض مستعد دائماً أن يضرب به. وهو أيضاً قد مد قوسه وهيأها للرمي حتى يصيب بنبالها كل شيء.
(١٣) وإذا به يسدد الرماية وإذا بسهامه كإنما ألسنة من نار ملتهبة تذهب بعيداً وتحرق كل من تصيبه.
إذاً فهو لا يغار من الشرير ولا يحسده لأن نهايته محتومة وطريقه معروفة ولأنه يسلكها فهو سيصل إلى الهلاك أخيراً.
(١٤) إن تعبه هو كتعب الوالدة في المخاض أما هذه فلكي تلد حياة وأما ذاك فيلد إثماً ويكثر شراً على الأرض. ثم يكرر الاستعارة ويرينا أنه بعد حمله وما نواه في قلبه إذا به كذب وبهتان كل مقاصده.
(١٥) ولكن هذا الشر الذي يضمره هو كحافر الحفرة لأخيه هو أول من يسقط فيها. قصد أن يسقط غيره فسقط هو أولاً لذلك فعلى الأشرار أن يتأكدوا أن مصيرهم سيعود عليهم وضررهم سليحقهم قبل أي إنسان يقصدونه.
(١٦) وإذا بالويل الذي يقصده ويحمله يرجع عليه أولاً ويسقط على هامته ويتحطم تحطيماً.
والظالم لا شك سيبلى بأظلم. إلا فليعتبر أولو الشر ومحبذوه وليخافوا وليرجعوا إلى الله بالتوبة وطلب الغفران قبل أن يأتي وقت الدين.
(١٧) ثم ينهي هذا المزمور بالحمد والتسبيح فهو قد اتكل على الرب ولا يخيب بل سوف ينتظر خيراً. فقد افتتح المزمور بالاتكال على الرب وطلب حمايته والرب قد حماه وأعطاه اليقين بعاقبة اتكاله هذا وما عليه الآن إلا أن يرنم ويسبح لاسمه القدوس العلي.
السابق |
التالي |