سفر المزامير

سفر المزامير | 114 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلرَّابِعُ عَشَرَ

«١ عِنْدَ خُرُوجِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ وَبَيْتِ يَعْقُوبَ مِنْ شَعْبٍ أَعْجَمَ، ٢ كَانَ يَهُوذَا مَقْدِسَهُ وَإِسْرَائِيلُ مَحَلَّ سُلْطَانِهِ. ٣ ٱلْبَحْرُ رَآهُ فَهَرَبَ. ٱلأُرْدُنُّ رَجَعَ إِلَى خَلْفٍ».

رأساً بعد المزمور السابق الذي يحوي التهليل والتسبيح لاسم الرب نجد هذا المزمور التاريخي الذي يتخذ من حوادث ماضية ما يدعم به موقفه لأجل تكريم اسم الرب وتمجيده لأجل كل عظائمه التي فعلها. هو مزمور اليوم الثامن في عيد الفصح اليهودي وهو أعظم الأيام بحسب الطقوس التعبدية. ويحاول المرنم أن يعيد للذاكرة تلك الأحداث التي جرت في فاتحة تاريخ بني إسرائيل وكان لها أعظم الأثر في تكوين الأمة وإعلاء شأنها. وهو يذكرها بصورة موجزة رائعة تأخذ بمجامع القلوب لما فيها من جليل العبرة والذكرى. وينقسم المزمور إلى ثمانية أعداد مختصرة ولكنها سريعة السرد والحركة كما انها تعطي المطالع صورة كالبرق الخاطف.

(١ – ٣) لقد خرج إسرائيل من بين أقوام عجم لأن الناس في مصر كانوا يتكلمون لغة تختلف عن لغتهم فلم يستطيعوا فهمها. فكانت لهم إذن تمتمة غير مفهومة. وكانت يهوذا مقدسة لأن في أرض يهوذا قد بني الهيكل العظيم (خروج ١٥: ١٧). وفيه كان يقوم الكهنة بتقديم العبادة للرب بالتناوب. وأما إسرائيل أي القسم الشمالي من البلاد فكان في غنى وعز وكرامة حتى ظهر أن تلك البلاد هي مكان السؤدد لشعب الله. ولا شك أن البلاد الشمالية من أرض إسرائيل كانت أغنى أقسام البلاد وعاش الناس في بحبوحة ورخاء ولولا أنهم انغمسوا في عبادات الأمم المجاورة لكانوا حافظوا على التراث الديني والأدبي أكثر كثيراً من القسم الجنوبي في البلاد. ويذكرنا حالاً بتلك الحادثة التاريخية التي لم يفتر الشعب يذكرها على مدى الأجيال وهي عبور بحر سوف (الأحمر). بل وبعد ذلك أيضاً عبور نهر الأردن. فكما ابتدأ امتلاك الأرض بعبورهم البحر الأحمر كذلك فقد كان الختام لتجوالهم حينما عبروا نهر الأردن وأصبحوا على الضفة الأخرى من البلاد. لقد دخلوا أرض الموعد بعد أن خرجوا من مصر بلاد العبودية ليصبحوا أمة تعبد الله وتتمم وصاياه.

«٤ ٱلْجِبَالُ قَفَزَتْ مِثْلَ ٱلْكِبَاشِ، وَٱلآكَامُ مِثْلَ حُمْلاَنِ ٱلْغَنَمِ. ٥ مَا لَكَ أَيُّهَا ٱلْبَحْرُ قَدْ هَرَبْتَ، وَمَا لَكَ أَيُّهَا ٱلأُرْدُنُّ قَدْ رَجَعْتَ إِلَى خَلْفٍ، ٦ وَمَا لَكُنَّ أَيَّتُهَا ٱلْجِبَالُ قَدْ قَفَزْتُنَّ مِثْلَ ٱلْكِبَاشِ، وَأَيَّتُهَا ٱلتِّلاَلُ مِثْلَ حُمْلاَنِ ٱلْغَنَمِ؟ ٧ أَيَّتُهَا ٱلأَرْضُ تَزَلْزَلِي مِنْ قُدَّامِ ٱلرَّبِّ، مِنْ قُدَّامِ إِلٰهِ يَعْقُوبَ! ٨ ٱلْمُحَوِّلِ ٱلصَّخْرَةَ إِلَى غُدْرَانِ مِيَاهٍ، ٱلصَّوَّانَ إِلَى يَنَابِيعِ مِيَاهٍ».

(٤) يصور لنا في هذا العدد وقت إعطاء الشريعة فقوله أن الجبال قفزت كما فعلت الآكام أيضاً فهو يشير إلى اهتزاز جبل سيناء كأنه مضطرم بالنار (خروج ١٩: ١٨). ونعجب لهذه الصورة أن تصبح الجبال كأنها تقفز من مكانها. لا شك أن المرنم قد رأى شيئاً من الزلازل وفعل البراكين وشاهد بأم عينه تلك النيران ذات اللهب تنقذف من فوهة البركان ترمي حممها إلى الأماكن المجاورة لها وتملأها بالرماد المتطاير إلى مسافات بعيدة وتجعل السكان في رعب وهلع.

(٥ – ٦) يعود المرنم مرة أخرى للفكرة الأولى التي تقدّم بها لدى عبور الشعب في البحر الأحمر أو عبورهم بعد ذلك في نهر الأردن وبهذه الواسطة يزيد الكلام توكيداً. ويجعل البحر والنهر كليهما في حالة خوف من الرب. كما أنه يكرر تعجبه من حالة الجبال والتلال فهي أشبه بالكباش القافزة إلى كل جانب بينما الحملان تتراكض إلى الأمكنة المعشوشبة لترعى وتقتات.

(٧ – ٨) هذه الأرض كلها تتزلزل قدام الرب الذي صنعها وهو إله يعقوب المعروف لدى شعبه المسبّح له والممجد من كل الذين يعترفون باسمه ويذيعون شكره وإحسانه إلى كل الناس. وينتقل بعد ذلك إلى العدد الأخير فنجده يعيد لذاكرتنا تلك الحوادث التي أجرى عجيبته فيها حينما أخرج الماء من الصخرة (انظر العدد ٢٠: ١١). ويتسائل الإنسان الماذا اختار المرنم هذه الأشياء لكي تظهر عظمة الرب وقدرته. فنجيب لأن الصخرة الصوانية التي منها خرج الماء تحول القفر كله إلى أمكنة قد تصبح عامرة خصبة. لذلك فعلى الإنسان أن يعترف بجميل الله. ذاك الذي أوجد كل الخيرات للإنسان وعليه أن يطيعه كما تطيعه كل مخلوقاته من الجماد مهما كبرت وعظمت.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى