سفر المزامير | 113 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ عَشَرَ
«١ هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ ٱلرَّبِّ. سَبِّحُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ. ٢ لِيَكُنِ ٱسْمُ ٱلرَّبِّ مُبَارَكاً مِنَ ٱلآنَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ. ٣ مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا ٱسْمُ ٱلرَّبِّ مُسَبَّحٌ. ٤ ٱلرَّبُّ عَالٍ فَوْقَ كُلِّ ٱلأُمَمِ. فَوْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ مَجْدُهُ».
كان هذا المزمور كما يدل عليه مطلعه للتسبيح وكان يرنم في الأعياد الكبيرة الثلاثة وهي أولاً عيد التكريس ثم في رأس كل شهر جديد ما عدا رأس السنة الجديدة وعيد الغفران لأن في هذين العيدين لم يكن يناسب التهليل وإظهار الفرح والابتهاج بالنسبة لأنها خشوعية أكثر مما هي مفرحة. ثم في عيد الفصح فكانوا يرنمون (المزمورين ١١٥ و١١٨). بل كانوا يسمون المزامير من (١١٣ – ١١٨) ولا سيما المزامير (١١٥ – ١١٨) مزامير التهليل. بينما كان المزمور ١٣٦ يسمى مزمور التهليل العظيم بالنسبة لتكرار هذه العبارة ستاً وعشرين مرة في مزمور واحد. من بين الأمور التي تدعو إلى تسبيح الله هو تنازله الإلهي العجيب نحو المتواضعين فهو يريد أن يرفعهم إليه من حالتهم المحزنة السيئة. ولذلك نجد العذراء المباركة تقتبس من هذا المزمور ومن ترنيمة حنة (انظر ١صموئيل ٢) حينما رنمت ترنيمتها (راجع لوقا ١: ٤٦ – ٥٥).
(١ – ٣) يدعو عبيد الرب للتسبيح لكي يمجدوا اسمه ويذيعوا شكره ويحدثوا برحمته. وقد شاع استعمال هذا التعبير عبد الرب أو عبيد الرب خصوصاً بواسطة القسم الثاني من سفر إشعياء وهذه الدعوة لكي يظهر الإنسان المؤمن ما تنطوي عليه علاقته مع إلهه. فيجب أن يعترف بأن اسمه مبارك إلى الأبد وهو كذلك مكرم في كل مكان إن في الشرق أو في الغرب أو في أي الأمكنة وبين جميع الشعوب.
(٤) ولأنه يستحق التسبيح هكذا فهو مرتفع على جميع الأمم. ومجده فوق السموات. فإن كان ممجداً هكذا عند الأمم فكم بالأحرى يجب أن يكون ممجداً عند شعبه. هذا الإله الصانع العظائم وحده الذي له ملك الأرض والسموات وكل ما فيهما تذيع شكره وحمده الآن وإلى الأبد. والعلو معناه الشمول أيضاً فهو إله يشمل برحمته كل البشر ولم يعد إله شعب واحد بل هو لكل الشعوب لذلك يرتفع عليهم جميعاً.
«٥ مَنْ مِثْلُ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا ٱلسَّاكِنِ فِي ٱلأَعَالِي، ٦ ٱلنَّاظِرِ ٱلأَسَافِلَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَفِي ٱلأَرْضِ، ٧ ٱلْمُقِيمِ ٱلْمِسْكِينَ مِنَ ٱلتُّرَابِ، ٱلرَّافِعِ ٱلْبَائِسَ مِنَ ٱلْمَزْبَلَةِ ٨ لِيُجْلِسَهُ مَعَ أَشْرَافٍ، مَعَ أَشْرَافِ شَعْبِهِ. ٩ ٱلْمُسْكِنِ ٱلْعَاقِرَ فِي بَيْتٍ، أُمَّ أَوْلاَدٍ فَرْحَانَةً! هَلِّلُويَا».
(٥ – ٦) نعم إن مجموعة الأمم والشعوب هي كبيرة وعظيمة ولكن الله أعظم منها جميعاً. والسموات هي مرتفعة وعالية ولكن الله الذي خلقها هو أعلى منها وأرفع. ولكنه مع شدة ارتفاعه غير المتناهي فهو يتنازل بصورة عجيبة حتى يصل تنازله إلى أسفل الأمكنة وأحقر العالمين. فهو منزه عن مخلوقاته وهو في الوقت ذاته يعمل فيها ومن أجلها فإن عنايته عظيمة وشاملة ولا تقف عند أي الحدود. لا شيء يعادل الله ولا شيء يقاس به. فإن جميع مخلوقاته هي صنع يديه وهي خاضعة لمشيئته ولا تستطيع أن تعصى أوامره ولذلك فهو يسترها دائماً لما به الخير الحقيقي ولمصلحة المجموع. إذن فلا شيء مهما كان خفياً بعيداً هو أبعد من أن يشمله بعنايته ولا شيء مهما كان صغيراً وحقيراً هو أقل من أن يتغافل عن ملاحظته وتسيير أموره.
(٧ – ٩) هو يلتفت للمتسول الفقير الذي يقف على قارعة الطريق يستندي الأكف للمساعدة فيضطر أن يجلس على الطريق ويرتمي على المزبلة المملوءة بالنفاية والرماد فقد يكون فيها شيء من الحرارة والدفء مما يعينه على أن يقضي ليلته في العراء دون أن يحتاج إلى مأوى. وهكذا فالذي قد رفضه إخوانه بنو البشر قد رفعه الله وأقامه من حالته السيئة هذه. لأن الله لا يلتفت إلى المتكبرين المتغطرسين بل يرحم المساكين المتواضعين الذين لا معين لهم (راجع ١ملوك ١٦: ٢ وقابله مع ١ملوك ١٤: ٧). ولا شك أن المرنم يضع ترنيمة حنة في باله حينما يرى أن هذا البائس يرتفع ولا يبقى في حالته الوضيعة. وكما رفع حنة من ذلها وباركها في عقمها بأن أعطاها ولداً أصبح صموئيل النبي كذلك فإن الله اليوم أيضاً يعطي لخائفي اسمه أن يرتفعوا ويجلسوا مع الأشراف. ومما يؤكد لنا هذا الاقتباس أن المرنم يذكر المرأة العاقر التي لا تبقى عاقراً بل تصبح ذات أولاد فخورة فرحانة. وينتهي كما افتتح بالتسبيح هللويا لهذا الإله المحب الشفوق المعتني بالجميع.
السابق |
التالي |