سفر المزامير

سفر المزامير | 112 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّانِي عَشَرَ

«١ هَلِّلُويَا. طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلْمُتَّقِي ٱلرَّبَّ، ٱلْمَسْرُورِ جِدّاً بِوَصَايَاهُ. ٢ نَسْلُهُ يَكُونُ قَوِيّاً فِي ٱلأَرْضِ. جِيلُ ٱلْمُسْتَقِيمِينَ يُبَارَكُ. ٣ رَغْدٌ وَغِنىً فِي بَيْتِهِ، وَبِرُّهُ قَائِمٌ إِلَى ٱلأَبَدِ. ٤ نُورٌ أَشْرَقَ فِي ٱلظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ. هُوَ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ وَصِدِّيقٌ».

لقد رأينا في المزمور السابق حمداً للحكم الذي يجريه الرب على العالم وأما هذا المزمور فمع أنه يشابهه في شكله ولكنه يختلف عنه بأنه يمدح الإنسان الذي يتمشى بحسب شريعة الله. وهو أيضاً مرتب بحسب أحرف الهجاء وكما أن المزمور السابق يبحث عن بر الله فهذا المزمور يبحث عن بر الإنسان الذي يخاف الله.

(١ – ٤) نجد في العدد الأول الموضوع الذي يبحثه المزمور من أوله إلى آخره. يرينا المتقي الرب المطوب وهو السعيد بوصايا إلهه يتمشى عليها لا عن اضطرار بل عن اختيار لأنه يجد فيها مبعث الطمأنينة والسلام وهذه الحالة تتعدى هؤلاء الناس إلى أولادهم من بعدهم فيكون نسلهم قوياً لأنه جيل من الناس قد باركه الرب. يكون له غنى وبحبوحة وتوفيق في كل ما يفعله وهذا لا يكون إلى وقت محدود ثم ينقضي بل يبقى على الدوام حتى يعتبر به الآخرون ويقتدوا. فكما أن الله إله بر واستقامة كذلك ينتظر من الأبرار أن يمشوا في السيرة الصالحة على الدوام. وهكذا يرون الآخرين أن برهم هو ليس شيئاً وقتياً يظهر قليلاً ثم يضمحل بل هو مؤسس على مبادئ قويمة متينة لا تزيدها مر السنين سوى قوة ومضاء. والعدد الرابع يشبه كثيراً ما ورد في (إشعياء ٦٠: ٢).

ذهب أحد المفسرين إلى ترجمة العدد الرابع هكذا «نور قد أشرق للمستقيم الذي هو حنان ورحيم وصديق» ولكن هذه الترجمة غير ممكنة بالنسبة للنسق الشعري والأفضل أن هذه النعوت هي لله سبحانه وليس للإنسان (راجع خروج ٣٤: ٦ وقابله مع مزمور ١٤٥: ٨ و١١٦: ٥). إن الله نفسه هو النور المشرق في الظلمة لأنه حنان ورحيم (راجع ملاخي ٣: ٢٠ وأيضاً راجع إشعياء ٣: ١٠ وإرميا ٤٤: ١٧).

«٥ سَعِيدٌ هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ. يُدَبِّرُ أُمُورَهُ بِٱلْحَقِّ. ٦ لأَنَّهُ لاَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. ٱلصِّدِّيقُ يَكُونُ لِذِكْرٍ أَبَدِيٍّ. ٧ لاَ يَخْشَى مِنْ خَبَرِ سُوءٍ. قَلْبُهُ ثَابِتٌ مُتَّكِلاً عَلَى ٱلرَّبِّ. ٨ قَلْبُهُ مُمَكَّنٌ فَلاَ يَخَافُ حَتَّى يَرَى بِمُضَايِقِيهِ. ٩ فَرَّقَ أَعْطَى ٱلْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ قَائِمٌ إِلَى ٱلأَبَدِ. قَرْنُهُ يَنْتَصِبُ بِٱلْمَجْدِ. ١٠ ٱلشِّرِّيرُ يَرَى فَيَغْضَبُ. يُحَرِّقُ أَسْنَانَهُ وَيَذُوبُ. شَهْوَةُ ٱلشِّرِّيرِ تَبِيدُ».

(٥ – ٦) هو إنسان سعيد ذاك الذي يتعمد إسعاد الآخرين فهو يرأف بأحوالهم ولا يتأخر عن أن يقرضهم مالاً إذا كانوا في حالة مادية سيئة. ومن جهة أخرى فهو حسن التدبير لا يرمي المال جزافاً بل يتصرف بحسن تدبير. فيعرف أن يخبئ درهمه الأبيض ليومه الأسود ولكنه يجد أن أحسن سبيل للتدبير هو أن يرى جاره بخير أيضاً فلا يكتفي بالخير لنفسه. وهكذا يثبت مركزه فلا يتزعزع بل يبقى ذكره للأبد. لقد كان حكيماً فيما هو للخير الحقيقي لنفسه وللآخرين أيضاً.

(٧ – ٨) لأنه قلبه مملوء ثابت بالرب فهو لا يخاف الشرور ولأن ضميره مرتاح فهو قرير العين ناعم البال. وهو يعزو فضيلته ليس إلى نفسه بل إلى الله الذي يتكل عليه ويثبت فيه. هو كالشجرة التي تثمر ثمراً جيداً لأن أصولها تتغذى بالتربة الجيدة. وهذا البار يعمل الصلاح ويسعد به لأنه مؤمن بالله وبار في شرائعه ووصاياه. وهو لا يخاف شيئاً (راجع إشعياء ٢٦: ٣) وهو يرى بمضايقيه أي أنه يكون في حالة يحسده عليها المضايقون.

(٩ – ١٠) هو محسن جواد لا يبخل بماله من أجل الإحسان وهو يفعله عن عقيدة قيامه بالواجب لأنه بار ثابت ولذلك فإن الله يكافئه بالكرامة والمجد. ويأخذ الرسول بولس هذه العبارة ويستعملها لحث المؤمنين المسيحيين (راجع ٢كورنثوس ٩: ٩) وإن يكن أن العهد الجديد لا يأخذ براً لذات الإنسان من أي عمل يفعله. ولكن الشرير من جهة ثانية يرى هذا البار فيغضب متميزاً من الحسد حتى تكاد شهوة الانتقام تقتله ويحول ذله تجاه هذه الأعمال المبرورة إلى خجل ممض وتكون النتيجة أن شهوته للشر هي التي تميته. فيكون هذا حياة لبار وإبادة للشرير الحسود.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى