سفر المزامير | 41 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ
لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ
«١ طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمِسْكِينِ. فِي يَوْمِ ٱلشَّرِّ يُنَجِّيهِ ٱلرَّبُّ. ٢ ٱلرَّبُّ يَحْفَظُهُ وَيُحْيِيهِ. يَغْتَبِطُ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُسَلِّمُهُ إِلَى مَرَامِ أَعْدَائِهِ. ٣ ٱلرَّبُّ يَعْضُدُهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ ٱلضَّعْفِ. مَهَّدْتَ مَضْجَعَهُ كُلَّهُ فِي مَرَضِهِ. ٤ أَنَا قُلْتُ: يَا رَبُّ ٱرْحَمْنِي. ٱشْفِ نَفْسِي لأَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَيْكَ».
(١) هذا هو المزمور الأخير من سلسلة المزامير التي تحمل اسم ناظمها داود وهو يحمل الطوبى كما في المزمور الأول. يطوب الإنسان ذا الشعور الحنون والقلب العطوف نحو المسكين. والمسكين هو أي ضعيف إن كان في الجسم أو مصاباً بأي ويلٍ أو أحزان. فهذا الإنسان العطوف سيعطف عليه الرب وينجيه مما قد يقع فيه لأن إحسانه لا يذهب سدى.
(٢) قوله يحفظه أي يقيه من الخراب والدمار ويسنده في الضعف وأيام العوز. وحينما يكون في ضيق يعطيه حياة. ثم إن هذه الحياة مملوءة بالغبطة والتوفيق وينصره على أعدائه فلا ينال هؤلاء مآربهم منه. نلاحظ أن البركة التي تصيبه هي على الأرض ولا ذكر للحياة الثانية بعد الموت. إن الله بواسطة إحسانه يتغلب على شرور الناس وعداوتهم لذلك فهو لا يسمح لأن يصيبهم أي سوء إلا ويجد لهم مخرجاً حميداً.
(٣) ويظهر عطف الله بالدرجة الأولى على المريض وهو على فراش الضعف والسقام ذلك لأنه يكون بأمس الحاجة للمساعدة. ولذلك فإن الله يجعل فراشه وثيراً مريحاً فلا يكون مرضهم للموت ولا يبقون في حالتهم بلا أمل أو رجاء. عليهم أن يحتملوا حالتهم بصبر وحسن تسليم ومتى كانت النفس مطمئنة فحينئذ ضعف الجسم يتحول إلى قوة.
(٤) في ضعفه الشديد هذا لم ينس إلهه بل يطلب رحمته ورضاه. يطلب أن يشفى مما هو فيه ويظهر أن ضعفه كان على وجهين:
الأول: الضعف الجسدي فالأرجح أنه كان مريضاً ضعيفاً.
الثاني: إنه كان يشعر بالخطيئة والإثم.
إن الله رحيم لا يتخلى عنا بل رأفته دائماً هي التي تشفينا وتحفظنا على الدوام. هو يطلب الرحمة كذلك العشار (انظر لوقا ١٨: ١٣) ولا يظن في قوله «أنا أخطأت إليك» ان المرنم يشير إلى أية خطيئة خاصة أو إثم اقترفه ولكن المعنى على الأرجح أنه يعبر عن شعوره بالخطأ وعدم الاستحقاق ولكنه يرجو رحمة الله وإحسانه فقط.
«٥ أَعْدَائِي يَتَقَاوَلُونَ عَلَيَّ بِشَرٍّ: مَتَى يَمُوتُ وَيَبِيدُ ٱسْمُهُ؟ ٦ وَإِنْ دَخَلَ لِيَرَانِي يَتَكَلَّمُ بِٱلْكَذِبِ. قَلْبُهُ يَجْمَعُ لِنَفْسِهِ إِثْماً. يَخْرُجُ فِي ٱلْخَارِجِ يَتَكَلَّمُ. ٧ كُلُّ مُبْغِضِيَّ يَتَنَاجَوْنَ مَعاً عَلَيَّ. عَلَيَّ تَفَكَّرُوا بِأَذِيَّتِي. ٨ يَقُولُونَ: أَمْرٌ رَدِيءٌ قَدِ ٱنْسَكَبَ عَلَيْهِ. حَيْثُ ٱضْطَجَعَ لاَ يَعُودُ يَقُومُ».
(٥) إن هؤلاء الأعداء شامتون بحالته يفرحون بمرضه وضيقته وعندئذ ينصبون له الأحابيل ويكيدون. وجل ما يتمنونه ليس فقط أن يدوم ضيقه ومرضه بل أن يهلك تماماً ويبيد إثمه. لا ندري إن كانوا من طراز أولئك الأعداء الذين قد يسممون له ويوقعون فيه الأذية والضرر عملياً ولكنهم إن استطاعوا لذلك سبيلاً لا يتأخرون إذ ينوون الشر ومتى نوى الإنسان الشر فلن يعدم وسيلة حتى يتممه. ويتقاولون عليه أي إنهم حاولوا النيل من صيته والحط من كرامته حتى إذا مات يكون موته في ذلٍّ وهوان.
(٦) وهنا يصف هذا العدو عائداً مريضه يظهر له تأسفه لحالته ولكنه كاذب في ما يذهب إليه وزيارة المريض كانت معروفة من قديم الزمان (انظر ٢صموئيل ١٣: ٥ وما بعده وأيضاً ٢ملوك ٨: ٢٩). هو يكلمه بلسانه بالطبع شيئاً لا يعنيه بقلبه لذلك يجمع بقلبه إثماً فوق إثم ومتى انتهت الزيارة ويخرج إذا به يتكلم بالقفا كلاماً جارحاً مملوءا بالعداوة والبغضاء.
(٧) يتابع في هذا العدد أيضاً وصف هؤلاء الأعداء إذا بهم يهمسون واحدهم للآخر بأمور لا يتكلمون عنها بصوت عال (انظر ٢صموئيل ١٢: ١٩) هم يحملون خبر السوء عنه ويتمنون له الأذية والموت أيضاً لا الشفاء ويا لهم من عُوّاد أردياء. أما تناجيهم وهمسهم هكذا فإنه لتهيبهم وتخوفهم أن يصيبهم أي سوء بسبب البوح أمام الناس عما يكنونه من ضرر.
(٨) وفي هذا العدد يكرر سوء نواياهم وما يتمنونه له من عدم شفاء ويريدونه أن يقولوا لأنفسهم إنه قد اضطجع في حالته ولن يقوم منها. وقد ينسبون له في مرضه أن الله قد أرسل له القصاص العادل وهكذا يقرنون حالته الجسدية السيئة بخطاياه التي يتهامسون عليه بها. وهذا السوء الذي أصابه لن يتغلب عليه أيضاً (انظر أيوب ٤١: ١٥ وما يليه).
«٩ أَيْضاً رَجُلُ سَلاَمَتِي، ٱلَّذِي وَثَقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ! ١٠ أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَٱرْحَمْنِي وَأَقِمْنِي فَأُجَازِيَهُمْ. ١١ بِهٰذَا عَلِمْتُ أَنَّكَ سُرِرْتَ بِي أَنَّهُ لَمْ يَهْتِفْ عَلَيَّ عَدُوِّي. ١٢ أَمَّا أَنَا فَبِكَمَالِي دَعَمْتَنِي وَأَقَمْتَنِي قُدَّامَكَ إِلَى ٱلأَبَدِ. ١٣ مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلأَزَلِ وَإِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ فَآمِينَ».
(٩) والشيء الذي يحزنه أكثر الكل هو أن هؤلاء الأعداء كانوا بالأمس أصدقاءه يدعون طلب سلامته ويعملون عكس ذلك. هم من الذين أكلوا خبزه فأصبح بينه وبين بنيه عهد الخبز والملح. هذا نفسه الذي تجاسر أن يرفع رجله في وجهه. لقد أدار له عقبه إشارة الاحتقار والنكث بالعهد كأنه لم يعرفه من قبل ولم يكن له أية علاقة به. كأنه قد ركله ورفس نعمته ولم يذكر شيئاً من الإحسان (انظر إرميا ٢٠: ١٠).
(١٠) وهنا في حالته الصعبة هذه يلتفت للرب ويطلب الرحمة بعد لا سيما وهو في حالته المرة هذه مريض الجسد كسير القلب والروح يشعر بالوحشة والهموم كما يشعر بآلام المرض التي تقض مضجعه وتحرمه النوم. فقد اعتمد على أصحاب كاذبين أخلص لهم وصادقهم ولكنهم خانوه (انظر إرميا ٣٨: ٢٢). وفي يأسه الشديد من الناس يلتفت إلى الله وهنا يطمئن ويشعر بالسلام ذلك لأن الله وحده هو الذي ينهضه ويقيمه. ولكنه لا ينسى إساءة أولئك الأعداء فيطلب مجازاتهم على نسبة ما فعلوه نحوه.
(١١) لقد خاب فأل العدو ولم ينل منه مبتغاه إذ كان ينوي أن يكمل شماتته به ويفرح بأذيته العظمى. ولكن الله لم يسمح بذلك وهكذا يستنتج المرنم أن الرب قد سرّ به. وما أجمل قوله بهذا علمت إذ قد شاهد برهاناً يثبت له صحة ما ذهب إليه (انظر تكوين ٤٢: ٣٣ وقابله مع تكوين ١٥: ٨ وخروج ٧: ١٧ وعدد ١٦: ٢٨ ويشوع ٣: ١٠).
(١٢) هنا ادعاء المرنم ببيان ما هو عليه من فضيلة وكمال ولا نستطيع ملامته على ما ذهب إليه لا سيما بعد ما قاسى منهم ما قاساه من خيانة واغتياب وانقلاب صديق وآلام جسدية من مرضه وآلام روحية من يأسه منهم وقنوطه من سوء أخلاقهم وأفعالهم. إن تعزيته العظمى أن يجد الله يقيمه وأن يتأكد أنه لن يبقى مدوساً تحت أقدامهم بل سيعود إلى مكانته وإلى سالف مجده وهكذا يفشل كل محاولة الأعداء.
(١٣) في هذه التسبيحة الختامية لهذا المزمور تناسٍ مقصود لما ألمّ به فهو يترك كل شيء بيد الله. وهذا العدو الأخير يقابله (مزمور ١٨: ٤٧) وقوله من الأزل إلى الأبد يريد أن يضم الزمان كله في علم الله وكأنه هو الأوقيانوس العظيم إليه تنحدر قطرة حياته وحياة أولئك الأعداء جميعاً. ويختم بدعائه أمين متكررة لكي يستجيب له الله ويثبت عدله عليه.
السابق |
التالي |