سفر المزامير

سفر المزامير | 42 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. قَصِيدَةٌ لِبَنِي قُورَحَ

«١ كَمَا يَشْتَاقُ ٱلإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ هٰكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا ٱللّٰهُ. ٢ عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى ٱللّٰهِ إِلَى ٱلإِلٰهِ ٱلْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ ٱللّٰهِ! ٣ صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزاً نَهَاراً وَلَيْلاً إِذْ قِيلَ لِي كُلَّ يَوْمٍ أَيْنَ إِلٰهُكَ ٤ هٰذِهِ أَذْكُرُهَا فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ. لأَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ مَعَ ٱلْجُمَّاعِ، أَتَدَرَّجُ مَعَهُمْ إِلَى بَيْتِ ٱللّٰهِ بِصَوْتِ تَرَنُّمٍ وَحَمْدٍ، جُمْهُورٌ مُعَيِّدٌ».

نأتي الآن بهذا المزمور للقسم الثاني من سفر المزامير. وهذا القسم يستعمل كلمة الله أكثر من غيره. ففي القسم الأول الذي مر معنا يستعمل كلمة الله خمس عشرة مرة بينما يستعمل «الرب» ٢٧٢ مرة وأما في هذا القسم الذي ينتهي بالمزمور الثاني والسبعين فيستعمل كلمة الله ١٦٤ وأما كلمة الرب فثلاثين مرة. وعلى سبعة مزامير موضوع عنوانها لبني قورح. ولا عنوان فيها لداود. ثم لا يضع اسم المؤلف بل عائلته فقط. وقد يكون أن عائلة قورح كان لها مجموعة من الترانيم ضمت للسفر كله ولكنها احتفظت بالعنوان لكي تتميز عن بقية المزامير. والأرجح أن قورح هذا هو المذكور (في سفر العدد ١٥). وقد عيّن لفرعين من هذه العائلة ليكونوا حراس بوابة الهيكل (راجع ١أخبار ٢٦: ١ – ٩).

وأما عدد بني قورح فكان أربعة عشر يضاف إليهم أربعة من بني آساف وستة من بني أثان فيتم العدد أربعة وعشرون أمام مغنين يرأسون أربعاً وعشرين فرقة موسيقية يتناوبون الخدمة في الهيكل.

(١) كلمة اشتاق هنا تأتي من «عرّج» العربية أي إن الإيل يعرّج على جداول المياه حينما يعطش كذلك فنفسه عطشى تطلب الله وتشتاق إليه.

(٢) شوقه لله الحي (انظر مزمور ٨٤: ٣) لأنه نبع الحياة وكذلك الإيل العطشان يذهب ما أمكنه إلى نبع المياه وكما في (مزمور ٣٦: ١٠) فإن من عند الله تجري ينابيع النعمة التي لا تنضب ولا تنقطع. ويتراءى قدام الله في هيكله في أورشليم إذاً فهو بعيد عنها يحن لأقدس مكان فيها. والإنسان لا يستطيع أن يرى الله ويعيش (خروج ٣٣: ٢٠) لذلك يتراءى أمامه.

(٣) بهذا العدد يشرح لماذا شوقه فهو لا يغتذي بالطعام العادي ولا يرتوي بالشراب العادي بل يريد إلهه لا سيما لكي يدحض ادعاءات مبغضيه الهازئين به الذين يسألونه محتقرين أين إلهك هذا لكي ينجيك؟ (انظر مزمور ٦٩: ١٠ و١١٥: ٢ و٧١: ١١ وأيضاً يوئيل ٢: ١٧ وميخا ٧: ١٠).

وفي حالته الحاضرة هذه وقد أصبح موضوع هزء وسخرية من الناس حواليه لأنه اعتمد على إلهه الذي ظهر كأنه بعيد عنه وقد تركه ولكنه في العدد (٤) يلتفت إلى الماضي ويستنجد به لأنه يراه لامعاً مجيداً لا سيما حين كان في أورشليم يحتفل فيها بالأعياد مع جمهور المحتفلين ويحجّ إليها كمؤمن مخلص عميق التدين والورع إذا به يشعر كإنما نفسه تذوب في داخله وتنسكب من جراء هذه التذكارات التي تملأ القلب روعة وجلالاً.

لقد كان من عادته أن يقدم فروض العبادة في أوقاتها وحسب أصولها والآن فهو بعيد مشتاق يحن عطشاناً كالإيل للماء. وأما «الجمّاع» فهو الجمهور الخليط لا فرق بين جنس أو سن أو لون. هم يتقدمون للعيد لكي يشتركوا في الاحتفالات المقدسة وهو يتدرج معهم أي ببطء وخشوع ووقار لأن وجهتهم هي بيت الله ذاته ولا شيء يمازج خشوعهم سوى أصوات الحمد والترنيم ترتفع بالفرح والابتهاج. هذا ما يتذكره من الماضي وأما الآن فقد مضى.

«٥ لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي، وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ٱرْتَجِي ٱللّٰهَ لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ لأَجْلِ خَلاَصِ وَجْهِهِ. ٦ يَا إِلٰهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ، لِذٰلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ أَرْضِ ٱلأُرْدُنِّ وَجِبَالِ حَرْمُونَ، مِنْ جَبَلِ مِصْعَرَ. ٧ غَمْرٌ يُنَادِي غَمْراً عِنْدَ صَوْتِ مَيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ طَمَتْ عَلَيَّ».

(٥) ويلتفت بهذا إلى الحاضر وينكمش على نفسه يسائلها لماذا مهمومة منحنية دليل العجز وكبر السن ولماذا هذا الأنين وكإنما يلوم نفسه على ما فرط منه من ضعف فيقول ارتجي الله فهو وحده يستطيع أن يخلص إلى التمام. مع أنه «الجسد ضعيف والروح قوي» (انظر متّى ٢٦: ٣٨) والانحناء هنا دليل الحزن والكآبة ما يفعل الذين يفقدون عزيزاً فلا يستطيعون أن يرفعوا الرأس عالياً. إن الله يوليه رحمته ويدير وجهه بالخلاص لأنه يريد رفعه وإجلاسه بقوة واستقامة.

(٦) يعود فيكرر شكواه وإن نفسه لا تزال منحنية فاقد العزيمة والشجاعة. وهو مع ذلك يذكر الله ويرجو رحمته أينما كان أفي فلسطين أم على طرفها الشمالي حيثما جبل الشيخ (حرمون) أم جبل مصعر وعلى الأرجح في الطرف الجنوبي لأن مصعر ليس معروف الموقع بالتأكيد.

(٧) يصور لنا هنا تلك المياه المتدفقة من ينابيع الأردن قرب بانياس على الأرجح ويقول إن هذا الغمر من المياه المضطربة المتدفقة تشبه غمر نفسه الحزينة التي يحسبها غرقى في لجج الغموم والهرم. هو لا شك على اضطلاع شخصي على تدفق تلك المياه فيصفها وصفاً بارعاً ويشبهها بنفسه التي لا تعرف الراحة ولا السكون. وكأنه يتخذ المياه مرآة صقيلة يرى فيها نفسه وما تتحمله من آلام وأحزان (قابل هذا بما ورد في يونان ٢: ٤).

«٨ بِٱلنَّهَارِ يُوصِي ٱلرَّبُّ رَحْمَتَهُ، وَبِاللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي صَلاَةٌ لإِلٰهِ حَيَاتِي. ٩ أَقُولُ لِلّٰهِ صَخْرَتِي: لِمَاذَا نَسِيتَنِي؟ لِمَاذَا أَذْهَبُ حَزِيناً مِنْ مُضَايَقَةِ ٱلْعَدُوِّ؟ ١٠ بِسَحْقٍ فِي عِظَامِي عَيَّرَنِي مُضَايِقِيَّ، بِقَوْلِهِمْ لِي كُلَّ يَوْمٍ: أَيْنَ إِلٰهُكَ؟ ١١ لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي، وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ ٱللّٰهَ لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاَصَ وَجْهِي وَإِلٰهِي».

(٨) ولكنه يلتفت إلى نفسه مرة أخرى لكي تتشجع بالرجاء بعد فإنه لا شك سيأتي النهار بعد الليل. فإذا انشغل بالليل بتقديم التسبيح والصلاة فإن ذلك سيجعله ينتظر نهاراً يشرق عليه شمسه بالرحمة والرضوان (انظر مزمور ٤٤: ٥ وعاموس ٩: ٣ وما يليه). وكذلك فإنه حينما يأتيه نهار بهيج بالرجاء السعيد فهو يصرف نهاره بالشكر والحمد على هذه النعمة العظيمة التي حصل عليها عندئذ.

(٩) يعود في هذا العدد إلى لهجة اليأس فيشعر بالوحشة والانفراد ويرى أن الله قد نسيه وابتعد عنه بينما هو صخرته التي يتكل عليها دائماً. بل لماذا يجد أعداءه قد سطوا وتغلبوا عليه حتى ضايقوه في معاملتهم وأتعبوه في أقوالهم ومقارعتهم. وهوذا الحزن يساوره لأنه يرى أنه قد غلب على أمره ولا يستطيع أن يفعل شيئاً.

(١٠) لا ندري إذا كان قد أصيب بكسر إحدى عظامه حقيقة أم هو يعني تصوير ذله فليس فقط ظاهره في حالة الخضوع والانحناء بل هوذا داخله أيضاً يضطرب ويئن. ويعود لسؤال معيره «أين إلهك؟» هو يعلم أن إلهه ينجيه ولكن الذي يؤلمه هو أن أعداءه لا يعلمون ذلك بل يتمادون في غيهم وقحتهم اليومية.

(١١) وأخيراً يختم بإعادة المعنى السابق وإنه عليه أن ينهض بعد ولا يستسلم لليأس قط لأنه لا يفيده شيئاً. ولذلك هنا يكرر ما ورد في العدد الخامس.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى