سفر المزامير | 30 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّلاَثُونَ
مَزْمُورٌ أُغْنِيَةُ تَدْشِينِ اَلْبَيْتِ. لِدَاوُدَ
«١ أُعَظِّمُكَ يَا رَبُّ لأَنَّكَ نَشَلْتَنِي وَلَمْ تُشْمِتْ بِي أَعْدَائِي. ٢ يَا رَبُّ إِلٰهِي ٱسْتَغَثْتُ بِكَ فَشَفَيْتَنِي. ٣ يَا رَبُّ، أَصْعَدْتَ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ نَفْسِي. أَحْيَيْتَنِي مِنْ بَيْنِ ٱلْهَابِطِينَ فِي ٱلْجُبِّ. ٤ رَنِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَتْقِيَاءَهُ، وَٱحْمَدُوا ذِكْرَ قُدْسِهِ. ٥ لأَنَّ لِلَحْظَةٍ غَضَبَهُ. حَيَاةٌ فِي رِضَاهُ. عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَبِيتُ ٱلْبُكَاءُ، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ. ٦ وَأَنَا قُلْتُ فِي طُمَأْنِينَتِي: لاَ أَتَزَعْزَعُ إِلَى ٱلأَبَدِ».
لقد دعا المرنم في المزمور السابق زمرة الملائكة لمثل هذا الحمد. وقد ذهب العالم هتزج إن هذا المزمور قد كتبه إرميا ولكن أغلب المفسرين يرون إن هذا التشابه في الكتابة قد يكون أن إرميا نفسه قد تأثر من المزامير وليس دليلاً أنه هو كتبها والإشارة هنا للهاوية والجب هو من قبيل المجاز. أما الإشارة في العنوان «تدشين البيت» اي مركز بناء الهيكل (٢صموئيل ٢٤: ١ و١أخبار ٢١) وليس في هذا المزمور ما يرينا تدشين الهيكل لأنه لم يبن إلا في أيام سليمان. والإشارة لجبل الموريا مركز الهيكل. بل قد يكون إشارة للقلعة التي بناها داود وهي حصن داود (انظر ٢صموئيل ٥: ١٢) أو بيت سكنه هناك. وكان يتلى هذا المزمور للتدشين (انظر ١مكابيين ٤: ٥٢).
(١) إن الأعداء يفرحون في سقوطه بالحفرة ولكن الله قد نشله منها ونجاه ولذلك فلن يفرح الأعداء بمصيبته هذه.
(٢) وهنا قد يكون الكلام مجازاً كما في العدد الأول فيتكلم عن الشفاء كأنه كان مريضاً لقد استغاث بالله فأغاثه ونجاه من كل خطر وضيم.
(٢) وكذلك فإن الله لم يتركه في الهاوية ولم يتخلّ عنه قط. لقد كان شبه ميت وأما الآن فهو حي قوي كان هابطاً في الحفرة فصعد وكان عديم الهمة والقوة فأصبح نشيطاً يعيش بين الأحياء ليبارك الرب.
(٣) يدعو الأتقياء للفرح والابتهاج بالرب وطريقة ذلك بالترنم لاسم العلي. ويطلب إليهم أن يذكروا اسم قدسه. وهنا أول إشارة في المزمور للتدشين ويتابع المعنى في العدد السابع حينما يذكر تثبيت عز الجبل أي «موريا».
(٥) وهو يشجع هؤلاء الأتقياء أن يعتصموا بالرب دائماً لأن غضبه قليل بالنسبة لرضاه. فهو رحيم ورؤوف وإن غضب فلشيء وقتي ويصفح وأما رضاه فهو شيء دائم. إذاً فالغضب الإلهي ليس أمراً طبيعياً فيه لأنه يريد الرضا والصفح دائما (انظر إشعياء ١٧: ١٤). حتى ولو بتنا والبكاء حليفنا فسننهض إلى صباح بهيج. لذلك فإن الله لن يتخلى عن أتقيائه ولا يسمح لهم أن يحزنوا ويبكوا طويلاً.
(٦) أخطأ داود من قبل وأغاظ الرب. والرب صفح عنه. وقد تكبر وتجبر واعتبر العطية ونسي الله الذي أعطاها. لقد حسب حساب نعمه ولكنه أغفل المنعم. لذلك ففي حاله رخائه وبحبوحته قال لا أتزعزع كإنما ثباته هو منه ولكن الصواب هو أن الله وحده قادر أن يثبته ويحفظ نسله. وهكذا يفسر معناه في العدد الذي يلي إذ يطلب رضا الرب ويعترف بفضله العميم.
«٧ يَا رَبُّ، بِرِضَاكَ ثَبَّتَّ لِجَبَلِي عِزّاً. حَجَبْتَ وَجْهَكَ فَصِرْتُ مُرْتَاعاً. ٨ إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَصْرُخُ، وَإِلَى ٱلسَّيِّدِ أَتَضَرَّعُ. ٩ مَا ٱلْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى ٱلْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ ٱلتُّرَابُ؟ هَلْ يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟ ١٠ ٱسْتَمِعْ يَا رَبُّ وَٱرْحَمْنِي. يَا رَبُّ كُنْ مُعِيناً لِي. ١١ حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحاً، ١٢ لِكَيْ تَتَرَنَّمَ لَكَ رُوحِي وَلاَ تَسْكُتَ. يَا رَبُّ إِلٰهِي إِلَى ٱلأَبَدِ أَحْمَدُكَ».
(٧) الجبل هنا هو جبل صهيون المنيع بمركزه الطبيعي وقد زاده مناعة ما أقام فيه من استحكامات وحصون. ولكن هذه الأشياء ليست شيئاً إذا لم يرض الله عليه لأنه يقول حينما حجب وجهه عنه أصبح مرتاعاً يخاف من أي المخاطر.
(٨) لقد اذنب داود وهو يتوب الآن ويصلي لله بكل حرارة ويتضرع. وهنا تكرار لطيف للتوكيد.
(٩) السؤال عن دمه ليس من الضروري أنه كان في خطر بل كأنه يقول لماذا أقتل واذبح قبل ميعاد موتي؟ (انظر أيوب ١٦: ١٨). بل إذا فعل الرب هذا فكيف يستطيع الإنسان أن يقدم حمده وتسبيحه له. لذلك فهو يلتمس إطالة الحياة ليس لزيادة تمتعه بالخيرات الزمنية والمسرات العالمية ولكن لمجد الله وحمده. ولا يرى أن التراب الذي يتحول إليه الإنسان بعد موته يمكنه أن يحمد الله ويكون معه كل حين. وكانت الهاوية مقر الأموات وأما السماء فهي مقر أبناء الله والملائكة. ولم يعرف بعد الخلاص وحياة الخلد بعد القبر.
(١٠) هنا ارتداد في المعنى للعدد الثامن أي تضرع لله في طلب العون والرحمة والرضوان.
(١١) إن الله قد أعطاه خلاصاً وفرحاً في الوقت الأنسب. لقد اختبر المرنم ضيقات عظيمة فنجده ينزل إلى أعمال الآلاء والمتاعب ثم بعد حين ينهض ويجدد قوة.
(١٢) فهو سعيد لا يستطيع السكوت. ويحمد الرب إلهه إلى الأبد لأنه مخلص نفوس المتكلين عليه.
السابق |
التالي |