سفر المزامير

سفر المزامير | 29 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ

«١ قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ ٱللّٰهِ، قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْداً وَعِزّاً. ٢ قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ ٱسْمِهِ. ٱسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. ٣ صَوْتُ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلْمِيَاهِ. إِلٰهُ ٱلْمَجْدِ أَرْعَدَ. ٱلرَّبُّ فَوْقَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ. ٤ صَوْتُ ٱلرَّبِّ بِٱلْقُوَّةِ. صَوْتُ ٱلرَّبِّ بِٱلْجَلاَلِ. ٥ صَوْتُ ٱلرَّبِّ مُكَسِّرُ ٱلأَرْزِ، وَيُكَسِّرُ ٱلرَّبُّ أَرْزَ لُبْنَانَ»

(١) يمكننا أن نسمي هذا المزمور مزمور صوت الرب إذ يكرر هذا التعبير سبع مرات فيه. والأرجح أنه كتب بمناسبة صاعقة نزلت من السماء فاغتنمها المرنم فرصة لتعظيم اسم الله. وكما أن ذكر الرب في المزمور التاسع عشر وارد سبع مرات فهو إله الشريعة كما أنه إله الطبيعة في المزمور ذاته أبناء الله هؤلاء هم الملائكة أو رؤساء الملائكة. أو يقصد نسل الآلهة الآخرين الذين اتخذهم بقية الأمم أرباباً لهم. فهو يريد أن يخص بالله فقط السجود حتى من هؤلاء أنفسهم (انظر خروج ١٥: ١١ ودانيال ٩: ٣٦) وأن نعطي الحمد لاسمه المجيد. وفي تكرار «قدموا» أو «هبوا» كما في العبرانية يوجد توكيد ظاهر لطيف.

(٢) ويطلب تقديم المجد والسجود للرب في هيبة ووقار. أي أن يلبس العابدون ثياباً لائقة مناسبة (انظر ٢أخبار ٢٠: ٢١) إن الرب يريد أن يظهر بمجده لذلك فعلى الأجناد السماوية أن تعد ذاتها لمثل هذا المظهر العظيم. وهنا على ما يرجح ليس الخطاب موجهاً لجمهور العابدين بل لتلك الزمرة السماوية. ونجد شبيهاً لذلك في سفر الرؤيا حيث يصور يوحنا اللاهوتي الملائكة بأبواقهم قبل الدينونة.

(٣) هنا يبدأ المرنم بأن يرينا وصفاً دقيقاً لماذا يعطي المجد لله. هنا تبدأ العاصفة بمياهها العظيمة وبرقها ورعدها وزوابعها. وقوله الرب فوق المياه فليست المياه هنا لتعني المياه السفلى أو البحر المتوسط بل هي تجمع الغيوم المتلبدة التي تحمل الأمطار وتنقلها من مكان لآخر. وصوته الأول في الرعد القاصف فهو ممجد في العلى.

(٤) ونكاد نسمع في هذا العدد استمرار الرعد فهو لم يحدث مرة فقط بل مستمر بشدة حتى يكاد يزلزل السموات بصوته. ولكنه صوت ظاهر بالجلال والعظمة لا يستطيع البشر أن يقلدوه أو يفعلوا مثله. وهوذا الرعد يقترب وينحدر نزولاً حتى يصل إلى كل مكان.

(٥) وهو يكسر الأرز القوي الجبار فكم بالأحرى أي أنواع الأشجار. والناظم هنا يريد أن يصور لنا عز الله وجبروته ويقابل ذلك مع أعظم الأشجار وأثبتها في وجه العواصف فإذا هي ليست شيئاً.

«٦ وَيُمْرِحُهَا مِثْلَ عِجْلٍ. لُبْنَانَ وَسِرْيُونَ مِثْلَ فَرِيرِ ٱلْبَقَرِ ٱلْوَحْشِيِّ. ٧ صَوْتُ ٱلرَّبِّ يَقْدَحُ لُهُبَ نَارٍ. ٨ صَوْتُ ٱلرَّبِّ يُزَلْزِلُ ٱلْبَرِّيَّةَ. يُزَلْزِلُ ٱلرَّبُّ بَرِّيَّةَ قَادِشَ. ٩ صَوْتُ ٱلرَّبِّ يُوَلِّدُ ٱلإِيَّلَ، وَيَكْشِفُ ٱلْوُعُورَ، وَفِي هَيْكَلِهِ ٱلْكُلُّ قَائِلٌ: مَجْدٌ. ١٠ ٱلرَّبُّ بِٱلطُّوفَانِ جَلَسَ، وَيَجْلِسُ ٱلرَّبُّ مَلِكاً إِلَى ٱلأَبَدِ. ١١ ٱلرَّبُّ يُعْطِي عِزّاً لِشَعْبِهِ. ٱلرَّبُّ يُبَارِكُ شَعْبَهُ بِٱلسَّلاَمِ».

(٦) يتكلم هنا عن الأرز فيرميه كما ترتمي العجول متمرغة على الأعشاب وذكره لبنان وسريون (والأرجح هو جبل الشيخ) أي الأشجار الباسقة التي عليها فإن قوة الله تكسرها وترميها. وقد يكون إشارة أن زوابع الله تصل إلى قمم هذه الجبال وتجعلها تلبس جلال الرب. وهذه الجبال كما يصورها كانت تحوي حيوانات كثيرة ترعى فيها. الريم أو البقر الوحشي وهو من أنواع الوعول ذات القرون التي تشبه الأغصان المشتبكة. فالرياح تهز الأشجار وتكسرها والزلازل تحطم الجبال.

(٧) وبعد كل رعد كان يعقبه ومض برق يملأ الفضاء البعيد. فهو يشغل الحاستين الهامتين في الإنسان وهما السمع والبصر.

(٨) هنا يمتد المرنم ببصره إلى القفر البعيد وإلى برية فارس فيرى أن صوت الرب يزلزل البرية ويرجفها حتى برية قادش أي العربة. فهو يطال أعالي الجبال الشوامخ كما يطال السهول والبراري ولا شيء يستطيع أن يقف في وجهه أو يقول له ماذا تفعل. إن للطبيعة روعتها وجلالها فيجب أن يكون الذي أوجدها أجلّ وأروع.

(٩) قد يكون أن الرعب الذي يستولي على الأيائل بسبب البروق والرعود إنها تلد مبكرة. وقد ذكر (بليني) إن ولادة الأيائل صعبة وقد يكون خوفها يسهل ولادتها ولا تشعر عندئذ بآلام المخاض كالمعتاد. وهنا إشارة أن هذا الحيوان كان موجوداً ولا يزال له بقية في بلاد التوراة. وهذا الحيوان قد علمته الطبيعة أن يكون جباناً يفزع من أعداءه الحيوانات بسرعة لينجو ولا عجب أن يكون خوفه الشديد من الرعود يجعله يلد قبل الأوان ليخلص من خطر. أما قوله يكشف الوعور أي أن مختلف الحيوانات تترك مآويها وتهرب وهكذا تنكشف الآجام ويعرف ما فيها. ثم ينهي العدد مسكناً الأعصاب ويدعونا لندخل هيكل الله ولنعط مجداً لله. وما أجمل أن نستعمل هذا المزمور في وقت الرعود.

(١٠) كلمة طوفان العبرانية هنا هي التي وردت في ذكر الطوفان أيام نوح قديماً فقد يكون إشارة لذلك الحادث القديم وإن الله قد نجا عبده نوح الذي اتكل عليه وبالتالي ينجينا. أو قصد المرنم أن يخبرنا أن لا نخاف من أي مياه أو أنهار أو سيول أو مخاطر بحار لأن الرب جالس في كل مكان وهو هناك أيضاً. وهو الملك الحاكم المتسلط الآن وكل وقت إلى الأبد.

(١١) إن الرب يعطي شعبه قوة وبركة لكي يعبدوه بخوف ورعدة ويرفعوا قلوبهم إلى عرشه السماوي (انظر أيوب ٣٦: ٢٥). وعاقبة التقوى هي السلام الدائم. وإذا كان رعد الرب يجعل الأرض كلها وجميع ساكنيها ترتعب وترتجف وأما الذين له فيرفعون رؤوسهم فرحين.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى