سفر المزامير | 31 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ
«١ عَلَيْكَ يَا رَبُّ تَوَكَّلْتُ. لاَ تَدَعْنِي أَخْزَى مَدَى ٱلدَّهْرِ. بِعَدْلِكَ نَجِّنِي. ٢ أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ. سَرِيعاً أَنْقِذْنِي. كُنْ لِي صَخْرَةَ حِصْنٍ، بَيْتَ مَلْجَإٍ لِتَخْلِيصِي. ٣ لأَنَّ صَخْرَتِي وَمَعْقِلِي أَنْتَ. مِنْ أَجْلِ ٱسْمِكَ تَهْدِينِي وَتَقُودُنِي. ٤ أَخْرِجْنِي مِنَ ٱلشَّبَكَةِ ٱلَّتِي خَبَّأُوهَا لِي لأَنَّكَ أَنْتَ حِصْنِي. ٥ فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلٰهَ ٱلْحَقِّ».
(١) يبدأ المرنم هذا المزمور بصلاة لأجل الخلاص. ويشعر في أعماق نفسه أنه لا يخزى أبداً بل يرى مسبقاً أن الله سيعينه وينجيه ويمنحه سؤل قلبه. هذا هو رجاؤه القوي في الله. ويطلب من الله أن ينصفه من أعدائه.
يصوّر المرنم حالة ضيق شديدة. أمور كثيرة وأحزان سابقة ولاحقة تتنازعه. وفي الوقت ذاته يشعر أن الله قريب إليه لا يتخلى عنه أبداً. بل يدعو جميع الصديقين أمثاله أن يشاركوه هذا الفرح العظيم بنجاته الأكيدة المنتظرة كما في (العدد ٢٣). وقد ذهب بعض العلماء أن إرميا هو الكاتب (قابل العدد ١٤ بما ورد في إرميا ٢٠: ١٨). كذلك (قابل العدد ١٨ بما ورد في إرميا ١٧: ١٨ والعدد ٢٣ بما ورد في مراثي ٣: ٥٤).
(٢) وهنا يبدأ بسلسلة ابتهالات صغيرة يلتمس من الله أن يصغي إليه وينقذه بسرعة. صخرة حصن وفي العبرانية تناسب «معاذ» أي مكان يستفيد به الإنسان للحماية والحفظ.
(٣) ولا يصل الإنسان إلى هذه المنجاة إلا بواسطة هداية وقيادة خاصة توصله إلى ما يريد. إن داود وهو الأرجح كاتب هذا المزمور كان عميقاً كلما ازداد تأثراً بالأحزان. إن الله وحده قادر أن يحمينا وينجينا (انظر أمثال ١٨: ١٠).
(٤) إن هؤلاء الأعداء ماكرون قساة يتظاهرون بالصداقة ولكنهم لا يتممون شروطها وهكذا هم وضعوا شبكة في طريقه يصطادونه بها. لقد أخفوها عن العيون لكي يباغتوه بها مباغتة ولكن الله حصنه فهو وحده ينجيه ويعينه.
(٥) يلتفت لمصدر العون ويسلم ذاته تسليماً تاماً كاملاً. ذلك لأن الله فداه. منه وبه الحق وعليه أن يتكل عليه الاتكال الكامل.
«٦ أَبْغَضْتُ ٱلَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً. أَمَّا أَنَا فَعَلَى ٱلرَّبِّ تَوَكَّلْتُ. ٧ أَبْتَهِجُ وَأَفْرَحُ بِرَحْمَتِكَ لأَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَى مَذَلَّتِي، وَعَرَفْتَ فِي ٱلشَّدَائِدِ نَفْسِي، ٨ وَلَمْ تَحْبِسْنِي فِي يَدِ ٱلْعَدُوِّ، بَلْ أَقَمْتَ فِي ٱلرُّحْبِ رِجْلِي. ٩ اِرْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي فِي ضِيقٍ. خَسَفَتْ مِنَ ٱلْغَمِّ عَيْنِي. نَفْسِي وَبَطْنِي. ١٠ لأَنَّ حَيَاتِي قَدْ فَنِيَتْ بِٱلْحُزْنِ وَسِنِينِي بِٱلتَّنَهُّدِ. ضَعُفَتْ بِشَقَاوَتِي قُوَّتِي وَبَلِيَتْ عِظَامِي».
(٦) قد تترجم «أباطيل كاذبة» بعبادة الأوثان أيضاً. أو الذين يتبعون العرافة والتنجيم. قد يوجد أناس كثيرون يتبعون هؤلاء المشعوذين ويثقون بهم ولكن داود قد كره هؤلاء جميعاً وأبغضهم لأنه اتكل على إلهه فقط وكل ما عدا ذلك فهو باطل ولا يمكنه أن ينجي. وكل جبروته لم يستطع أن يخيفه لأن سلاحه برب الجنود.
(٧) إن الرجاء كله هو بالله وهذا الرجاء يعطينا البهجة والفرح. لا شك أن الحياة ملأى بالمتاعب والضيقات وهي كثيرة وعظيمة فهل لنا رجاء أعظم من هذه كلها يستطيع أن يبتلعها كلها ويتغلب عليها؟ إن الرب لا يتخلى عن الذين يتذللون أمامه ويندمون على خطاياهم. علينا أن نبتعد عن تشامخنا وكبريائنا ولتكن الشدائد دروساً تعلمنا معنى الحياة الفضلى.
(٨) إذا فعلنا ذلك فلن يطالنا العدو بسوء ولن نتضايق من أي الأمور بل بالعكس ستكون الحياة سهلة ورحبة أمامنا. ليس إنه لن يكون شدائد وضيقات بل سيكون كذلك ولكن سيعطينا الله عندئذ قوة للاحتمال. هنا عمل الإيمان فعلينا أن نختبر ما يجعل هذا المزمور ينبض بالقوة والحياة. علينا أن نشهد لما فعله الله معنا وحينما يقيمنا الله في رحب علينا أن نعترف بذلك ونجاهر لأن الشهادة في حينها ضرورية.
(٩) هنا الكلام يشبه ما تفوه به أيوب فهو يعتقد أنه متضايق عينه مغمومة وجسده كله في ضعف وانحطاط. ولا ندري هل الكلام حقيقي أم هو من قبيل المجاز. ونستغرب كيف أن المرنم يفارقه فرحه ويصبح في هذا الحزن الشديد هل طرأ عليه مرض أو انخذال؟ هل تغلب عليه الخوف وذهبت عنه الشجاعة؟
(١٠) لا سيما في هذا العدد فهو يؤكد العدد السابق ويزيده شرحاً وقد يكون كتابة هذا المزمور في أخريات أيامه. لأن قوله «حياتي قد فنيت» يدل على انحطاط قوته واقترابه رويداً إلى خطر الموت. هوذا الحزن العميق ينتابه فيضطر أن يتنهد وينتحب. وإذا قوته تتلاشى بل تسرب هذا التلاشي حتى عظامه. فهو كليل ضعيف من كل وجه. حالته صعبة مؤسفة تصور الشيخوخة في أشد حالاتها تقهقراً وضعفاً.
«١١ عِنْدَ كُلِّ أَعْدَائِي صِرْتُ عَاراً وَعِنْدَ جِيرَانِي بِٱلْكُلِّيَّةِ، وَرُعْباً لِمَعَارِفِي. ٱلَّذِينَ رَأَوْنِي خَارِجاً هَرَبُوا عَنِّي. ١٢ نُسِيتُ مِنَ ٱلْقَلْبِ مِثْلَ ٱلْمَيْتِ. صِرْتُ مِثْلَ إِنَاءٍ مُتْلَفٍ. ١٣ لأَنِّي سَمِعْتُ مَذَمَّةً مِنْ كَثِيرِينَ. ٱلْخَوْفُ مُسْتَدِيرٌ بِي بِمُؤَامَرَتِهِمْ مَعاً عَلَيَّ. تَفَكَّرُوا فِي أَخْذِ نَفْسِي. ١٤ أَمَّا أَنَا فَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ يَا رَبُّ. قُلْتُ: إِلٰهِي أَنْتَ. ١٥ فِي يَدِكَ آجَالِي. نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَعْدَائِي وَمِنَ ٱلَّذِينَ يَطْرُدُونَنِي».
(١١) «صرت عاراً» أي صرت مذمة وكل الناس ينحون عليّ باللوم والتثريب كما يحدث حينما يسقط أحدهم في زلة فيسلقونه بألسنة حداد ولا يشفقون عليه ولا يرحمون. ويحسب الناس ذلك مديحاً لأنفسهم. ولو عقلوا لعرفوا أن الذي ينزل مقام غيره ينزل مقامه أيضاً. فهو عار عند الأعداء وكذلك عند الجيران وأصبح المعارف يهربون من تعرفهم بي كأن الذي يلاصقني ينزل من مقامه الشيء الكثير. وإذا ظهرت أمام جمهور منهم لا يمكنهم أن يتعرفوا بي بل يفرون ويهربون لئلا يقع عليهم أي تبعة من لقاء كهذا.
(١٢) لا شيء ينسى كالميت فهو مهمل من الناس ومنسي بتاتاً كأنه ليس في عالم الأحياء. وأصبح مزدرى به كأنه إناء مكسور ليس نصيبه سوى الرمي للخارج لأنه لا ينفع لشيء. حينما يحمل الميت للقبر ويوضع فيه عادة لا يعود الناس يذكرونه. وكذلك الإناء متى تحطم فهو علاوة على أنه لا ينفع يصبح نفاية في البيت.
(١٣) هوذا الناس لا يتكلمون عنه سوى السوء والمذمة ذلك لأنه في خوف دائم تحيط به المخاطر. ولو كان طلبهم مواجهته في عراك عادل وصدام لكانت المصيبة أخف ولكنهم يتآمرون ويضعون الخطط لهلاكه فقط. لا شيء يكفيهم سوى أن يعدموه الحياة بتاتاً (انظر هوشع ٨: ٨ وإرميا ٤٨: ٣٨ وإرميا ٢٢: ٢٨).
(١٤) ذاك ما يستطيعه البشر نحوه ولكن يبقى له الإيمان الذي جعله متكلاً على إلهه. «أنا» و «إلهي أنت» هي كلمات تستدعي انتباهنا الكلي. في هذه الشدائد العظيمة يعود الإنسان إلى نفسه لا سيما حينما يخونه الجيران ويتركه المعارف وبعضهم يضع له المكايد ويلتمسون قتله. الآن وقت الإيمان الذي يجعله أن يتكل كل الاتكال على مصدر القوة والعون. عاد لنفسه ضعيفاً ولكنه تقوى باستناده على الله الذي لا يتركه أبداً.
(١٥) ابتدأ كلامه أن أجله ليس بيده ولا كما يريده. بل هو في يد الله. هنا منتهى الطمأنينة والثقة. حينئذ فالأعداء لا يستطعيون شيئاً والمطاردون لنفسي يصبحون كلا شيء. إن أثمن ما في الدنيا هي حياة الإنسان فإذا نجا من الأعداء فيكون خلاص الله قد تمم له. فإذاً النجاة هي بيد الله وليست منا. فكما أن آجالنا هي بمشيئة الله كذلك فهو يعرف كيف يخلصنا في حينه على شرط أن نعرف كيف نتكل عليه.
«١٦ أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ. خَلِّصْنِي بِرَحْمَتِكَ. ١٧ يَا رَبُّ، لاَ تَدَعْنِي أَخْزَى لأَنِّي دَعَوْتُكَ. لِيَخْزَ ٱلأَشْرَارُ. لِيَسْكُتُوا فِي ٱلْهَاوِيَةِ. ١٨ لِتُبْكَمْ شِفَاهُ ٱلْكَذِبِ ٱلْمُتَكَلِّمَةُ عَلَى ٱلصِّدِّيقِ بِوَقَاحَةٍ، بِكِبْرِيَاءَ وَٱسْتِهَانَةٍ. ١٩ مَا أَعْظَمَ جُودَكَ ٱلَّذِي ذَخَرْتَهُ لِخَائِفِيكَ وَفَعَلْتَهُ لِلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ تُجَاهَ بَنِي ٱلْبَشَرِ. ٢٠ تَسْتُرُهُمْ بِسِتْرِ وَجْهِكَ مِنْ مَكَايِدِ ٱلنَّاسِ. تُخْفِيهِمْ فِي مَظَلَّةٍ مِنْ مُخَاصَمَةِ ٱلأَلْسُنِ».
(١٦) شعوره أنه في ظلام بسبب أحزانه وضيقاته لذلك فهو يحتاج لنور الله يضيء له السبيل فيعرف كيف يسلك ولا يعثر. وبعد ذلك يلتمس خلاصاً ليس لأنه يستحقه بل لأن الله يرحمه. ذلك هو وقت النجاة لذلك فليكن يا رب هذا بإشراقك وضياء وجهك فرّح قلبي واحمني (انظر عدد ٦: ٢٤ – ٢٦).
(١٧) هنا صلاة قصيرة يلتمس من الله أن يستجيب له فهو محاط بأعداء يهزأون به ولا يؤمنون بإلهه لذلك يحتاج أن يعتز باستجابة الصلاة لكي يبرهن لأولئك الأعداء عن فساد موقفهم تجاهه. إنها لثقة تامة غالبة بالله. وهذه الثقة لا تعتمد على استحقاقه هو بل على الرحمة التي تطاله من فيض إحسانه ولطفه تعالى.
(١٨) ما أحسن سكوت الشفاه الكاذبة. لأنه أفضل للإنسان أن لا يتكلم من أن يتكلم كاذباً لا سيما إذا كان هذا الكذب ضد أناس صالحين وحينئذ يكون الكاذب وقحاً متكبراً لا يخاف الله ولا يهاب إنساناً. يا ليت كل لسان يبكم قبل أن يشرع في تلفيق أمور لا ترضي الله ولا تتمم مشيئته. «الصديق» هنا بالمفرد. وهذه إشارة لخلق داود المتين فمع أنه قد تكلم عنه الناس باطلاً مع أنه هو كامل الطريق. وهكذا فعل الأشرار مع السيد المسيح وأهانوه ظالمين متكبرين (انظر ١بطرس ٢: ١٨ – ٢٥ ويعقوب ٤: ١ – ٦).
(١٩) في هذا العدد يتحول الرجاء المنبعث من الاتكال على رحمة الرب ويصبح حقيقة ثابتة وهكذا يحمد جود الرب وفضله ويرشد الناس الخائفين اسمه أن يتمسكوا بهذه الحقيقة ويثبتوا في الرب غير متزعزعين. وجود الرب مذخور مكنوز وليس شيئاً عارضاً يكون الآن ولا يكون غداً. بل هو ثابت أكيد على شرط أن المؤمن يعرف كيف يستفيد منه. وهذا الخير يفعله نحو المتكلين عليه لكي يظهر عنايته حتى بقية الناس يؤمنون ويخافون اسمه.
(٢٠) إن داود في وسط اضطراباته ومخاطره العظيمة وجد تشجيعاً عظيماً حينما حقق الله مطالبه ونجاه منها مرة بعد أخرى. وهو يعترف أن خلاصه لم يكن من مقدرة فيه بل برحمة من الله. «ستر وجهك» أي بمهابته فحينما يقف واحد ليحامي عن الآخر يواجه العدو المطارد أي يقف بوجهه حتى لا يصل إلى ضالته. إن الله يدافع عنا على هذه الصورة فهو يحمينا بوجهه ثم بعد ذلك يخفينا ويخبئنا حينما تكون الألسنة الشديدة ضدنا ولا نعرف ماذا وكيف ندافع عن أنفسنا فهو سندنا وحرزنا الأمين.
«٢١ مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ لأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ عَجَباً رَحْمَتَهُ لِي فِي مَدِينَةٍ مُحَصَّنَةٍ. ٢٢ وَأَنَا قُلْتُ فِي حَيْرَتِي: إِنِّي قَدِ ٱنْقَطَعْتُ مِنْ قُدَّامِ عَيْنَيْكَ. وَلٰكِنَّكَ سَمِعْتَ صَوْتَ تَضَرُّعِي إِذْ صَرَخْتُ إِلَيْكَ. ٢٣ أَحِبُّوا ٱلرَّبَّ يَا جَمِيعَ أَتْقِيَائِهِ. ٱلرَّبُّ حَافِظُ ٱلأَمَانَةِ وَمُجَازٍ بِكَثْرَةِ ٱلْعَامِلَ بِٱلْكِبْرِيَاءِ. ٢٤ لِتَتَشَدَّدْ وَلْتَتَشَجَّعْ قُلُوبُكُمْ يَا جَمِيعَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ ٱلرَّبَّ».
(٢١) يعود داود لنفسه ويذكر رحمة الرب الشخصية نحوه. فالرب يستحق شكرنا الشخصي ولا يكفينا أن نذكر أشياء عامة نرددها وقلما نعنيها. إن الرب قد أظهر نحوه خلاصاً ممتازاً عجيباً. فالستر لم يكفه كما في العدد السابق وكذلك اختفاؤه في ظل الرب لأنه الآن قد أدخله إلى حماه الداخلي كأنما إلى مدينة محصنة لا يستطيع العدو أن يجتاز حتى أبوابها (انظر ٢أخبار ٨: ٥) هنا الرحمة الحامية الكاملة فلا يخاف أي عدو ولا أي مصاب عظيم.
(٢٢) هنا يذكر شيئاً مرّ عليه ويراجعه لأجل التذكار فقد صدمته النوائب وأوقعته في الحيرة وارتبك ولم يدر ماذا يفعل وحسب أنه لم يعد في حمى الرب بل قد انقطع وانفرد وعاش مستوحشاً بلا أنيس أو جليس. وهو في هذه الحالة من الحزن والضيق والانفراد يصرخ ويتأكد بعد ذلك إن الله سمع تضرعه واستجاب له ونشله مما هو فيه.
(٢٣) يطلب من كل الأتقياء أن يهرعوا للرب وينصرفوا إليه بخلوص ومحبة إن التقوى تستلزم المحبة التامة «تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هٰذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلأُولَى». ودعوته للمحبة هذه مبنية على سببين: الأول لأنه يحفط الأمانة. والثاني لأنه يجازي بالأخص الذي يعصى أمره ولا يتمم مشيئته. إذاً فالربح هو في المحبة والخسارة كلها لجميع الذين لا يرعون حرمة الله ولا يحافظون على تعليمه ونواميسه.
(٢٤) وما أجمل أن يختم هذا المزمور المملوء بذكرى المصائب والشدائد التي مرت بمثل هذا الختام. يطلب أن يكون للمؤمن القوة والشجاعة أما القوة فلكي يستطيع أن يحتمل وأما الشجاعة فلكي يقتحم. الواحدة تؤهله للدفاع والأخرى للهجوم ولا يكفي أن نرى أنفسنا في منجاة بل أن نترنم فرحين سعداء بالنجاة التي يمنحها الله. إن خلاص داود هذا قد كان فائقاً لكل ما انتظره وهكذا كل مرة فإن جود الرب هو أعظم مما نقدر أن نتصور أو نفتكر. فلنلتصق بالرب ولنمسك بيده ولنتشدد بعونه ونعمته (انظر إشعياء ٣٥: ٣ و٤ وعبرانيين ١٢: ١٢ و١٣).
السابق |
التالي |