سفر المزامير

سفر المزامير | 32 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ

لِدَاوُدَ. قَصِيدَةٌ

«١ طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. ٢ طُوبَى لِرَجُلٍ لاَ يَحْسِبُ لَهُ ٱلرَّبُّ خَطِيَّةً، وَلاَ فِي رُوحِهِ غِشٌّ ٣ لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ، ٤ لأَنَّ يَدَكَ ثَقُلَتْ عَلَيَّ نَهَاراً وَلَيْلاً. تَحَوَّلَتْ رُطُوبَتِي إِلَى يُبُوسَةِ ٱلْقَيْظِ. سِلاَهْ. ٥ أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي. سِلاَهْ».

هذا المزمور أشبه شيء بعظة كتبها شخص مختبر الحياة الروحية والعلاقة مع الله ويود أن يلفت نظر الناس إلى عميق الاختبار الذي ناله. وهو مزمور توبة عميقة أيضاً وكان أوغسطينوس يحبه كثيراً. ويظن أن كلا المزمورين ٥١ وهذا المزمور قد كتبا بعد خطيئة الزنا التي ارتكبها. وأما هذا المزمور فقد كتبه بعد تأكد الغفران. وكان يشعر حينئذ بالطمأنينة والسلام بأن الله قد رضي عنه. والعنوان «قصيدة» لا تفيد المعنى تماماً إذ نفس الكلمة العبرانية مترجمة في (٢أخبار ٣٠: ٢٢) «فطنة» والأفضل ترجمتها تأمل.

(١) هنيئاً لمن ينال نعمة الرب فيسلم الإنسان نفسه لعنايته الحنونة. وكلمة إثم تشتق من أصل معناه البعد. لذلك فكل من يبتعد عن الله ويترك وصاياه فهو شرير أثيم. وهنيئاً له إذا عاد. وتستر الخطيئة حتى كأنها غير منظورة بعيني الله لأنه غفار رحيم.

(٢) بل إن خطيئته لا تحسب شيئاً ولا تقيد ضده. ذلك لأن الرب ينظر للقلب فإذا تاب وارتدع فإن الخطايا تمحى تماماً. ويتبع العدد بشرط المغفرة وهو أن لا يكون غش في ما يفعله. وحينئذ تكون التوبة قلبية وحقيقية. لا يعود للخطيئة أبداً. وبالتالي فالذين يتوبون بغش فهم باقون في خطاياهم لا ينالون الغفران.

(٣) لقد سكت من قبل عن أن يتوب وإذا به يصبح في ويل عظيم حتى عظامه فنيت من شدة تأوهاته وزفراته المتصاعدة. كلما حاول أن يكتم إثمه كلما ارتفع صوت الضمير ولم يعد أمامه سوى الحسرات والزفرات حتى لم يستطع صبراً طويلاً واستمر كذلك اليوم كله.

(٤) كانت يد الله عليه وشعر بوخز الضمير وحرارة داخلية محرقة جعلته يابساً كيوم قيظ شديد. ولم يرتح في حالته ليلاً ولا نهاراً. كإنما تلك النار في جوفه أخذت تلتهمه وتحرمه لذة الحياة بالكلية.

(٥) وهنا يصل إلى سبيل الخلاص من حالته السيئة هذه فيعترف ولم يعد يستطيع الكتمان. ثم يكرر اعترافه وهو يرجو الله أن يرفع عنه هذ الحمل الثقيل ولا تكون يده عليه للنقمة بل للبركة. وينهي كلامه بكلمة «سلاه» ولكن هذه تختلف عن التي في العدد الرابع بأنها ختام الفرح بينما تلك كانت تستنجد لأجل الرحمة والرضوان.

«٦ لِهٰذَا يُصَلِّي لَكَ كُلُّ تَقِيٍّ فِي وَقْتٍ يَجِدُكَ فِيهِ. عِنْدَ غَمَارَةِ ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ إِيَّاهُ لاَ تُصِيبُ. ٧ أَنْتَ سِتْرٌ لِي. مِنَ ٱلضِّيقِ تَحْفَظُنِي. بِتَرَنُّمِ ٱلنَّجَاةِ تَكْتَنِفُنِي. سِلاَهْ. ٨ أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ. ٩ لاَ تَكُونُوا كَفَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ بِلاَ فَهْمٍ. بِلِجَامٍ وَزِمَامٍ زِينَتِهِ يُكَمُّ لِئَلاَّ يَدْنُوَ إِلَيْكَ. ١٠ كَثِيرَةٌ هِيَ نَكَبَاتُ ٱلشِّرِّيرِ، أَمَّا ٱلْمُتَوَكِّلُ عَلَى ٱلرَّبِّ فَٱلرَّحْمَةُ تُحِيطُ بِهِ. ١١ ٱفْرَحُوا بِٱلرَّبِّ وَٱبْتَهِجُوا يَا أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُونَ، وَٱهْتِفُوا يَا جَمِيعَ ٱلْمُسْتَقِيمِي ٱلْقُلُوبِ».

(٦) هنا واجب الصلاة والداعي لها لأن من الله النجدة والخلاص. إن التقوى تتطلب من التقي أن يحتمي بالله بل أنها مشتقة من «وقى» أي حفظ أو احتمى. ويحمي الإنسان عادة في أوقات الشدة والصعوبات. وحينما تأتي المياه الغامرة فالمؤمن لا يصيبه شيء لأنه في مرتفع ومنجاة منها. هو أعلى منها وبالتالي هي أوطى منه فيمر فوقها.

(٧) إن الله يستر خائفيه ويخفيهم عن الأنظار فلا يطالهم العدو. وفي وقت الضيق له الرعاية والحفظ. وحينئذ يتبدل ذلك إلى بهجة وترنم ويذهب الحزن والضيق ويكون فرج وسلام. فهو مكتنف بذلك من كل جانب إذاً فنجاته حقيقية لا وهم فيها البتة وهكذا يختم هذا العدد بأعلى أصوات المديح والابتهاج بشكر الله تعالى «سلاه».

(٨) هنا جواب مزمور ٥١ «فأعلم الأثمة طرقك…» إن الرب نفسه هنا معلمنا ومرشدنا للطريق الصالح «أنا هو الطريق والحق والحياة». و «عيني عليك» هو تعبير دارج في الشرق حتى يومنا هذا ويقصد به العناية. والعناية والمعاينة تتقارب جداً وبمعنى واحد.

(٩) هنا يتقدم المرنم بكلام قاس وتشبيه شديد اللهجة. على الإنسان أن يتصرف كإنسان بالطاعة والخضوع لمشيئة الله تعالى وإلا فهو عديم الفهم كالحيوان الأبكم. الحيوان يزين بزمام ولجام وفي الوقت ذاته يقاد بهما لكي يخدم الإنسان ويمنع ضرره. وعلى الإنسان أن يكم ذاته على الأقل. فهو يتميز عن الحيوان أنه يجب أن يقبل التعليم والإرشاد مختاراً.

(١٠) في هذا العدد مقابلة بين حالة الشرير فهو في نكبات مستمرة. وأما الذي يتكل على الرب وينال رضاه فهو محاط برحمته تعالى دائماً الفرق بين نكبة الشرير والصالح ليس فقط من جهة عددها ونوعها بل من جهة استقبالها ومواجهتها ثم نتيجتها الدائمة في القلب.

(١١) ويتابع المعنى في هذا العدد. ويطلب لهؤلاء الأتقياء أن يفرحوا ويبتهجوا ويهتفوا. ما أسعد هذه الآخرة التي يصلون إليها ذلك لأن فرحهم مقدس طاهر يتوقف على حالتهم الروحية الداخلية أكثر مما يصادفونه في هذه الحياة الدنيا الزائلة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى