سفر المزامير | 28 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ
لِدَاوُدَ
«١ إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَصْرُخُ. يَا صَخْرَتِي لاَ تَتَصَامَمْ مِنْ جِهَتِي لِئَلاَّ تَسْكُتَ عَنِّي فَأُشْبِهَ ٱلْهَابِطِينَ فِي ٱلْجُبِّ. ٢ ٱسْتَمِعْ صَوْتَ تَضَرُّعِي إِذْ أَسْتَغِيثُ بِكَ وَأَرْفَعُ يَدَيَّ إِلَى مِحْرَابِ قُدْسِكَ. ٣ لاَ تَجْذِبْنِي مَعَ ٱلأَشْرَارِ، وَمَعَ فَعَلَةِ ٱلإِثْمِ ٱلْمُخَاطِبِينَ أَصْحَابَهُمْ بِٱلسَّلاَمِ وَٱلشَّرُّ فِي قُلُوبِهِمْ. ٤ أَعْطِهِمْ حَسَبَ فِعْلِهِمْ وَحَسَبَ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ. حَسَبَ صُنْعِ أَيْدِيهِمْ أَعْطِهِمْ. رُدَّ عَلَيْهِمْ مُعَامَلَتَهُمْ».
(١) ينقسم هذا المزمور أيضاً إلى قسمين كما هي الحالة في المزمور السابق. قد يختلف القسم الواحد عن الآخر في شكل النظم ولكنهما يتفقان في المعاني والأفكار. وأصداء هذا المزمور موجودة في إشعياء وإرميا بصورة محسوسة. القسم الأول هو (عدد ١ – ٥) وهو تضرع لله. يبدأ المزمور بصرخة استغاثة ذلك لأن الرب هو صخرة خلاصه وإذا سكت الله وتصام عنه فهو يشبه المائتين الذين لا رجاء لهم (انظر إشعياء ١٤: ١٩).
(٢) يرفع يديه إلى محراب قدسه أي قدس الأقداس. والكلمة في العبرانية تفيد مؤخرة الهيكل أي المحل الخلفي منه حيثما لا يصله الناس في كل وقت. لذلك فهو يستند بأقدس مكان لأهم الأمور.
(٣) يلتمس أن لا يصحب الأشرار والأثمة (انظر حزقيال ٣٢: ٢٠ و١٠: ٩ وأيوب ٢٤: ٢٥). هؤلاء هم الأعداء فإذا تغلبوا عليه وقهروه فهو منجذب معهم وخاضع لهم ويكون نصيبه كنصيبهم الدمار. إنهم أشرار لأنهم بوجهين ولسانين إذ يتكلمون بالسلام ولا يعنونه. يضمرون غير ما يظهرون (انظر إرميا ٩: ٧) هم مخادعون كذابون (هوشع ٩: ١٤ وإرميا ٣٢: ١٩).
(٤) يطلب المرنم لهم جزاء أفعالهم (راجع إشعياء ٣: ٨ – ١١ و١: ١٦). هو يطلب لهم الانتقام من الله ولا يريد أن ينتقم لنفسه. أما الطلب فيتضمن شكراً لله على أنه لم يجذبه معهم ليفعل أفعالهم الرديئة وكان على صواب عظيم في طلبه هذا. ثم هو يتضمن أيضاً إظهار عدل الله في حكمه هذا العالم وتسييره أموره وإلا كان الأمر فوضى ولا رابطة تربط بين عمل ونتيجة وبين عامل شرير وجزاء أعماله الشريرة. وهكذا فلا يغتر الأشرار برحمة الله ويحسبون طول أناته كأنه لن يحاسب أبداً. والله يجازي ليس على العمل فقط بل على التصميم وإرادة العمل ذاته لأن الذين يسيئون قد يفعلون ذلك بالإرادة ولا يضعونها موضع التنفيذ ولكنهم ينفذون متى سنحت لهم الظروف بذلك.
«٥ لأَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَبِهُوا إِلَى أَفْعَالِ ٱلرَّبِّ وَلاَ إِلَى أَعْمَالِ يَدَيْهِ يَهْدِمُهُمْ، وَلاَ يَبْنِيهِمْ. ٦ مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ لأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ تَضَرُّعِي. ٧ ٱلرَّبُّ عِزِّي وَتُرْسِي. عَلَيْهِ ٱتَّكَلَ قَلْبِي، فَٱنْتَصَرْتُ. وَيَبْتَهِجُ قَلْبِي وَبِأُغْنِيَتِي أَحْمَدُهُ. ٨ ٱلرَّبُّ عِزٌّ لَهُمْ، وَحِصْنُ خَلاَصِ مَسِيحِهِ هُوَ. ٩ خَلِّصْ شَعْبَكَ وَبَارِكْ مِيرَاثَكَ وَٱرْعَهُم وَٱحْمِلْهُم إِلَى ٱلأَبَدِ».
(٥) يعجب المرنم من قساوة قلوب هؤلاء الأعداء فهم بلا خجل يتعامون عما فعله الله من عظائم وأفعال عجيبة تجاه الممسوح من قبله ملكاً على إسرائيل. لقد وعد الله داود أن يبني بيته ويحفظه (٢صموئيل ٧) وهو صادق أمين. فإذاً كل انتقاض على هذا الترتيب هو مخالف لأمر الله وترتيبه. وهكذا فكما أن الله سيبني داود هو في الوقت ذات سيهدم كل ما عداه من أعداء.
(٦) هنا يبدأ القسم الثاني من المزمور فكما أن القسم الأول هو تضرع للنجدة والانتقام من الأعداء فهنا شكر قلبي لأن الله قد سمع التضرع وأنجد تقيه وخذل أعداءه. قد يكون أن الناظم كتب القسم الأول من المزمور ثم بعد حين عاد فكتب القسم الثاني بعد أن تحقق ما فعله الله معه وكيف نجاه من الضيق والخطر. فهذا القسم هو بيان لما حصل كشيء تاريخي وليس شيئاً تمناه أن يحدث وهو لم يحدث بعد.
(٧) الرب مجده وعزه. الرب ترسه وملجأه في الضيقات. هو متكله ولذلك انتصر ولو اتكل على أي شيء أو إنسان لانخذل. وهكذا من الضيق يخرج الابتهاج وبعد التأوهات والتنهدات يتبدل الصوت بالهزج والنشيد.
(٨) في هذا العدد يلتفت داود للكلام عن الشعب فهو (أي الرب) عز لهم وليس للملك فقط. لأن الخلاص الذي أعده للملك هو خلاص لشعبه أيضاً. وما أجمل العلاقة الكائنة بين ملك محبوب وشعب يريد مليكه ويتغنى بخدمته بل يتفانى بإظهار الطاعة والخضوع طالما يمشي في رفع الشعب وترقيته وإسعاده.
(٩) يلتمس لشعبه الخلاص والبركة. وهنا صورة الراعي الحنون الذي يرعى شعبه بالخير والسلام ويحمل ضعفاتهم وأثقالهم. الرب يحمل خاصته كما يقول (تثنية ١: ٣١) كالأب يحمل ابنه. وأما (خروج ١٩: ٤ وتثنية ٣٢: ١١) يحملون على أجنحة النسور. وفي (إشعياء ٤٣: ٩) يحملون لأنهم ضعفاء لا يستطيعون مواجهة المصاعب لذلك فالرب ينجيهم منها ويسندهم ويقيل عثراتهم.
إن الله يستجيب صلاة المؤمن ولا يتصام عن صراخه ولكن عليه أن يؤمن وينتظر ولا يستعجل ولا يطلب الأمور أن تجري على هواه بل حسب قصده الإلهي ومشيئته تعالى.
السابق |
التالي |