سفر المزامير

سفر المزامير | 06 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى ذَوَاتِ اَلأَوْتَارِ عَلَى ٱلْقَرَارِ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ

«١ يَا رَبُّ، لاَ تُوَبِّخْنِي بِغَضَبِكَ وَلاَ تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ. ٢ ٱرْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي ضَعِيفٌ. ٱشْفِنِي يَا رَبُّ لأَنَّ عِظَامِي قَدْ رَجَفَتْ، ٣ وَنَفْسِي قَدِ ٱرْتَاعَتْ جِدّاً. وَأَنْتَ يَا رَبُّ، فَحَتَّى مَتَى!».

(١) كان داود كإرميا نبياً يبكي ويتألم كان اختباره عميقاً وحقيقياً وهنا في هذا المزمور يصور حالته وهو مريض متعب الجسم والفكر يطلب قوة وشفاء.

فكما أن الأب الحكيم لا يربي أولاده بغضبه أو بغيظه بل ينتظر إلى أن يهدأ وتذهب سورة غضبه فكم بالأحرى الآب السماوي الذي يشفق على أولاده ويرحمهم. إن غايته هو التأديب ورجوع الابن الضال عن شروره.

(٢) يظهر أن النبي كان مريضاً على الأرجح إذ يطلب الشفاء والقوة من مرضه ومن ضعفه. ولكنه يهتم بالعزاء الروحي أكثر مما يهتم بصحة الجسد لذلك يرجو رحمة الله ورضاه. إنه لا يطلب عدم التوبيخ أو التأديب ولكنه يلتمس ذلك بلطف الله فقط.

(٣) حتى متى؟ هنا تساؤل الابن المنتظر من أبيه أشياء كثيرة. كلام عتاب المودة بين رجل مؤمن والرب العظيم ولكنه قريب لجميع أولاده. وأسلوب توسله هو أن يعدد ما به من مصائب وهكذا يود أن يرحمه الله برحمته الغزيرة ويغفر له ذنوبه ويشفيه من أمراضه. «نفسي ارتاعت» لذلك لأنه بعد أن وجد ذاته في هذه الحالة الصعبة كان خوفه عظيماً جداً.

«٤ عُدْ يَا رَبُّ. نَجِّ نَفْسِي. خَلِّصْنِي مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ. ٥ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي ٱلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي ٱلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟ ٦ تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي. ٧ سَاخَتْ مِنَ ٱلْغَمِّ عَيْنِي. شَاخَتْ مِنْ كُلِّ مُضَايِقِيَّ».

(٤) يكرر هنا الطلب بأكثر لجاجة فلا يعود يذكر حاجته ومرضه وضعفه بل يستنجد برحمة الله. لأن استحقاقه ليس بالنسبة لما هو فيه بل بالنسبة لما يرجوه من الله الذي يريد له تمام الخير. إن الشجاعة التي نأخذها هي بالأولى حينما نواجه المصاعب ونتغلب عليها واثقين برحمة الله.

(٥) هنا وصف مؤثر لحالة المرنم إذ يقضي أوقاته بالحسرات والتنهدات. يبكي كثيراً حتى أن دموعه تملأ فراشه وتكاد تفيض بالماء بسبب ذلك. ثم يصف عينيه فإذا هي مريضة قد قرحتها ساعات السهاد وأوجعتها الدموع. لقد كان داود شديد العاطفة سريع الانفعال فكم تكون حالته في وقت مرضه وضعفه فإنه يزداد عندئذ حدة في العاطفة واندفاعاً في سبيل تحقيقها.

(٧) علينا حينما نقرأ هذا الوصف أن نخاف من غضب الرب فهو مروع ومخيف ولا صحة في جسمنا أو روحنا بدونه. علينا أن نتضع أمام الله تعالى ونلتمس منه العفو والغفران وحينئذ في أعظم ضيقاتنا هو حاضر أن يعين وينجي.

«٨ اُبْعُدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ بُكَائِي. ٩ سَمِعَ ٱلرَّبُّ تَضَرُّعِي. ٱلرَّبُّ يَقْبَلُ صَلاَتِي. ١٠ جَمِيعُ أَعْدَائِي يُخْزَوْنَ وَيَرْتَاعُونَ جِدّاً. يَعُودُونَ وَيُخْزَوْنَ بَغْتَةً».

(٨) هنا انتقال بديع لطيف من حالة سيئة إلى حالة حسنة. إن الله قد سمع الدعاء واستجاب الصلاة. لقد شكا وبكى وتعذب وانتحب ولكن لم يذهب ذلك عبثاً فقد سمع الله واستجاب. لذلك يطلب من الخطاة وفعلة الإثم أن يبتعدوا عنه فقد ذهبت شماتتهم به ضياعاً. عليه الآن بتجنبهم وهم يسخرون به ويهزأون. لقد مر زمان كانوا فيه الظافرين والآن هو الذي يظفر. وظفره كان بالصبر وطول الأناة ليس إلا. ربما قالوا له قبلاً قول الجهلة أن يترك الله ويسلك مسلكهم. يريدهم أن يذهبوا عنه ولا يجربوه بعد فهو ثابت في وجههم مهما تقلبت الأحوال. يسوع يقول في لوقا ١٣: ٢٧ «تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي ٱلظُّلْمِ».

(٩) إن ثقته بالله عظيمة ويتأكد أنه يسمع التضرع ويقبله. هنا أساس التدين الصحيح أن نعرف بأن الله يسمع ويصغي. قد يمر وقت يظهر أن صلواتنا لا تُستجاب وأن دعاءنا بلا مصغٍ ولكن هذا امتحان الإيمان.

(١٠) ثم يرتد على هؤلاء الأعداء ويوبخهم ويكون الخوف والروعة لهم وليس له. الأثمة لهم زمان يزهرون فيه كالعشب ولكنهم ييبسون. إن الباطل إلى حين مهما عز أنصاره ومهم اختلفت وجوهه وأشكاله. وكذلك فإن الحق وأنصاره هم وحدهم الذين يربحون أخيراً وعلينا إذاً أن نكون شكورين ونتأكد بأن النهاية هي لا شك في صالحنا إذا كنا حقيقة من أولئك الناس المؤمنين الفاضلين.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى