سفر المزامير | 05 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ
لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى ذَوَاتِ اَلنَّفْخِ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ
«١ لِكَلِمَاتِي أَصْغِ يَا رَبُّ. تَأَمَّلْ صُرَاخِي. ٢ ٱسْتَمِعْ لِصَوْتِ دُعَائِي يَا مَلِكِي وَإِلٰهِي، لأَنِّي إِلَيْكَ أُصَلِّي. ٣ يَا رَبُّ، بِٱلْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِٱلْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ».
(١) هذا المزمور هو صلاة حينما كان المرنم في حالة الضيق والشدة وقد مرت على داود حالات كهذه كثيرة. ويطلب أيضاً أن الله يتأمل ويتمعن بما يصليه. ذلك لأنه هو نفسه كان يصلي منصرفاً إلى التأمل العميق. والأرجح أنه مزمور للصباح يصليه المتعبد لله قبل أن يقدم الذبيحة.
(٢ و٣) إن الله إذا كنا نصلي إليه لا يستخف بنا بل يصغي ويسمع. إن داود حينما كان يصلي كان ينصرف بالتأملات الروحية العميقة. وقوله «ملكي وإلهي» يحوي الشيء الكثير من المعاني فإن الله هو الملك الحقيقي وداود عبده وهو في الوقت ذاته ممسوح من قبل الله ليكون ملكاً على شعبه نائباً عنه فقط. هنا المرنم يعد الله أربعة مواعيد:
- إنه يديم الصلاة والتضرع. ولا ينفك يفعل ذلك حتى يستجيب الله له.
- يصلي بالغداة أي عند الصباح فينصرف لله قبل أن ينصرف لأي إنسان.
- يوجه صلاته للعرش عن قصد وتصميم وكل كلماته لها أعمق المعاني.
- وإنه ينتظر فليس الصلاة معناها فقط أن نتكلم مع الله بل أن نصغي إليه.
كم من المرات نفقد قيمة الصلاة لأننا لا ننتظر كفاية. فنحن نفقد الصبر ونستبق الأمور ونستعجل النتائج بينما الله يطلب منها أن ننتظر مراحمه ونثق بمواعيده ونتكل عليه.
إن الترنيمة المسائية السابقة يتبعها في هذا المزمور ترنيمة صباحية ثانية وإن تكن حالة داود تختلف الآن عما كانت عليه عندئذ فقد كان هارباً أما الآن فهو في أورشليم. قوله «ملكي وإلهي» تحوي الكثير من المعاني فإن الملك الحق هو الله وما داود الممسوح من الله سوى نائب عنه. فعليه كما على كل تقي أن يخضع للملك الحق الواحد. المزمور ينقسم لستة أبيات وفيه عناية عظيمة بالألفاظ بينما المعاني بسيطة.
«٤ لأَنَّكَ أَنْتَ لَسْتَ إِلٰهاً يُسَرُّ بِٱلشَّرِّ، لاَ يُسَاكِنُكَ ٱلشِّرِّيرُ. ٥ لاَ يَقِفُ ٱلْمُفْتَخِرُونَ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ. أَبْغَضْتَ كُلَّ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ. ٦ تُهْلِكُ ٱلْمُتَكَلِّمِينَ بِٱلْكَذِبِ. رَجُلُ ٱلدِّمَاءِ وَٱلْغِشِّ يَكْرَهُهُ ٱلرَّبُّ».
(٤) هنا تصريح هام إن الله إله البر وليس إله الشر وقد يكون المرنم ملفتاً النظر إلى حقيقتين:
الأولى: أن ينبه نفسه والذين يتعبدون إلى وجوب نقاوة الضمير والتمسك بالخير قبل الإقدام على العبادة.
الثانية: يتشجع بأن الله لا يرضى على الشرير لذلك فأعداؤه الأشرار هم أعداء الله أيضاً.
هنا بحث لطيف من أن الله هو مصدر كل خير ولذلك لا يستطيع التغاضي عن أي الشرور مهما كانت صغيرة.
(٥) ثم يذكر المفتخرين أي الذين لا يبالون بصيتهم يهمهم قضاء مآربهم الشخصية. هم الحمقى الذين يبيعون الآجل بالعاجل. هم فاعلو الإثم الذي يقترفون الذنوب ولا يهمهم أن يعترفوا بها ولا يتركوها مصلحين ذواتهم.
(٦) كذلك فإن سبيل المنافقين هو للهلاك والدمار. والذين يسفكون الدماء أو يغشون إخوانهم ويحتالون عليهم هم مكروهون جداً.
يصف داود أعداءه بهذه الكلمات ويؤكد أنهم أعداء الله أيضاً بل هم أعداء أنفسهم لأن نصيبهم سيكون أخيراً للهلاك. ويقسمهم إلى نوعين:
(١) المنافقين الغشاشين.
(٢) القساة الظالمين وأهل الدماء.
«٧ أَمَّا أَنَا فَبِكَثْرَةِ رَحْمَتِكَ أَدْخُلُ بَيْتَكَ. أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ بِخَوْفِكَ. ٨ يَا رَبُّ، ٱهْدِنِي إِلَى بِرِّكَ بِسَبَبِ أَعْدَائِي. سَهِّلْ قُدَّامِي طَرِيقَكَ. ٩ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهِمْ صِدْقٌ. جَوْفُهُمْ هُوَّةٌ. حَلْقُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. أَلْسِنَتُهُمْ صَقَلُوهَا. ١٠ دِنْهُمْ يَا اَللّٰهُ. لِيَسْقُطُوا مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ بِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ. طَوِّحْ بِهِمْ لأَنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيْكَ».
(٧) الخطاة يبتعدون عن بيت الله ولا يحبون الدخول إليه وبالعكس داود وأمثاله فهم يفرحون بدخولهم إليه. لذته وشجاعته هو بأن يسجد في الهيكل بخوف الرب وطاعته.
(٨) وهو يرجو أن يتمم عبادته على أحسن وجه بسبب الأعداء الذين يسببون له البعد عن الله والكفر برحمته وإحسانه. فيحتار أي طريق يسلك ويضيع ثم يطلب الهداية وأن تتسهل الطريق أمامه لئلا يعثر ويزلق ويسقط. وفي هذه الطريقة لقد خدمه أعداؤه فقد طلب الهداية والرشاد من الله. ولذلك فقد أصابه الخير بدل الشر ونجا من المصائب والأحابيل التي وضعوها في سبيله وطلب إرشاد الله ونجاته من كل المخاطر. إن الله قد أوضح لنا الطريق أمامنا وعلينا أن نمشي فيها «هذه هي الطريق اسلكوا فيها». علينا أن نؤمن برحمة الله بعد ونثق بمواعيده فهو لا يتخلى عن أولاده.
(٩) هنا وصف تام لأخلاق هؤلاء الأعداء فهم لا يعرفون الصدق. وفي الوقت ذاته متمدنون يقولون ولا يعنون يصاحبون ولا يخلصون. جوفهم هوة لكي يسقطوا الناس فيها وهم لا يبالون بسوى مصالحهم الخاصة. وهم أيضاً قصاة القلب طماعون لا يشبعون كالقبر الذي مهما وضعنا فيه من جثث يظل طالباً المزيد. ومع ذلك فليس من السهل اكتشافهم فهم قد صقلوا ألسنتهم وتظاهروا بالمودة.
(١٠) يطلب من الله أن يدانوا ويحكم عليهم على نسبة ما هم فيه من رذائل «ليسقطوا من مؤامرتهم» اي لتكن تلك الأحابيل التي وضعوها عائدة عليهم بالوبال «لأن من حفر حفرة لأخيه وقع فيها». وهم يستحقون هذا القصاص العادل لأنهم قد تمردوا على الله فلم يكتفوا بالشر مع الإنسان بل تطاولوا وتمردوا وعصوا أوامره تعالى.
«١١ وَيَفْرَحُ جَمِيعُ ٱلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ. إِلَى ٱلأَبَدِ يَهْتِفُونَ، وَتُظَلِّلُهُمْ. وَيَبْتَهِجُ بِكَ مُحِبُّو ٱسْمِكَ. ١٢ لأَنَّكَ أَنْتَ تُبَارِكُ ٱلصِّدِّيقَ يَا رَبُّ. كَأَنَّهُ بِتُرْسٍ تُحِيطُهُ بِٱلرِّضَا».