سفر المزامير | 95 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلتِّسْعُونَ
«١ هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا. ٢ نَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِحَمْدٍ وَبِتَرْنِيمَاتٍ نَهْتِفُ لَهُ. ٣ لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهٌ عَظِيمٌ، مَلِكٌ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ ٱلآلِهَةِ».
هذا المزمور هو دعوة صارخة لعبادة الرب وطاعة كلمته واتباع إرشاداته الإلهية الحكيمة. وهو ينتسب للمزمور سابقه بأنه يدعو الله صخرة الخلاص. وربما كتب هذا المزمور لداع خاص ولكنه غير معروف وغير مؤكد تماماً.
(١ – ٣) إن الرب هو صخرة الخلاص كما يدعى أيضاً في (مزمور ٨٩ وقابله مع مزمور ٩٤: ٢٢). فهو الملاذ الثابت الأمين لا يتزعزع ولا يتغير. وعلينا أن نرنم لاسمه ونهتف بخلاصه لأن اعترافنا بذلك هو دليل شكرنا القلبي على جميع أعماله الإلهية المنعشة. وهكذا حينما يدخل المتعبد بيت الرب عليه أن يبدأ عبادته بهذه العبارات المشجعة القوية (انظر ميخا ٦: ٦ وأيضاً ٢صموئيل ٢٣: ١). وأما التقدم أمام الرب فمعناه الحضور إلى بيته والسجود عند موطئ قدميه لأنه يريدنا أن نحمده ونرنم لاسمه ونملأ كل مكان من ذكر مجده وقداسته. حتى أن الناس جميعهم حولنا يلتفتون إلى ما نقوله ويقتدون بنا ونذيع اسم الرب فيما بينهم ونعيش شكورين بألسنتنا كما وبحياتنا أيضاً.
ذلك لأن الله عظيم جداً ومستحق كل عبادة و تكريم. هو ملك الأرض كلها وملك عالم الأرواح. إذ أن آلهة الشعوب ليست شيئاً فإذن هو وحده الخالق المدبر وعلى الجميع أن يظهروا خضوعهم التام له ويسيروا حسب مشيئته.
«٤ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَقَاصِيرُ ٱلأَرْضِ وَخَزَائِنُ ٱلْجِبَالِ لَهُ. ٥ ٱلَّذِي لَهُ ٱلْبَحْرُ وَهُوَ صَنَعَهُ، وَيَدَاهُ سَبَكَتَا ٱلْيَابِسَةَ. ٦ هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ ٱلرَّبِّ خَالِقِنَا، ٧ لأَنَّهُ هُوَ إِلٰهُنَا وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ. ٱلْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ».
(٤ – ٧) إن الله ممجد في نظر المرنم لثلاثة أسباب الأول لأنه فوق جميع الآلهة وثانياً لأنه هو فوق جميع الأشياء لأنه خالقها ومبدعها وثالثاً هو فوق شعبه لأن يرعاهم ويقودهم إلى تمام الخير والتوفيق والرضا. إذن فالله فوق كل السموات والأرض التي هي من صنع يديه. أما مقاصير الأرض فهي أغوارها والأمكنة الواطئة فيها من وديان وما أشبه وهذه عادة تكون ملأى بالخصب والغلال الكثيرة. ومن ناحية ثانية فإن الجبال بما فيها من كنوز مخزونة هي له أيضاً فإذن كل شيء له ما ارتفع وما انخفض ما خفي وما ظهر. بل له أيضاً هذا البحر الواسع الأطراف بما فيه من مياه كثيرة يسبح فيها أنواع الأسماك العديدة بل هوذا هذه اليابسة كلها فقد سبكتها يداه فقد كانت في حالة الميعان وأما الآن فقد أصبحت آهلة بالسكان.
وهل هو شيء غير معقول أن يطلب المرنم بناء على ذلك كله أن نسجد له ونعبده كما يليق بعزته الإلهية وكما ينبغي علينا كأناس ندعي التدين ونريد أن نظهره للخالق العظيم.
ذاك هو إلهنا لسنا سوى شعب مرعاه أي هو راعينا المحب الذي يقودنا إلى المراعي الخضر وإلى مياه الراحة يوردنا (راجع مزمور ٢٣). وقد كرر الطلب نسجد ونركع ونجثو من باب التوكيد حتى لا نتردد في إتمام هذا الواجب المطلوب منا تجاه الخالق الحنون العظيم (راجع ٢أخبار ٦: ١٣) نحن شعبه الموكول إليه أمر العناية به لذلك نحن غنم يده أي موضوعون في عنايته ورعايته وبدونه لا حياة لنا قط.
«٨ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي مَرِيبَةَ، مِثْلَ يَوْمِ مَسَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، ٩ حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. ٱخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا أَيْضاً فِعْلِي ١٠ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَقَتُّ ذٰلِكَ ٱلْجِيلَ وَقُلْتُ: هُمْ شَعْبٌ ضَالٌّ قَلْبُهُمْ، وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي. ١١ فَأَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي لاَ يَدْخُلُونَ رَاحَتِي!».
ويستخلص إلى القول بأن يتعظ الشعب من حوادث أليمة مرت به في الماضي فيذكر الشعب بيوم مريبة ومسّة. وهو الأرجح في السنة الثانية بعد الخروج من مصر حينما أخذوا يتذمرون في برية سيناء بسبب قلة المياه (خروج ١٧: ١ – ٧) وأيضاً جرت حادثة في مريبة في السنة الأربعين من الخروج وهو حادثة ماء مريبة (راجع العدد ٢٠: ٢ – ١٣ وقابل هذا مع المزمور ٧٨: ٢٠).
لقد جرّب الشعب عندئذ الرب وحاولوا أن يختبروا ماذا يفعل الرب بهم وإذا بهم يبصرون ماذا يستطيعون أن يفعله نحوهم (راجع إشعياء ٤٩: ١٥).
وقد استمر هذا العصيان كما نعلم أربعين سنة حتى حكم الله عليهم بالهلاك في البرية ولا يدخلون أرض الموعد. ذلك لأنهم شعب ضال ولم يعرفوا سبله المستقيمة فكان ضلالهم الروحي أعظم من ضلالهم في تلك البرية وتيهانهم فيها.
لقد أقسم الله (راجع العدد ١٤: ٢٧ وما بعده). بأن لا يتمتعوا بأطايب أرض الموعد بل يهلكوا بعيدين مشردين (راجع تثنية ١٢: ٩).
وعليه فالمرنم يأخذ عبرة من التاريخ ويلفت نظر الشعب إليها ويقول لهم انظروا ماذا جرى وماذا كان الحكم وتعقلوا قبل فوات الأوان لئلا يصيبكم ما أصاب أولئك الآباء. وهل نعجب إذا وصلنا للنتائج ذاتها طالما قد سلكنا الأسباب ذاتها. والحكمة تقضي أن يرجعوا ويتوبوا ويعبدوا الرب قبل فوات الأوان لأن الآن وحده هو وقت مقبول.
السابق |
التالي |