سفر المزامير | 92 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلتِّسْعُونَ
مَزْمُورُ تَسْبِيحَةٍ. لِيَوْمِ اَلسَّبْتِ
«١ حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لِلرَّبِّ وَٱلتَّرَنُّمُ لٱسْمِكَ أَيُّهَا ٱلْعَلِيُّ. ٢ أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي ٱلْغَدَاةِ وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ٣ عَلَى ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ وَعَلَى ٱلرَّبَابِ عَلَى عَزْفِ ٱلْعُودِ».
هذا المزمور كما نجد من عنوانه يناسب الأيام المقدسة والسبوت فهو يدعو للعبادة والتورع أمام الله. وكان معيناً ليوم السبت بينما المزامير غيره كانت لأيام الأسبوع الباقية حينما كانت تقام الخدمة بعد الرجوع من السبي. كان يرنم لدى تقديم التقدمة السبتية (العدد ٢٨: ٩ وما بعده) كذلك يرنم معه (تثنية ٣٢) ويقسم إلى ستة أقسام. وفي مساء السبت لدى التقدمة المسائية كان يرنم إحدى القطع الثلاث (خروج ١٥: ١ – ١٠ أو ١١ – ١٩ أو العدد ٢١: ١٧ – ٢٠).
(١ – ٣) يبدأ كلامه بحمد الرب حاكم العالمين والمدبر الوحيد لكل شيء ويترنم باسم الله العلي الذي هو فوق جميع الأسماء بالنسبة لرحمته الظاهرة في الصباح وأمانته التي ترافقنا في الليل أيضاً. فهو إله حنون لطيف بعباده. وهو يعيد ذكر اسم الله سبع مرات تبركاً لا سيما وهو مزمور ليوم السبت المقدس الذي هو اليوم السابع أيضاً حسب التقويم اليهودي القديم. ونجد هذا التشديد مكرراً في (المزامير ٦٣ و٩٤: ٣ و٩٦: ١٣).
إن يوم السبت في نظره هو اليوم المفرز للعبادة فنترك مهام الحياة والأشغال المعتادة وننصرف إليه (راجع إشعياء ٥٨: ١٣ وما بعده) وهذه العبادة حسنة ليس بعيني الله وحده بل يجب أن تكون كذلك في عيني الإنسان نفسه. وهكذا يترنم اللسان بالحمد والتسبيح ويستخدم فوق ذلك تلك الآلات الوترية التي كانت مستعملة للعبادة عندئذ لكي تزيد الترنيم وقعاً وجمالاً. وأي شيء أوقع في قلب الإنسان من أن يبدأ هذا النهار المقدس المخصص للعبادة بحمد اسم الرب وتكريمه ويستمر ذلك كذلك إلى أن ينتهي اليوم ويأتي الليل وحينئذ نذكر أمانة الرب وما صنعه معنا من عظائم.
«٤ لأَنَّكَ فَرَّحْتَنِي يَا رَبُّ بِصَنَائِعِكَ. بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ. ٥ مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ وَأَعْمَقَ جِدّاً أَفْكَارَكَ. ٦ ٱلرَّجُلُ ٱلْبَلِيدُ لاَ يَعْرِفُ وَٱلْجَاهِلُ لاَ يَفْهَمُ هٰذَا. ٧ إِذَا زَهَا ٱلأَشْرَارُ كَٱلْعُشْبِ وَأَزْهَرَ كُلُّ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ، فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى ٱلدَّهْرِ. ٨ أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَمُتَعَالٍ إِلَى ٱلأَبَدِ. ٩ لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ».
(٤ – ٦) أما سبب هذا الحمد فلا يتأخر أن يقول إن الرب قد فرح عبيده بأعماله العظيمة مدى الأجيال الطويلة التي أظهر فيها سيطرته وجبروته على شعبه. ويا ليت تبدل كلمة «بصنائعك» بقوله «بصنعك». ويقصد المرنم هنا كيف أن الله صنع السموات والأرض وعملهما بيديه بصورة المجاز. إن أعمال الرب عظيمة وأفكاره عميقة جداً وهكذا فإن الإنسان الذي لا يعترف بذلك فهو بليد وجاهل لأنه كيف يستطيع أن يرى آثار هذه الأعمال ثم ينكرها ويرفض صانعها؟ والحق يقال إننا لا نستطيع أن نفهم أعمال الله بعقولنا القاصرة وحده طالما نحن في حدود الجسد «لأننا ننظر الآن في مرآة في لغز» (١كورنثوس ١٣: ١٣) نحن لا نستطيع التمييز إلا بإرشاد روح الله فقط (راجع ٢صموئيل ١٣: ١٧ وكذلك رومية ١١: ٣٣).
(٧ – ٩) أما هؤلاء الأشرار الجهال الذين لا يفهمون مقاصد العلي فهم يزهون إلى حين ثم يضمحلون. قد يزهرون الآن ولكن هذا الزهر لكي يباد ولا يبقى أبداً ولا يمكن يعطي ثماراً على نسبة ذلك الزهر. وبعكس ذلك فإن الله يبقى في مركزه الأعلى. إن الأشرار هم العشب يملأ الأرض ولكنه ييبس ويذبل سريعاً ولا يبقى بينما الرب يبقى رفيعاً فوق كل مخلوقاته فكيف إذن يستطيع الشرير أن يغتر بنفسه ويتمادى. وهكذا ينظر إلى أولئك الجهلة المتكبرين ويرفضهم جانباً. هم أعداء الله لأنهم أعداء أنفسهم لأن الجاهل هو عدو نفسه قبل كل شيء ولأنه كذلك فهو يهلك لأنه فاعل إثم ولا يثبت أمام وجه الله بل يضمحل كما تذهب سحابة الصيف أمام الريح وتتفرق في وجه الشمس (انظر أيوب ٤: ١١).
«١٠ وَتَنْصِبُ مِثْلَ ٱلْبَقَرِ ٱلْوَحْشِيِّ قَرْنِي. تَدَهَّنْتُ بِزَيْتٍ طَرِيٍّ. ١١ وَتُبْصِرُ عَيْنِي بِمُرَاقِبِيَّ، وَبِٱلْقَائِمِينَ عَلَيَّ بِٱلشَّرِّ تَسْمَعُ أُذُنَايَ. ١٢ اَلصِّدِّيقُ كَٱلنَّخْلَةِ يَزْهُو، كَٱلأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو. ١٣ مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ، فِي دِيَارِ إِلٰهِنَا يُزْهِرُونَ. ١٤ أَيْضاً يُثْمِرُونَ فِي ٱلشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَاماً وَخُضْراً ١٥ لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ ٱلرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ. صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ».
(١٠ – ١٢) وأما الذين يتقون الله فهم ليسوا كذلك بل هم ينهضون أقوياء للدفاع عن أنفسهم ولا يبادون سريعاً. البقر الوحشي أو الرثم هو من أجمل الحيوانات ولها قرون قوية تدافع بها عن نفسها. وهي حينما تنصب قرونها تستعد للدفاع عن نفسها بقوة. وقوله «تدهنت بزيت طري» دليل الفتوة الشباب ويكنى بذلك عن النشاط وقوة العزيمة. وحينئذ إذا بعينيه تبصران جيداً لكل المخاطر حوله كأنه يبصر بعين من يراقبه ويسمع بإذن من يقوم عليه بالشر. فهو متنبه حذر لا تغفل عينه عن شيء كذلك لا تفوت إذنه أي الأصوات مهما كانت خفيفة ضعيفة. حينئذ هذا الصديق يرتفع إلى فوق بعكس الأشرار الذين ييبسون ويندثرون وهو كالأرز في قوته وثباته ويستطيع أن يحتمل عواصف الحياة راسخاً لا يعبأ بشيء.
(١٣ – ١٥) يقصد بهذه الاستعارة إنهم متأصلون في إيمانهم ومعرفتهم الروحية لذلك نجدهم ذوي مكانة مرموقة في ديار الرب. فهم منذ شبابهم يتعلمون مخافة الرب وهكذا ينمون في هذه المعرفة على ممر السنين. إذا بهم بعد ذلك حينما يتجاوزون سن الرجولة إلى الكهولة والشيخوخة يعطون ثمراً كثيراً صالحاً يليق بالحياة الأبدية وهكذا يكونون على الدوام في فتوة ونشاط من جهة روحية ولو بلغوا من كبر السن عتياً. وكل من يختبرهم يجد فيهم طيباً ودسماً.
وبالتالي تكون حياتهم بشارة لما صنعه الله معهم من بر واستفادة فيعترفون بالله أنه صخر الدهور. وحينئذ مهما تقلبت عليهم الأيام يجدون أن الله عادل وبار وهو لا يصنع شيئاً إلا بالرحمة والأمانة منذ الطفولة الأولى وعلى مدى الحياة.
السابق |
التالي |