سفر المزامير | 91 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلتِّسْعُونَ
«١ اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ فِي ظِلِّ ٱلْقَدِيرِ يَبِيتُ. ٢ أَقُولُ لِلرَّبِّ: مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلٰهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ. ٣ لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ ٱلصَّيَّادِ وَمِنَ ٱلْوَبَإِ ٱلْخَطِرِ. ٤ بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ. ٥ لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ ٱللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي ٱلنَّهَارِ».
يقصد بهذا المزمور أن يكون كالرقية في أيام الحرب والوبأ فينقسم إلى ثلاثة أصوات تتجاوب على الوجه التالي:
العدد الأول: الصوت الأول
العدد الثاني: الصوت الثاني
ثم من العدد الثالث إلى الثامن يعود الصوت الأول.
ثم في العدد التاسع: الصوت الثاني
ثم يعود الصوت الأول من العدد العاشر إلى الثالث عشر.
ثم يأتي الصوت الإلهي من العدد الرابع عشر إلى الآخر.
(١ – ٢) يبدأ الصوت الأول فيستعمل العلي ثم في الشطر الثاني يستعمل القدير أي هو الله العلي فوق الجميع حتى لا يقدر أحدٌ أن يصل إليه وهو القدير لأن بظله نبيت وفي حمايته لنا الأمن والسلام. فيجيبه الصوت الآخر زيادة في الطمأنينة ويقول له أن الله هو الملجأ والحصن ولذلك فهو عليه المتكل. إن الله ليس فقط العلي والقدير بل القريب الذي يحمينا أيضاً.
(٣ – ٩) ينجي من فخ الصياد فالإنسان أشبه بعصفور صغير بالنسبة لجسامة الأحداث حوله والمباغتات التي لا تتركه دقيقة واحدة قرير العين ناعم البال. بل هو ينجي حينما ينتشر مرض مخيف كالطاعون والكوليرا (الهواء الأصفر) كما جرى أخيراً انتشار هذا الوباء المهلك في بلاد مصر سنة ١٩٤٧ فرغماً عن كل الوسائل العلمية الحديثة كان الخطر فظيعاً.
ثم ينتقل ليصور لنا الله يظلل تحت جناحيه كما يفعل النسر على شرط أن نعرف حقه. لذلك لا نخاف أي الشرور إن في الليل أو في النهار. حتى لا نخاف أي سهم طائش يرمى بدون تعمد.
«٦ وَلاَ مِنْ وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي ٱلدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي ٱلظَّهِيرَةِ. ٧ يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرَبَوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ. ٨ إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ ٱلأَشْرَارِ. ٩ لأَنَّكَ قُلْتَ: «أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ ٱلْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ، ١٠ لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ» .
بل لا يخاف المؤمن من أمراض جارفة يحسب مسراها في الليل لأن الظلام يعشش فيه كل أنواع الشرور. بينما النور ولا سيما نور الشمس فهو يطرد كل المخاطر. وأما هلاك الظهيرة فهي على الأرجح مخاطر الحروب والقتال لأنها عادة تجري في أشد ساعات النهار إشراقاً وضياء أي عند الظهر.
وأما المؤمن فيقف من جميع هذه وقفة المشاهد ليس أكثر كإنما هذه الويلات لا تعنيه ولا تناله بأي أذى هو سليم محروس لذلك لأن ملائكة النور تقف ألوفاً عن جانبه وعشرات الألوف عن يمينه. وهكذا تطرد من أمامه كل ما يعترض سبيله أو يكدر عليه صفو عيشه.
ينظر إلى هذه الويلات لأنه يجد فيها دروساً يلقيها الله عليه وهو يجازي الأشرار عن إثمهم. والسبب في ذلك هو لأنك قلت أيها الإنسان إن الله هو الملجأ فانعم بهذا الإيمان وكن سعيداً.
(٩ – ١٦) ومن منتصف هذا العدد يعود الكلام للصوت الأول فيؤكد مرة ثانية أن الإنسان المؤمن طالما قد جعل مسكنه مع العلي فهو في أمان وطيد.
فلا يأتي شر عليه وإذا جاءت الضربة تحيد عن خيمته ولا يُمس بأي سوء.
«١١ لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ. ١٢ عَلَى ٱلأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلَّا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. ١٣ عَلَى ٱلأَسَدِ وَٱلصِّلِّ تَطَأُ. ٱلشِّبْلَ وَٱلثُّعْبَانَ تَدُوسُ. ١٤ لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ ٱسْمِي. ١٥ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ. مَعَهُ أَنَا فِي ٱلضِّيقِ. أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. ١٦ مِنْ طُولِ ٱلأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي».
يكرر الصوت المواعيد الكريمة زيادة عما تقدم وإذا بالملائكة خدام له أمناء وظيفتهم الحراسة والتأمين في مختلف الطرق التي يسير عليها الإنسان أي أينما توجه بالطبع لا يقصد أن الملائكة تحرسه في مختلف أفكاره ونواياه وأساليب حياته لأنه قد يشذ عن السبيل وحينئذ من واجبه أن يعود ويهتدي. وفي (العدد ١٢) إذا بهؤلاء الملائكة يحملون ذلك الإنسان ويطيرون به طيراناً لئلا يتعثر في سيره ويصطدم بالحجارة في طريقه. بل إنه يوقي أيضاً من الوحوش الضارية والحشرات السامة. فلا الصل ولا الثعبان يؤذيان كما أنه لا الأسد ولا الشبل يفترسانه لأن حماية الله ورعايته تحيطان به وتحفظانه (راجع مرقس ١٦: ١٨ ولوقا ١٠: ١٩). والقصد من هذا الكلام هو من الجهة الروحية أي أن المؤمن يصادف أعداء يجابهونه كالأسد ويوجد أعداء ينفثون سموماً في الخفاء كالثعبان. ولكن الله يرسل ملائكته للوقاية.
وأخيراً في هذه الأعداد الباقية (١٤ – ١٦) يعطي السبب الحقيقي لماذا هو في أمان ذلك لأنه تعلق بالله فنجا. بل هو يرتفع من الحفرة التي سقط فيها لأنه يعرف اسم الله. ويمجد بل يدعو فيجاب. والذي في ضيق ينقذ ويمجد بل إنه سيكون طويل الأيام ويشبع من الحياة لأن هذا من أكبر نعم الله على الإنسان. بل إن الله يشفق عليه ويمنحه النجاة من ضيقات متنوعة لم يكن ينتظرها. وكلمة خلاص قد تطورت كثيراً في تاريخها حتى لبست حلتها الأخيرة في العهد الجديد ونجد المخلص الوحيد يسوع المسيح ابن الله.
السابق |
التالي |