سفر المزامير | 54 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْخَمْسُونَ
لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى ذَوَاتِ اَلأَوْتَارِ. قَصِيدَةٌ لِدَاوُدَ عِنْدَمَا أَتَى ٱلزِّيفِيُّونَ وَقَالُوا لِشَاوُلَ: «أَلَيْسَ دَاوُدُ مُخْتَبِئاً عِنْدَنَا؟»
«١ اَللّٰهُمَّ بِٱسْمِكَ خَلِّصْنِي وَبِقُوَّتِكَ ٱحْكُمْ لِي. ٢ ٱسْمَعْ يَا اَللّٰهُ صَلاَتِي. اِصْغَ إِلَى كَلاَمِ فَمِي».
في هذا المزمور نجد ذكراً لاضطهاد شاول لداود وهو أحد المزامير الثمانية التي تتناول هذا الموضوع. وهذا المزمور موضوع ليرتل على ذوات الأوتار ويذكر حادثة كانت السبب لكتابته حينما وشى الزيفيون به وتآمروا ضده فكان المجال أمام الناظم رحباً لكي يرى عناية الله ويسمع صوته في وسط هذه الظروف القاسية. ولولا اشتغال شاول بغزوة الفلسطينيين لبلاده لما كان قد نجا داود من يده قط (راجع ١صموئيل ٢٣: ١٩ وما يليه).
تنقسم هذه الأنشودة إلى قسمين وفي آخر كل قسم نجد كلمة سلاه كخاتمة للفكرة الروحية الواردة هناك.
(١) بقوله «باسمك» أي بقدرتك ولا يخفى ما كان للاسم من أهمية للإنسان القديم فقد سمت راحيل ولدها البكر يوسف أي يزيد الله عليها البنين كذلك فإن إبراهيم وبقية البطاركة الأولين قد سموا أمكنة عديدة على نسبة حوادث جرت معهم وكانت لها علاقة وطيدة بحياتهم وذات تأثير عليها. وحينما أرسل الله موسى لتنجية شعبه طلب الكليم من الرب ما اسمك؟ لأن موسى شعر أنه يستعين باسم الله حينما يعرف الشعب أنه مرسل لخلاصهم من قبله. وحتى اليوم نجد خرافة عربية أنه إذا قصد أحدهم الضرر بآخر يكتب اسمه على ورقة وما أشبه ويرميها بالنار ويعتقدون أن صاحب الاسم لا شك يتأثر من ذلك.
يلتمس المرنم أن ينال عوناً باسم الله وإن قدرته تعالى تبقى بجانبه لكي تكون من حزبه وعلى أعدائه فيستطيع عندئذ أن يتغلب عليهم ولا ينالون مأرباً منه.
(٢) يلتمس بإلحاح أن يصغي الله إليه ويسمعه. إن الله يسمعنا ولكن هل نؤمن بذلك حقيقة؟ وهل نتيقن أنه حاضر معنا في كل حين؟ يشعر قارئ هذه الآية أن الناظم داود كان في مرارة نفس وهو يستنجد بإلحاح ويكاد يرى كل السبل قد سدت في وجهه. بل يكاد يتحقق أن الله قد نسيه بتاتاً وإن عدوه يحاول أن يصل إليه ويفتك به وينتهي الأمر. وهو هنا يصلي ملتمساً أن يعينه الله بعد ويسمع صلاته ويصغي إلى كل أقواله ويكون هو وحده ديّانه وعاضده ومسدد سبيله إلى تمام الخلاص والخير.
«٣ لأَنَّ غُرَبَاءَ قَدْ قَامُوا عَلَيَّ وَعُتَاةً طَلَبُوا نَفْسِي. لَمْ يَجْعَلُوا ٱللّٰهَ أَمَامَهُمْ. سِلاَهْ. ٤ هُوَذَا ٱللّٰهُ مُعِينٌ لِي. ٱلرَّبُّ بَيْنَ عَاضِدِي نَفْسِي. ٥ يَرْجِعُ ٱلشَّرُّ عَلَى أَعْدَائِي. بِحَقِّكَ أَفْنِهِمْ. ٦ أَذْبَحُ لَكَ مُنْتَدِباً. أَحْمَدُ ٱسْمَكَ يَا رَبُّ لأَنَّهُ صَالِحٌ. ٧ لأَنَّهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ نَجَّانِي، وَبِأَعْدَائِي رَأَتْ عَيْنِي».
(٣) مع أن الزيفيين كانوا من اليهودية مع ذلك يذكرهم كأنهم غرباء لا يمتون لداود بأية صلة. لأنهم أرادوا قتله وساعدوا عدوه عليه. وكلمة الغرباء (العبرانية) تدل على أعداء أجانب من خارج البلاد (راجع إشعياء ٢٥: ٢ وما يليه وأيضاً ٢٩: ٥ كذلك حزقيال ٣١: ١٢). وقد يكون قوله غرباء من باب وصفه لهم أنهم لا علاقة تربطهم به لذلك هم عتاة ظالمون أيضاً لأنهم تعهدوا أن يساعدوا بإلقاء القبض عليه وتسليمه لعدوه اللدود الذي أراد الاقتصاص منه وقتله. وهم لم يجعلوا الله أمامهم أي في نيتهم هذه كانوا تابعين لمشيئة الشيطان لا مشيئة الله. قد يكون للزيفيين عذرهم أنهم يفعلون ذلك لأنهم خاضعون لشاول أو اتهموا أنهم يساعدون عدوه لكي يرموا المسؤولية عنهم حاولوا المساعدة على هذه الصورة.
(٤) في هذا العدد يبدأ القسم الثاني من المزمور ونجد الناظم متأكداً أن الله قد سمعه وأصغى إليه ويفرح بالمساعدة التي ينالها والعون والعضد اللذين يسندان نفسه في مثل هذا الضيق العظيم. وبقوله «الرب بين عاضدي نفسي» لا يقصد بذلك أنه تعالى أحد العاضدين بل أن العضد الكامل هو منه وحده.
(٥) ويطلب أن يجازي الأشرار على نسبة مقاصدهم الشريرة ليس إلا. وقوله «بحقك أفنهم» فيقصد أن يبين أن حق الله يردع الناس ويوقفهم عند حدهم. والأرجح أنه قصد أن يفني شرهم وعداوتهم بالأحرى.
(٦) وهو يذبح لله ذبيحة عن طيب خاطر أي منتدباً نفسه بنفسه فهو لا يجبر على ذلك ولا يقاد إليه أو يرشد بل يرى أن الضرورة موضوعة عليه أن يرفع الحمد والثناء لمن أعانه في الضيق وهداه في وسط المخاطر ونجاه من هؤلاء الأعداء الألداء الذين أرادوا أذيته وسعوا في سبيلها بكل ما في إمكانهم. وحق لله على المرنم أن ينال هذا الإكرام لأنه صالح كريم قدوس يلتفت للداعين إليه وينجيهم.
(٧) وهكذا يتحقق المرنم أنه ينجو وينال الخلاص. وأما قوله «وبأعدائي رأت عيني» أي ترى عيني قصاصهم الأكيد. وفي الأصل العبراني قد تكون الترجمة «عيني رائية خيبتهم». فقد قصدوا شراً ولكن قد حوله الله إلى خير. ولم يخب المرنم بل خابوا هم.
السابق |
التالي |