سفر المزامير

سفر المزامير | 53 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْخَمْسُونَ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى ٱلْعُودِ. قَصِيدَةٌ لِدَاوُدَ

«١ قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلٰهٌ. فَسَدُوا وَرَجِسُوا رَجَاسَةً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً. ٢ اَللّٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ ٱللّٰهِ؟ ٣ كُلُّهُمْ قَدِ ٱرْتَدُّوا مَعاً، فَسَدُوا، لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ».

يظهر هذا المزمور فاصلاً بين المزمورين الثاني والخمسين والرابع والخمسين إن من جهة الموضوع أو المتضمنات أو التعبير ولكن من جهة أخرى نجده ذا علاقة بالمزمور الثاني والخمسين من حيث تنديده بحالة الفساد والانحطاط العامة التي يراها. وهو يشبه المزمور الثامن والثمانين من حيث نظره الأسود للحياة مع أنه يحوي شيئاً من الحواشي اللامعة. وقوله في العنوان «على العود» تأتي الكلمة العبرانية من معنى حلا العربية. أي ذات لحن حلو حنون والأرجح أن الآلة الموسيقية التي تعطي لحناً كهذا هي أشبه شيء بالعود. ويرى البعض علاقة شديدة بين هذا المزمور وبين المزمور الرابع عشر حتى حسبوه أنه ذاته مع بعض تحويرات. ويرون أن الدلالات الداخلية في المزمور تدل على أنه من عصر يهوشافاط أو حزقيا. ولنا من هذا أن كثيراً من المزامير التي نظمت على غرار مزامير داود كتب عليها بلا تردد إنها لداود ولم يحسب الأقدمون أية أهمية لهذا الأمر كما نحسب نحن المتأخرين. ويبقى في هذا المزمور ذكر «المحاصر» والسبي. وإن الله يرد سبي شعبه مما يسمح مجالاً للتفكير أنه يخص الزمان بعد السبي أو على الأقل أن هذه الإضافات والتحويرات على المزمور الرابع عشر قد جرت في ذلك العهد على الأرجح.

(١) يرى الجاهل أن لا إله لأنه يريد أن يعيش بدونه لئلا يحاسبه على هفواته وشروره الكثيرة. ولكن المرنم يرى أن هذا النكران هو سبب الفساد والرجاسة والشرور المنتشرة. ولأن الناس كذلك فقد بعدوا عن الصلاح ولم يستطيعوا أن يعملوه قط لأنه ليس من طبيعتهم ولا برغبتهم.

(٢) إن قول الجاهل شيء والحقيقة شيء آخر والمرنم يرى حالاً أن الإله الحي موجود وهو الذي يراقب أعمال البشر وجميع تصرفاتهم. وهذا الإله يود فقط أن يفحص مرة آخرى هل قد فسد الناس جميعاً. أم هناك بعض الجهلة الذين لا يفهمون.

في هذا المزمور نجد اسم الله مذكوراً سبع مرات. بينما في المزمور الرابع عشر يذكر اسم الله ثلاث مرات وأربع مرات اسم الرب. وهنا دليل آخر أن هذا المزمور لم يكتبه داود على هذه الصورة. لأن كلمة الله في أيامه لم تكن تميزت بدلالتها على «الرب» ولم تأخذ بعد تبلورها في الاستعمال.

(٣) وفي هذا العدد يوجد شيء من التنقيح أيضاً فيذكر «كلهم» أي كل واحد منهم بمفرده بدلاً من الإجمال وعدم مسؤولية الفرد. إذ أنّ كل إنسان يعد مسؤولاً عن نفسه ويصيبه العقاب ليس بجريرة الجماعة ولا من باب «الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون» بل على الشرير أن يصلح ذاته ولا يرتد ولا يفسد لأنه مسؤول أمام الله. ويستعمل كلمة ارتد بدل زاغ. والأولى تفيد معنى أنه كان على صواب ولم يستمر به بينما الزيغان (راجع المزمور ١٤: ٣) هو الحيدان فقط.

«٤ أَلَمْ يَعْلَمْ فَاعِلُو ٱلإِثْمِ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ، وَٱللّٰهَ لَمْ يَدْعُوا؟ ٥ هُنَاكَ خَافُوا خَوْفاً وَلَمْ يَكُنْ خَوْفٌ، لأَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ بَدَّدَ عِظَامَ مُحَاصِرِكَ. أَخْزَيْتَهُمْ لأَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ رَفَضَهُمْ. ٦ لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلاَصَ إِسْرَائِيلَ. عِنْدَ رَدِّ ٱللّٰهِ سَبْيَ شَعْبِهِ يَهْتِفُ يَعْقُوبُ وَيَفْرَحُ إِسْرَائِيلُ».

(٤) لا يوجد فرق بين ما ورد هنا وما ورد في المزمور ١٤ سوى كلمة الله بدل الرب. ويوجد قوة في التعبير بقوله «يأكلون شعبي» فإن هذه الاستعارة تفيد الظلم والاغتصاب والغش والاستغلال. وإن مثل هذه المعاملة هي لأنهم لم يضعوا الله أمامهم ولم يمشوا حسب أوامره.

(٥ و٦) في هذين العددين يظهر تحوير بيّن عن المزمور ١٤ فإن الناظم (أو المحرر بعد إضافات للمزمور ١٤) قد طبق ما ورد على حادثة جرت في أيامه. لقد رأى محاصراً لمدينة يهرب بعد أن خاف خوفاً شديداً ولا داعي لمثل هذا الخوف (انظر ١صموئيل ١٤: ١٥) ولكنه خوف الرب وقع عليهم (انظر ٢أخبار ٢٠: ٢٢ – ٢٤ أو إشعياء ٣٧: ٣٢). وفي العدد ٦ يوجد قوة في الأصل العبراني بكلمة «خلاص» أكثر كثيراً مما ورد في ما يقابلها في المزمور الرابع عشر. فهو خلاص كامل متمم ونهائي لا يشوبه أية شائبة البتة ولا يعتروه أي تبدل البتة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى