سفر المزامير | 46 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ
لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِبَنِي قُورَحَ. عَلَى ٱلْجَوَابِ. تَرْنِيمَةٌ
«١ اَللّٰهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْناً فِي ٱلضِّيقَاتِ وُجِدَ شَدِيداً. ٢ لِذٰلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ ٱلأَرْضُ، وَلَوِ ٱنْقَلَبَتِ ٱلْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ ٱلْبِحَارِ. ٣ تَعِجُّ وَتَجِيشُ مِيَاهُهَا. تَتَزَعْزَعُ ٱلْجِبَالُ بِطُمُوِّهَا. سِلاَهْ».
(١) يفتتح المرنم كلامه بتأكيد عام أن الله هو الملجأ والقوة. والإقناع في الكلام هو بالنسبة لعمق الاختبار الذي ينقله. إن الله هو الملجأ ذاته وليس أنه يعطيه فقط وهو العون الحقيقي في الضيق والشدة (٢أخبار ١٥: ٤). ولكنه كذلك للذين يطلبونه ويلتمسون وجهه.
(٢) بل طالما أن الله موجود فلا لزوم للخوف مهما دهت الدواهي وأظلمت الدنيا بالويلات والمصائب حتى تكاد تتغير الأرض وتكاد الجبال تصبح أعاليها أسافلها وأسافلها أعاليها وغمرتها المياه وغرقت في قلب البحار (انظر حزقيال ٢٧: ٢٧ ويونان ٢: ٤). أي إذا عادت حالة الأرض إلى ما كانت عليه حينما كانت خربة وخالية والمياه تغمرها في كل مكان. إن الجبال هي عنوان العزة والجبروت ولذلك فانقلابها معناه أدهى الدواهي وأعظمها جميعاً (انظر مزمور ٨٩: ١٠) وكذلك (أيوب ٣٨: ١١).
(٣) يصور المياه كأنها في طوفان عظيم ولا شيء يقف في وجهها (قابل ذلك مع مزمور ١٣٩: ٨ – ١٠ وأيضاً أيوب ٢٠: ٢٤ وإشعياء ٤٠: ٣٠ وما يتبعه). وعلاقة هذا العدد هي مع سابقه أي إننا لا نخاف ولو طغت المياه على اليابسة جميعاً وجرفت كل شيء بوجهها فيبقى لنا الله الحي الأزلي الأبدي صخر الدهور لا يتغير ولا يزول. وهنا تسمو الموسيقى حتى على أصوات الأمواج الصخابة وعجيج المياه ترتفع إذ يدعمها إيمان المؤمنين وثقتهم برحمة الله وحينئذ فإن هياج العناصر ليست إلا لتعطيهم سكوناً وسط الزوابع.
«٤ نَهْرٌ سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ ٱللّٰهِ، مَقْدِسَ مَسَاكِنِ ٱلْعَلِيِّ. ٥ ٱللّٰهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ. يُعِينُهَا ٱللّٰهُ عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ. ٦ عَجَّتِ ٱلأُمَمُ. تَزَعْزَعَتِ ٱلْمَمَالِكُ. أَعْطَى صَوْتَهُ ذَابَتِ ٱلأَرْضُ. ٧ رَبُّ ٱلْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلٰهُ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ».
(٤) هنا إشارة للنهر الذي يسقي الجنة (راجع تكوين ٢: ١٠) وهكذا سواقي نهر سيمر وسط أورشليم ويجعلها فردوساً آخر كجنة عدن بالذات (انظر مزمور ٨٧: ٣ ومزمور ٤٨: ٩). وحينما يحيط بها الأعداء يهددونها بالخطر فهي عندئذ لن تجوع أو تعطش ولا تخاف ولا تيأس لأن الله بنعمته سيجعل نهره يمر فيها ليترعها بالبركات حتى تصل إلى أعلى الأمكنة إلى قدس مساكن الله العلي.
(٥) نرى في (مزمور ٦٥: ٥ وإشعياء ٤٧: ١٥ وكذلك خروج ١٥: ١٦) إن أورشليم هي مكان مقدس أو ممجد. وهنا نجد بدلاً من ذكر النهر الذي يسقيها إذا الله ذاته هو ساكن في وسطها لذلك تثبت ولا تتزعزع. ويوجد فقط ليلة أتعاب وهموم وبعد ذلك يقبل الصبح وتشرق الشمس وتنجلي الظلمات ويأتي بعدها النور. وفي الصباح يأتي العون من رب السماء فهو لا يدع أتقياءه يتخبطون وحدهم حتى ولو كان في وسط البحر الأحمر بل يعطيهم عمود السحاب يشجعهم ويقويهم.
(٦) هوذا الأمم تصخب وتضطرب ويتبدل حالها. وهوذا الممالك لا تستطيع أن تثبت طويلاً ولا أن تقاوم ما فرضه الله على العالم من حدثان. نعم إن شعب الله وكنيسته هي في هذا العالم ولكنها في منجاة من ويلاته هي في مرتفع تشرف على الويلات وتراها ولكنها تتغلب عليها. هي لا تهرب منها ولا تتجنبها لأنها عامة للجميع ولكن مع ذلك يظل الإيمان فيها. والرب يعطي أصوات رعده فتذوب الأرض كلها من الرعب والهلع.
(٧) ولا عجب أن يكون الله رب الجنود مع شعبه. وفي الشعر الذي نظمه بنو قورح يستعملون «رب الجنود» بصورة خاصة بهم. ويصبح هذا مثل اسم علم في أيام الملوك (انظر مزمور ٢٤: ١٠ و٥٩: ٦) نجد هذا الاسم على فم حنة أولاً (١صموئيل ١: ١١). قد تأتي الأمم وتجتمع الشعوب للحرب والنزال ولكن حينما يعطي الله صوت رعده ويظهر جبروته وإذا هؤلاء يذوبون من أمام وجه الرب كما تذوب الشمعة من أمام وجه النار.
«٨ هَلُمُّوا ٱنْظُرُوا أَعْمَالَ ٱللّٰهِ، كَيْفَ جَعَلَ خِرَباً فِي ٱلأَرْضِ. ٩ مُسَكِّنُ ٱلْحُرُوبِ إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ. يَكْسِرُ ٱلْقَوْسَ وَيَقْطَعُ ٱلرُّمْحَ. ٱلْمَرْكَبَاتِ يُحْرِقُهَا بِٱلنَّارِ. ١٠ كُفُّوا وَٱعْلَمُوا أَنِّي أَنَا ٱللّٰهُ. أَتَعَالَى بَيْنَ ٱلأُمَمِ. أَتَعَالَى فِي ٱلأَرْضِ. ١١ رَبُّ ٱلْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلٰهُ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ».
(٨) هذه أعمال الرب ظاهرة واضحة أمام كل إنسان. وللذين هم خارج الكنيسة عليهم فقط أن يتطلعوا وينظروا أعمال الله وعجائبه كيف يستطيع أن يخرب كل شيء ولا يستطيع أحد أن يقف في وجهه (انظر إرميا ٨: ٢١ وإشعياء ١٣: ٩). وأما هذه الحرب فإنما في بلدان العدو الذين تجرأوا على اقتحام معقل الله فارتدوا خائبين ناكصين على أعقابهم وامتلأت أرضهم بجثث القتلى وتهدمت مساكنهم وبيوتهم.
(٩) هو يسكت أصوات القتال ويمنع الحروب. وهنا يصف ماذا يحل بالسلاح وآلات القتال ضد الذي يكسرها ويحطمها وكذلك يجعل المركبات تلتهمها النيران حتى لا تعود تصلح للحرب. إن قوة العالم وعزه وجبروته يجب أن تذهب أمام قوة الله وهكذا فإن قوات الشر لا شك ستخضع أخيراً أمام قوات الخير التي يجب أن تسود باسم الله (انظر ميخا ٤: ٣ وإشعياء ٢: ٤).
(١٠) هوذا الله سيعرف عندئذ من الجميع وعليهم أن يكفوا ويتوقفوا عن كل شيء وعلى الأمم عندئذ أن ترتمي على الثرى وتسجد للحضيض أمام الله العلي. فهو المتعالي ليس في إسرائيل فقط بل في كل الأرض. والشرط في ذلك هو أن يعلم كل إنسان أنه أمام الله الخالق العظيم.
(١١) يعود فيكرر هذه العبارة العظيمة إن الله معنا وهو الملجأ والملاذ. هو لا يغلب ولا شيء يستطيع في الآخر أن يقف أمام مشيئته الإلهية أو يتعدى حدود ما يرسمه في الأرض أو في السماء. وكل الأرض يجب أن تعرف هذا الأمر وتعيش بموجبه. والمزمور ٢ أيضاً ينبه الأمم أن يصحوا ويتعقلوا وهنا تنبيه شديد أنه عليهم أن يخضعوا لمشيئة الله لكي يحيوا وإلا يصيبهم التهديد الصارم ويهلكون جميعاً. ويا ليت الناس جميعاً يفهمون هذه الحقيقة ويبطلون الحروب ويذلون الإنسان أمام عظمة الله ويضمحل جبروته وسطوته أمام قوة الله غير المتناهية. وعلى كل فإن شعب الله وكنيسته لهم رب الجنود القوي العظيم وهو ملجأها وعزها. فإذا اضمحل عز الأمم ومجدهم يبقى مجد الله إلى الأبد.
السابق |
التالي |