سفر المزامير

سفر المزامير | 148 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ وَٱلأَرْبَعُونَ

«١ هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ. سَبِّحُوهُ فِي ٱلأَعَالِي. ٢ سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ. ٣ سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ ٱلنُّورِ».

ينتقل المرنم الآن ليطلب التسبيح من جميع الخلائق ولا يستثني منهم أحداً مما في السموات وما على الأرض من إنسان وحيوان وجماد وما في البحار والأنهار وكل أسماكها وحيواناتها. ومما لا شك فيه أن أسمى شعائر الإيمان تظهر مقترنة في هذا المزمور بأوسع ما يحويه هذا الوجود. ويضع هذا المزمور أمام الكنيسة واجب قيادة البشرية في التسبيح والترنيم لله لئلا يمر الناس بهذه العظائم دون التفات كاف إليها ودون تقديم أسمى ما يكنه القلب البشري من التجلة والعبادة والإكرام. ودعوة المرنم لهذه الكائنات والمخلوقات كلها أن تعبد الرب هو من باب التجريد البياني فيجعلها كأنها أشخاص تنطق وتسبح حتى أن هذا الإنسان العاقل الناطق يقتدي بها ويأخذ منها عبراً ودروساً. وهكذا كإنما هذه الطبيعة كلها لتنطق بألف لسان ولسان بحمد الله وتسبيحه ولا تنفك تفعل ذلك حتى تعمّ معرفة الرب المسكونة بأجمعها وكل ساكنيها (راجع إشعياء ٤٤: ٢٣ و٤٩: ١٣ وقابله مع ٥٢: ٩). ويمكننا أن نقابل ما ورد في إشعياء ٣٥: ١ وما يليه و٤١: ١٩ و٥٥: ١٢) مع تلك الصورة الجليلة التي قدمها الرسول بولس (رومية ٧: ١٨ وما يليه).

(١ – ٣) ليأت التسبيح من أعالي السموات أولاً (أيوب ١٦: ١٩ و٢٥: ٢ و٣١: ٢). وهو يطلب التسبيح أولاً من الذين عملهم الأساسي هو تسبيح الله وتمجيده وهم الملائكة والأجواق العلوية. ومنهم فلتتعلم الشمس والقمر وجميع الكواكب التي ترسل أنوارها إلى كل مكان. وليكن هذا النور ذاته هو لغة التسبيح والتمجيد. حتى متى رأى الإنسان هذه الأمجاد العلوية يتخشع أمام الله ويخضع. ومتى اتحدت هذه الأجرام السماوية في حمدها تكون قدوة للأرضيين الذين يلتهون بما هو في مقدور أبصارهم الضعيفة الكليلة. وهل يجوز أن يتلهوا بالظلمات عن النور؟ أو بالعاجل عن الآجل؟

«٤ سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ. ٥ لِتُسَبِّحِ ٱسْمَ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ، ٦ وَثَبَّتَهَا إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ، وَضَعَ لَهَا حَدّاً فَلَنْ تَتَعَدَّاهُ. ٧ سَبِّحِي ٱلرَّبَّ مِنَ ٱلأَرْضِ يَا أَيَّتُهَا ٱلتَّنَانِينُ وَكُلَّ ٱللُّجَجِ. ٨ ٱلنَّارُ وَٱلْبَرَدُ، ٱلثَّلْجُ وَٱلضَّبَابُ، ٱلرِّيحُ ٱلْعَاصِفَةُ ٱلصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ، ٩ ٱلْجِبَالُ وَكُلُّ ٱلآكَامِ، ٱلشَّجَرُ ٱلْمُثْمِرُ وَكُلُّ ٱلأَرْزِ، ١٠ ٱلْوُحُوشُ وَكُلُّ ٱلْبَهَائِمِ، ٱلدَّبَّابَاتُ وَٱلطُّيُورُ ذَوَاتُ ٱلأَجْنِحَةِ».

(٤ – ٦) أما سماء السموات فما هي إلا أقاصي السموات (راجع تثنية ١٠: ١٤ و١ملوك ٨: ٢٧). أما المياه التي فوق السموات فهي تلك الأمطار التي تنزل من الأعالي والتي كانت تحسب موجودة هناك وتنزل على الأرض متى انشقت السحب عنها. وبالطبع لم يكن شيء من التفسيرات عن تكثف البخار المائي ما يعرفه عامة الناس اليوم. والناظم لا يهمه قط هذه التفسيرات التي نسميها علمية الآن بل جل همه أن يجعل هذه السموات وما فيها أن تنطق بحمد العلي اسمه وتسبيح. من واجبها أن تسبّح اسم الرب لأنها مخلوقة كبقية المخلوقات. هذا الإله القدير قد وضع حدوداً لكل شيء حتى أن هذه السموات نفسها لن تتعداها بل تخضع لها وتتمشى بموجب ترتيبات القدير.

(٧ – ١٠) وهنا ينزل من السماء وما تحتويه فيصل إلى الأرض وما يسكنها وما يعيش على خيراتها. وأول الأشياء هي تلك المخلوقات الكبيرة الضخمة وربما كانت الحيتان والدلافين وما أشبه التي عاشت في البحار واللجج الكبيرة. أو هي التماسيح والسلاحف المائية أو حصان البحر وما أشبه. بعد ذلك يلتفت إلى النار والدخان اللذين تقذفهما البراكين كما يذكر البرد والثلج والضباب الذي يغطي وجه الأرض. وكذلك الريح الشديدة التي تزمجر فكأنها تنطق بكلمة الله بل يتوجب على الجبال العالية كما وعلى الآكام الصغيرة أن تشترك بهذا التسبيح. وحينئذ ما على سطحها من أشجار الأرز أو الأشجار المثمرة وقد تكون الكستناء والتفاح وما أشبه أو هي كروم العنب والتين وهذه الأشجار الأخيرة هي المعروفة في هذه البلاد منذ أقدم العصور. بل يجب التسبيح من كل حيوانات البرية من دبابات وطيور.

«١١ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَكُلُّ ٱلشُّعُوبِ، ٱلرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ قُضَاةِ ٱلأَرْضِ، ١٢ ٱلأَحْدَاثُ وَٱلْعَذَارَى أَيْضاً، ٱلشُّيُوخُ مَعَ ٱلْفِتْيَانِ، ١٣ لِيُسَبِّحُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى ٱسْمُهُ وَحْدَهُ. مَجْدُهُ فَوْقَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتِ. ١٤ وَيَنْصِبُ قَرْناً لِشَعْبِهِ، فَخْراً لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ، لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلشَّعْبِ ٱلْقَرِيبِ إِلَيْهِ. هَلِّلُويَا».

(١١ – ١٤) وينتقل إلى أعاظم الأرض لأجل المقابلة بين أبسط المخلوقات من حيوانات ودبابات وبين الملوك والقضاة والذين بأيديهم زمام الأمور يحلون ويربطون. ولا يكتفي بهؤلاء فقط بل يريد عامة الناس فينظر أولاً إلى الذين هم في عنفوان الشباب وأول العمر من كلا الجنسين كما وإلى الإنسان في اكتمال الحياة كما ينظر للشيوخ وللفتيان. فلا يقول هؤلاء الفتيان إن الوقت متسع أمامنا ويؤخرون التسبيح ويؤجلونه. عليهم أن يفعلوا ذلك بالنسبة للاختبارات الروحية التي يجب أن تشغلهم وتقدس حياتهم لا فرق أفي أولها أو في آخرها. وهذا الإله مستحق كل الحمد لأن اسمه وحده هو أعلى الأسماء ومجده يملأ الأرض والسماء. ولكن هذا الإله الممجد من كل المخلوقات. هذا ينصب قرناً لشعبه (راجع مزمور ١٣٢). وقد ذهب البعض لتفسير ذلك بأنه يعطيهم ميراثاً ولكن القرن هو دليل القوة والسطوة فلا تنبت القرون في الحيوانات إلا بعد أن تستكمل نموها ومقدرتها وهكذا فإن الله يعطي شعبه مركزاً عالياً بين الشعوب حتى يفتخر الأتقياء من بني إسرائيل الذين يقتربون إلى الله بالعبادة والورع وهكذا فيرنموا على الدوام هللويا. هم قريبون إليه بالمواعيد والمراحم (راجع لاويين ١٠: ٣ وقابله مع مزمور ١٤٣: ١٠ و٧٨: ٤٩).

هذا هو إسرائيل كما ورد في (تثنية ٤: ٧) يعرف مركزه الممتاز من عناية الله وترتيب حكمته ويقود الخليقة كلها بالبر والقداسة حتى تمتلئ الأرض والسموات وكل ما فيها من مجده تعالى.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى