سفر المزامير

سفر المزامير | 138 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ

لِدَاوُدَ

«١ أَحْمَدُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. قُدَّامَ ٱلآلِهَةِ أُرَنِّمُ لَكَ. ٢ أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ، وَأَحْمَدُ ٱسْمَكَ عَلَى رَحْمَتِكَ وَحَقِّكَ، لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ ٱسْمِكَ. ٣ فِي يَوْمَ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي. شَجَّعْتَنِي قُوَّةً فِي نَفْسِي».

يعزى تأليف هذا المزمور إلى داود ولا يبعد أن يكون المعنى في ذلك أنه على نسق كتابات داود وأشعاره بل نستطيع أن نحسبه خارجاً من أعماق حياة داود ومن روحه فهو ينطبق تماماً على ما ورد في (٢صموئيل ص ٧ وأيضاً ١أخبار ص ١٧). وإذا حسبنا أن الكاتب هو ملك ومن نسل ملكي فهو يطالب أن يحقق الله مواعيده نحو بيت داود ويثبت عرشه إلى الأبد. وقد ذهب أحدهم إلى القول إن هذا المزمور يعبر عن شعور داود النفسي السامي بعد انتصاراته الباهرة على أعدائه وقد تواعد مع نفسه أن يبني هيكلاً للرب بدلاً من خيمة الاجتماع التي كانت تستعمل قديماً.

(١ – ٣) يقدم الحمد القلبي لله وهو يفعل ذلك أمام بقية آلهة الشعوب لكي يريهم ما فعله الله نحوه من إحسانات وأفضال. والمؤمن يجب أن يشهد أمام الآخرين ولا يكتفي أن ينال الإحسانات بل أن يشكر الله من أجلها. فهو يذكر رحمة الله وحقه. أما الرحمة فلأنه ينجي من مخاطر وشرور عديدة وأما الحق فلأنه يري أولاده سواء السبيل فلا يبقون في أية ظلمة بل ينتقلون منها إلى النور. وقد يكون معنى «الآلهة» أي علية الناس وأكابر القوم (راجع ٢صموئيل ٧: ٩) وهذا الإله الذي يحمد من أجل رحمته وحقه فإن اسمه قد عظم بين الشعوب وانتشر جلاله حتى عرفه القاصي والداني.

يذكر المرنم في العدد الثالث حادثة وقعت معه فقد أجابه الله على أثر دعوته هذه وكانت النتيجة أنه نال شجاعة وقوة. ولا شك أن أعظم الشكران يأتي حينما نقدمه عن عواطف اختبار شخصي عميق وليس مجرد ترديد كلمات نقولها ولا نعنيها. والحق يقال أن الإنسان المؤمن يتشجع من قوة داخلية في النفس وهذه تأتي فقط من الإحسان الإلهي.

«٤ يَحْمَدُكَ يَا رَبُّ كُلُّ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ إِذَا سَمِعُوا كَلِمَاتِ فَمِكَ. ٥ وَيُرَنِّمُونَ فِي طُرُقِ ٱلرَّبِّ، لأَنَّ مَجْدَ ٱلرَّبِّ عَظِيمٌ. ٦ لأَنَّ ٱلرَّبَّ عَالٍ وَيَرَى ٱلْمُتَوَاضِعَ. أَمَّا ٱلْمُتَكَبِّرُ فَيَعْرِفُهُ مِنْ بَعِيدٍ. ٧ إِنْ سَلَكْتُ فِي وَسَطِ ٱلضِّيقِ تُحْيِنِي. عَلَى غَضَبِ أَعْدَائِي تَمُدُّ يَدَكَ، وَتُخَلِّصُنِي يَمِينُكَ. ٨ ٱلرَّبُّ يُحَامِي عَنِّي. يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ إِلَى ٱلأَبَدِ. عَنْ أَعْمَالِ يَدَيْكَ لاَ تَتَخَلَّ».

(٤ – ٨) وهذا الحمد الذي يقدمه المرنم يجب أن يقدمه أيضاً جميع ملوك الأرض عليهم أن يعترفوا بقدرة الله الفائقة وبرحمته التي لا تستقصى. وحينئذ يمتلئ قلبهم بالحبور ويترنمون بتلك الطرق والأساليب التي يستعملها الرب في إظهار رحمته وحقه. فإن الرب عظيم جداً وليس لعظمته استقصاء ليس فقط من جهة قصده الإلهي بل بالأحرى من جهة تلك الطرق الحنونة التي يستعملها لكي يري الناس رحمته وحقه فهم لا يعترفون بالفضل إلا بعد البراهين والشواهد الكثيرة التي لا يمكن أن ترد أبداً. وهذا الإله عال جداً في كل أعماله ومع ذلك فهو يحب المتواضعين ويعرفهم حالاً ويرعاهم بعطفه وبعنايته.

يقول المرنم في العدد ٧ عن اختبارات روحية عميقة وهو يذكرنا بما ورد في (مزمور ٢٣: ٤) وهو مملوء بالرجاء والثقة أن الله سيرحمه بالمستقبل كما رحمه في الماضي. وما هذا التذلل الحاضر إلا لكي يرجع عن خطأه إلى الصواب فإن الرب وحده هو الذي ينجي من تلك المصائب التي تحطم القلوب. ولكن غضب الأعداء إلى حين لأن الرب يرفع يمينه للخلاص ويمد الأخرى للبركة والنعمة. فهو يسكت الأعداء ليس بالكلام فقط ولكن بإظهار قدرته الإلهية نحوهم. هذا الإله الذي يحامي عن المؤمنين باسمه ويعطي رحمة للذين يعترفون بأفضاله الإلهية العميمة. وهو لا يتخلى عن أعماله لأنه بذلك يبرهن عن ثباته في الخطط المرسومة التي يتبعها إذ أن مشيئته الإلهية هي وحدها التي تثبت إلى الأبد (راجع نحميا ٦: ٣). هو إله باق على الدوام ولا يتغير ولا يزول شيء من كلامه لأنه وحده قدوس وكل ترتيباته وأحكامه كاملة مقدسة. وعليه فكل من يعرف الحق ويمسك به إلى المنتهى فهو يشبه الله القدوس الذي لا أخطاء في أحكامه ولذلك فهو لا يتراجع عن أي شيء منها.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى