سفر المزامير | 137 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
«١ عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا. بَكَيْنَا أَيْضاً عِنْدَ مَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ. ٢ عَلَى ٱلصَّفْصَافِ فِي وَسَطِهَا عَلَّقْنَا أَعْوَادَنَا. ٣ لأَنَّهُ هُنَاكَ سَأَلَنَا ٱلَّذِينَ سَبَوْنَا كَلاَمَ تَرْنِيمَةٍ، وَمُعَذِّبُونَا سَأَلُونَا فَرَحاً: رَنِّمُوا لَنَا مِنْ تَرْنِيمَاتِ صِهْيَوْنَ».
يرجع بنا هذا المزمور إلى ذكريات مريرة عما اختبره الإسرائيليون في أرض بابل وبمثل هذه المرارة يكتب المرنم كلمته وهي تكاد تتقد بنار الحقد والعداوة. وقد ذهب البعض إلى أن هذا المزمور هو من وضع إرمياء النبي يتشبه بخطة داود في كتابة المزامير ولكن هذا الزعم باطل لأن إرميا لم يذهب إلى بابل قط ويستبعد جداً أن ينظمه أحد غير الذين كانوا في السبي وذاقوا مرارته وأهواله. يكتب الناظم هذا المزمور من ذاكرته وهو يشبه بتعابيره ما ورد في الميراث و(إشعياء ١٦: ٩ و١٠).
(١ – ٣) إن الجلوس على ضفاف الأنهر الكبيرة كالجلوس على شواطئ البحار هو من ألذ الأشياء التي يستطيع الإنسان أن يفعله تخفيفاً للحر فإن تلك الرطوبة المنعشة تخفف من آلام النفس ومتاعبها ولكن المرنم بدلاً من الترويج عن نفسه نجده حالاً ينتحي زاوية لكي ينحب ويبكي. بدلاً من الفرح والبهجة كانت الكآبة والأحزان. وليس من الضروري أن يكون أنهار بابل فقط الدجلة والفرات بل تضم الخابور وغيره من الأنهار والمجاري (راجع مزمور ١: ٣ ودانيال ٨: ٢). وقد علق هؤلاء الجالسون أعوادهم – وهي على الأرجح أعواد الطرب المعروفة – على الصفصاف وهذا الشجر كثير جداً جنب مجاري المياه ولا سيما في الأمكنة الحارة. وهو بتدلي أغصانه يشبه النفس الحزينة المسترسلة في آلامها وذكرياتها المرة. ويصور لنا المرنم بدقة جلسة من جلسات نزهة على النهر والأغاني منتشرة في كل مكان فإن الرفاق وهم الأرجح من البابليين وكانوا يطربون مبتهجين يريدون أن يقضوا وقت نزهة مرحة سعيدة. فقد سألوا أن ينشدوا أمامهم من ترانيم بلادهم القديمة ولا قصد لهم في ذلك سوى استكمال أسباب الغبطة والمرح. وقد رأى الإسرائيليون في ذلك زيادة في نكايتهم وتعذيبهم أن يسألهم هؤلاء الناس أن يرنموا والترنم هو من وحي القلوب الفرحة لا الحزينة. أولئك كانوا في فرح وكيف لا يفيحون. وهم الظافرون المستعبدون وأما الإسرائيليون فكانوا في آلام نفسية مبرحة فقد زاد في آلامهم أن يرنموا وهم في حالتهم الكئيبة السيئة هذه.
«٤ كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَةَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ؟ ٥ إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورُشَلِيمُ، تَنْسَى يَمِينِي لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ! إِنْ لَمْ أُفَضِّلْ أُورُشَلِيمَ عَلَى أَعْظَمِ فَرَحِي! ٧ اُذْكُرْ يَا رَبُّ لِبَنِي أَدُومَ يَوْمَ أُورُشَلِيمَ، ٱلْقَائِلِينَ: هُدُّوا هُدُّوا حَتَّى إِلَى أَسَاسِهَا. ٨ يَا بِنْتَ بَابِلَ ٱلْمُخْرَبَةَ، طُوبَى لِمَنْ يُجَازِيكِ جَزَاءَكِ ٱلَّذِي جَازَيْتِنَا! ٩ طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ ٱلصَّخْرَةَ!».
(٤ – ٩) قد يكون أن هؤلاء الإسرائيليون قد اضطروا أن يخضعوا لطلب أسيادهم البابليين فيغنون أمامهم بترانيم صهيون ولا شك أن المرنم يأسف لما حدث وبنفس مرة تتمنى الانتقام الفظيع يجيب على الترنيم القسري بطلب القسوة والتقتيل. وبالطبع لا يقصد المرنم أن يحرم على نفسه الترنيم في أرض غريبة بل هو يحرمه إذا كان على هذه الصورة العلنية وبموقف الفرح والاستخفاف في منفاهم قد بقوا محافظين على عبادتهم في دوائر عيالهم المختلفة. وفي العدد الخامس يسرع المرنم لكي يدعم إخلاصه لأورشليم وللتذكارات المقدسة. ويظهر أن «نسي» تفيد معنيين فهي تفيد المعنى المعتاد أي ضد ذكر وتفيد أيضاً معنى الخمول. فيقول إن نسيتك يا أورشليم فلتخمل يدي عن الحركة أو فلتنس أيضاً يدي أن تتحرك. وكذلك أيضاً إذا كنت لا أذكر أورشليم فليصمت لساني إلى الأبد. إذ ما النفع من لسان يغني أغانيها بالهزء بين قوم مستهزئين فالأفضل أن يبكم اللسان وتشل اليد إلى الأبد.
وفي الأعداد الأخيرة (٧ – ٩) يطلب الانتقام بصورة مروعة فالمرنم لا يستطيع أن ينسى بني آدوم الذين شمتوا لدى هد الأبنية المقدسة وشجعوا عليها قائلين «هدوا هدوا حتى إلى أساسها». ثم يخاطب بنت بابل لأنها تحس أكثر من غيرها بالمصيبة التي ستحل بها إذ يطلب أن يمسكوا أطفالها ويحطموهم تحطيماً. يضربون بهم الصخرة دليل القسوة المتناهية فكما فعلوا بالإسرائيليين هكذا يطلب أن يفعل أعداؤهم بهم (عين بعين وسن بسن). ومن هذا نجد أن هذا المزمور قد كتب بعد الرجوع من السبي على وجه الترجيح وربما بقلم أحد الناس الذين سمعوا بأهوال بابل ولم يذوقوها بالفعل بل كمنت الأحقاد في قلبه حتى تفجر بما يشبه القنابل الصاعقة. ومهما حاولنا أن نخفف من حدة هذا المزمور وحقده فلا نستطيع أن نفعل شيئاً نجده أبعد ما يكون عن مطالب العهد الجديد والأناجيل.
السابق |
التالي |