سفر المزامير

سفر المزامير | 118 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ عَشَرَ

«١ اِحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى ٱلأَبَدِ رَحْمَتَهُ. ٢ لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ: «إِنَّ إِلَى ٱلأَبَدِ رَحْمَتَهُ». ٣ لِيَقُلْ بَيْتُ هَارُونَ: «إِنَّ إِلَى ٱلأَبَدِ رَحْمَتَهُ». ٤ لِيَقُلْ مُتَّقُو ٱلرَّبِّ: إِنَّ إِلَى ٱلأَبَدِ رَحْمَتَهُ» .

يرجّح أن نظم هذا المزمور كان عند إعادة تدشين الهيكل الجديد فهو مزمور حمد وتسبيح أيضاً ويكرر هذه العبارة التي صقلتها الأيام «لأن إلى الأبد رحمته» بما تحويه من المعاني العميقة والأفكار الروحية السامية. ولدى الشروع بالمهرجان نرى هذه الأعداد الأربعة الأولى. فالأول حمد عام ثم دعوة لإسرائيل ثم يخصص بيت هارون أي كهنة الرب ثم يدعو المتقين منهم أو من غيرهم زيادة في التخصيص وإلفات النظر حتى يحمدوا اسم الرب لأن رحمته دائمة للأبد. ثم نلاحظ في الأعداد ٥ – ١٨ دعاء وهم على الطريق قادمون ثم العدد ١٩ وهم داخلون إلى الهيكل ومن الأعداد ٢٠ – ٢٧ يقولها الذين يستقبلون المهرجان في الهيكل. والعدد ٢٨ جواب الذين في المهرجان. والعدد الأخير هو اشتراك الجميع في الحمد والتسبيح.

من المعروف عن المصلح لوثيروس أنه أحب هذا المزمور حباً جماً واحتمى به لدى متاعبه والاضطهادات التي احتملها ووجد فيه تعزية وسلاماً. وقد حسب المفسرون أن زمان كتابته هو أحد هذه:

  1. السنة الأولى بعد الرجوع من السبي في عيد المظال في الشهر السابع.
  2. عند وضع حجر الأساس في ترميم الهيكل في أيام عزرا (عزرا ٣: ٨).
  3. تكريس الهيكل بعد إكمال البناء كله (عزرا ٦: ١٥).

(١ – ٤) هو افتتاح جميل للغاية يتدرج به المرنم من التعميم إلى التخصيص ويرى الواجب يدعوه بالنسبة لهذه الرحمة الإلهية الظاهرة للجميع والتي علينا أن نعترف بها جهاراً حتى يكون لنا عيش موفق سعيد وتصبح هذه البركات ذات قيمة معنوية عميقة في نفوسنا. والسبب الجوهري في نظره لمثل هذا الحمد هو أن الرب صالح وأمانته ظاهرة حقيقية لا يجوز أن ينكرها أي إنسان. ثم يكرر «ليقل» أي لا يجوز السكوت فقط على حد قول الشاعر:

وإن وجدت لساناً قائلاً فقل.

«٥ مِنَ ٱلضِّيقِ دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ فَأَجَابَنِي مِنَ ٱلرُّحْبِ. ٦ ٱلرَّبُّ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي ٱلإِنْسَانُ؟ ٧ ٱلرَّبُّ لِي بَيْنَ مُعِينِيَّ، وَأَنَا سَأَرَى بِأَعْدَائِي. ٨ ٱلٱحْتِمَاءُ بِٱلرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ ٱلتَّوَكُّلِ عَلَى إِنْسَانٍ. ٩ ٱلٱحْتِمَاءُ بِٱلرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ ٱلتَّوَكُّلِ عَلَى ٱلرُّؤَسَاءِ. ١٠ كُلُّ ٱلأُمَمِ أَحَاطُوا بِي. بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ. ١١ أَحَاطُوا بِي وَٱكْتَنَفُونِي. بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ».

(٥ – ٧) يشعر المرنم أنه في ضيق فيدعو الرب وإذا به تعالى يحوّل ضيقه إلى رحب (راجع مزمور ٢٢: ٢٢ و٢٨: ١ و٧٤: ٧ و٢صموئيل ١٨: ١٩ وعزرا ٢: ٦٢ و٢أخبار ٣٢: ١) وكيف يجوز الخوف طالما الرب لنا وإن يكن البشر ضدنا يكفينا أن الرب يلتفت إلينا ويعيننا (راجع مزمور ٥٤: ٦). وقوله إن الرب بين معينيّ أي أن عونه هو أكبر عون ويرجح على كل عون آخر مهما عظم قدره أو سما مصدره. ويتحول الضيق عني إلى أعدائي فما كان يراه الأعداء فيّ من سوء الحال يتحول إليهم هم فأراه أنا فيهم.

(٨ – ١١) يرى المرنم أن الاحتماء بالرب هو الشيء الأكيد وحده وذلك بناء على الاختبارات المرة التي صادفها الشعب في تاريخه. نعم لقد وعدهم كورش بالسماح في العودة ولكنهم صادفوا بعد ذلك شيئاً كثيراً من التقلبات في الملوك الذين تعاقبوا ولم يصبحوا أحراراً إلا في أيام داريوس. ولذلك فلا عجب إذا رأوا أن من الحكمة أن لا يتكلوا على أي إنسان فكيف لهم أن يحتموا به أو بأي الرؤساء مهما عظموا. بل أن هؤلاء الأمم بدلاً من العون كانوا معاكسين فكأنهم قد أحاطوا من كل جانب يحاولون مضايقتهم والنيل منهم بكل الوسائل الممكنة وذلك ليس بقوة من الشعب نفسه بل بواسطة الرب الذي عاهد شعبه بالخلاص ولن يتركه الآن بل سيخلصه ويفسح له مجال العمل المثمر والحرية الكاملة. والكلام في العددين العاشر والحادي عشر ليس من قبيل الحقيقة بل بالأحرى من قبيل المجاز ليس إلا ويريدنا أن نفهم أن الأعداء كانوا كثيرين وأذاهم قد أتى من كل جانب ولكن الرب سيعيننا فننجو من كل ضيم.

«١٢ أَحَاطُوا بِي مِثْلَ ٱلنَّحْلِ. ٱنْطَفَأُوا كَنَارِ ٱلشَّوْكِ. بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ. ١٣ دَحَرْتَنِي دُحُوراً لأَسْقُطَ. أَمَّا ٱلرَّبُّ فَعَضَدَنِي. ١٤ قُوَّتِي وَتَرَنُّمِي ٱلرَّبُّ، وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصاً. ١٥ صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلاَصٍ فِي خِيَامِ ٱلصِّدِّيقِينَ. يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ. ١٦ يَمِينُ ٱلرَّبِّ مُرْتَفِعَةٌ. يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ. ١٧ لاَ أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا وَأُحَدِّثُ بِأَعْمَالِ ٱلرَّبِّ. ١٨ تَأْدِيباً أَدَّبَنِي ٱلرَّبُّ وَإِلَى ٱلْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي».

(١٢) في هذا العدد يكرر قوله «أحاطوا» ويعطينا فوق ذلك صورة النحل وهو يهاجم خارجاً بكثرة من قفيره (راجع تثنية ١: ٤٤) ولكنهم يذهبون سريعاً مثل هجومهم. ربما كانت لذعاتهم مثل النار ولكنها نار الهشيم تنطفئ بسرعة شبيهة باشتعالها. مرة ثانية يكرر قوله باسم الرب يبيدهم لا بقوة من نفسه.

(١٣ و١٤) إن الناس قد حاولوا خذلانه ودحره وشاءوا سقوطه ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث لأن الرب قد عضد وهو قد قواه وشدده وإذا بتلك القوة الإلهية تصبح سبباً للبهجة والترنم ويتم الخلاص ولا شيء من الخطر بعد ذلك (راجع إشعياء ١٢: ٢ وكذلك راجع خروج ١٥: ٢).

«١٩ اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ ٱلْبِرِّ. أَدْخُلْ فِيهَا وَأَحْمَدِ ٱلرَّبَّ. ٢٠ هٰذَا ٱلْبَابُ لِلرَّبِّ. ٱلصِّدِّيقُونَ يَدْخُلُونَ فِيهِ. ٢١ أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ ٱسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاَصاً. ٢٢ ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ. ٢٣ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هٰذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا. ٢٤ هٰذَا هُوَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱلرَّبُّ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. ٢٥ آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ!».

(١٩ – ٢٥) والآن وقد انتهى القادمون المحتفلون إلى أبواب الهيكل فما عليها الآن إلا أن تنفتح لاستقبالهم والترحيب بهم. هي أبواب البر لأن منها يدخل إلى أمكنة البر حيثما ينصرف الإنسان إلى عبادة الإله العظيم خالق السموات والأرض. فيبدأ أولاً بصورة الجمع إذ يوجد أبواب كثيرة ولكن أخيراً يوجد باب واحد هو باب للرب أي الذي يدخله الصديقون لكي يقدموا عبادتهم الخاصة بواسطته. لقد كان لهم مصاعب عظيمة قبل أن وصلوا إلى الأبواب ليدخلوا فيها وقد كابدوا مشقات هائلة قبل أن تُمم العمل وأعيد بناء الهيكل في أورشليم. والآن يليق فيه الحمد والتسبيح فقد أعطى الله خلاصه ولم يمنعه عن المؤمنين الذين ثابروا إلى أن نجحوا أخيراً. لقد كانت أمامهم جبال من المصاعب وهم قبضة من الرجال وقد اكتنفهم الأعداء وأحاطوا بهم ولكن الله كان فيما بينهم ووفق أمورهم. وعندئذ إذا بالحجر المرفوض في أسمى وأعظم مركز فلا عجب إذا تهلل الشعب وفرح (راجع زكريا ٤: ٧). إن الشيء المهم ليس كيف ابتدأنا بل كيف انتهينا. لقد ابتدأ الشعب بشيء حقير زهيد ولكنه انتهى بشيء عظيم للغاية (راجع عزرا ٣: ١٠). ولكن المرنم يسرع حالاً بأن يعزو النجاح للرب و ليس لأحد من الناس. هو أمر عجيب في أعين البشر ولكنه ليس كذلك في عيني الله. فما يحسب عند الناس نجاحاً قد يحسب عند الله خلاف ذلك على خط مستقيم. ونذكر أن المخلص في العهد الجديد قد اتخذ هذا العدد ٢٢ شاهداً على ما فعله الآب مع ابنه المخلص الوحيد (انظر متّى ٢١: ٤٢ – ٤٤ وأيضاً مرقس ١٢: ١٠ وما بعده وأيضاً أعمال ٤: ١١ و١بطرس ٢: ٦ ورومية ٩: ٣٣). وهذا يوم خلاص عظيم فليكن يوم فرح وبهجة على نسبة ذلك.

«٢٦ مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ ٱلرَّبِّ. ٢٧ ٱلرَّبُّ هُوَ ٱللّٰهُ وَقَدْ أَنَارَ لَنَا. أَوْثِقُوا ٱلذَّبِيحَةَ بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ ٱلْمَذْبَحِ. ٢٨ إِلٰهِي أَنْتَ فَأَحْمَدُكَ. إِلٰهِي فَأَرْفَعُكَ. ٢٩ ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى ٱلأَبَدِ رَحْمَتَهُ».

(٢٦ – ٢٩) هذه العبارة يستعملها سكان أورشليم حينما يستقبلون الحجاج وبعد ذلك يستقبلهم اللاويون والكهنة بقولهم «باركناكم من بيت الرب». وحينما يأتي الحجاج يكون معهم حيوانات كثيرة للذبائح ونرى كثرتها في (عزرا ٦: ١٧). ذلك لأن الرب قد أظهر نفسه أنه هو الله الذي أعطاهم النجاة والخلاص والحرية. وقد ذهب بعض المفسرين إلى القول بأن القصد هو تزيين المذبح أكثر مما هو تقديم الذبائح عليه ولكن على ما يظهر أن قصد المرنم هو أن يؤكد لنا وجوب تقديم الشكر لله على خلاصه بواسطة الذبائح فكل ثمين يجب أن يبذل في سبيل هذا الإله المحب الجواد. وهكذا يختم كلامه بالحمد والثناء كما افتتح ذلك لأن الرب صالح ولأن رحمته شاملة وستبقى على الدوام.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى