سفر ميخا | 07 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر ميخا
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ
١ – ٤ «١ وَيْلٌ لِي لأَنِّي صِرْتُ كَجَنَى ٱلصَّيْفِ، كَخُصَاصَةِ ٱلْقِطَافِ. لاَ عُنْقُودَ لِلأَكْلِ وَلاَ بَاكُورَةَ تِينَةٍ ٱشْتَهَتْهَا نَفْسِي. ٢ قَدْ بَادَ ٱلتَّقِيُّ مِنَ ٱلأَرْضِ، وَلَيْسَ مُسْتَقِيمٌ بَيْنَ ٱلنَّاسِ. جَمِيعُهُمْ يَكْمُنُونَ لِلدِّمَاءِ، يَصْطَادُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِشَبَكَةٍ. ٣ اَلْيَدَانِ إِلَى ٱلشَّرِّ مُجْتَهِدَتَانِ. ٱلرَّئِيسُ وَٱلْقَاضِي طَالِبٌ بِٱلْهَدِيَّةِ، وَٱلْكَبِيرُ مُتَكَلِّمٌ بِهَوَى نَفْسِهِ فَيُعَكِّشُونَهَا. ٤ أَحْسَنُهُمْ مِثْلُ ٱلْعَوْسَجِ وَأَعْدَلُهُمْ مِنْ سِيَاجِ ٱلشَّوْكِ! يَوْمَ مُرَاقِبِيكَ عِقَابُكَ قَدْ جَاءَ. ٱلآنَ يَكُونُ ٱرْتِبَاكُهُمْ».
إشعياء ٢٤: ١٣ إشعياء ٢٨: ٤ وهوشع ٩: ١٠ إشعياء ٥٧: ١ ص ٣: ١٠ وإشعياء ٥٩: ٧ إرميا ٥: ٢٦ وهوشع ٥: ١ أمثال ٤: ١٦ و١٧ ص ٣: ١١ وعاموس ٥: ١٢ حزقيال ٢: ٦ و٢٨: ٢٤ ناحوم ١: ١٠ إشعياء ١٠: ٣ وهوشع ٩: ٧ إشعياء ٢٢: ٥
المتكلم هو النبي بالنيابة عن الأتقياء من الشعب فيعترفون بخطاياهم وعموم الفساد وبإيمانهم بالرب وثقتهم بمواعيده والرب يستجيب لهم (ع ١٥) فيحمده شعبه على رأفته ورحمته وغفرانه لآثامهم.
كَجَنَى ٱلصَّيْفِ كأنه رأى كرماً بعد القطاف ليس فيه عنقود من العنب ولا واحدة من التين لتشتهيها نفسه كما تشتهي باكورة تينة. وهكذا عموم الشعب فإنه لا يوجد بينهم شيء من الأثمار التي يشتهيها الرب وهم مجتهدون في عمل الشر فيعملونه باليدين. والخطية الخصوصية هي الطمع وهذه الخطية مذكورة مرات كثيرة وهي موجودة عند كل الرتب من الناس وهو نوع من عبادة الأوثان (انظر أفسس ٥: ٥).
فَيُعَكِّشُونَهَا (ع ٣) أي الشبكة المذكورة في (ع ٢) وهم كالعنكبوت الذي يعكش بيته ليصطاد الذبان وهكذا كان الأكابر يستعملون الغش والحيل لكي يسلبوا الناس.
أَحْسَنُهُمْ (ع ٤) إن كان الأحسن مثل العوسج فكيف يكون أشرارهم. والعوسج يمسك ثياب المار عليه ويجرح لحمه فهو مثال الطماع والظالم.
وَأَعْدَلُهُمْ مِنْ سِيَاجِ ٱلشَّوْكِ أي أشر من الشوك.
يَوْمَ مُرَاقِبِيكَ أي يوم العقاب الذي كان الأنبياء تنبأوا عنه وهذا اليوم قد جاء أي صار قريباً لأن شرور الشعب كملت.
٥، ٦ «٥ لاَ تَأْتَمِنُوا صَاحِباً. لاَ تَثِقُوا بِصَدِيقٍ. ٱحْفَظْ أَبْوَابَ فَمِكَ عَنِ ٱلْمُضْطَجِعَةِ فِي حِضْنِكَ. ٦ لأَنَّ ٱلٱبْنَ مُسْتَهِينٌ بِٱلأَبِ، وَٱلْبِنْتَ قَائِمَةٌ عَلَى أُمِّهَا وَٱلْكَنَّةَ عَلَى حَمَاتِهَا، وَأَعْدَاءُ ٱلإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ».
إرميا ٩: ٤ حزقيال ٢٢: ٧ ومتّى ١٠: ٢١ و٣٥ ولوقا ١٢: ٥٣ متّى ١٠: ٣٦
لاَ تَأْتَمِنُوا صَاحِباً كلام يدل على فساد عمومي فإنه لا يوجد صدق ولا أمانة مطلقاً والإنسان لا يقدر أن يتكل على صديقه ولا امرأته ولا أولاده.
٧ – ١٠ «٧ وَلَكِنَّنِي أُرَاقِبُ ٱلرَّبَّ، أَصْبِرُ لإِلٰهِ خَلاَصِي. يَسْمَعُنِي إِلٰهِي. ٨ لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي. إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي ٱلظُّلْمَةِ فَٱلرَّبُّ نُورٌ لِي. ٩ أَحْتَمِلُ غَضَبَ ٱلرَّبِّ لأَنِّي أَخْطَأْتُ إِلَيْهِ، حَتَّى يُقِيمَ دَعْوَايَ وَيُجْرِيَ حَقِّي. سَيُخْرِجُنِي إِلَى ٱلنُّورِ. سَأَنْظُرُ بِرَّهُ. ١٠ وَتَرَى عَدُوَّتِي فَيُغَطِّيهَا ٱلْخِزْيُ، ٱلْقَائِلَةُ لِي: أَيْنَ هُوَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكِ؟ عَيْنَايَ سَتَنْظُرَانِ إِلَيْهَا. اَلآنَ تَصِيرُ لِلدَّوْسِ كَطِينِ ٱلأَزِقَّةِ».
حبقوق ٢: ١ مزمور ١٣٠: ٥ وإشعياء ٢٥: ٩ مزمور ٤: ٣ عوبديا ١٢ ع ١٠ عاموس ٩: ١١ إشعياء ٩: ٢ إرميا ١٠: ١٩ ومراثي ٣: ٣٩ و٤٠ إرميا ٥٠: ٣٤ مزمور ٣٧: ٦ وإشعياء ٤٢: ٧ و١٦ إشعياء ٤٦: ١٣ و٥٦: ١ يوئيل ٢: ١٧ ص ٤: ١١ إشعياء ٥١: ٢٣ وزكريا ١٠: ٥
يتكلم النبي بالنيابة عن جميع الذين يخافون الرب وقولهم هو أنهم صابرون في الضيقات ومنتظرون الغلبة التامة على أعدائهم. وكثيراً ما شبّه شعب الله بعروس والرب بعريس (انظر إشعياء ٥٤: ٥ وإرميا ٣: ١٤ وهوشع ٢: ١٩) فيُذكر الشعب هنا بصيغة المؤنث وعدوتها نينوى وبابل والذين يقاومون الحق في كل جيل. ويقول الشعب «ولكنني أراقب الرب» وهم كرقيب في مدينة محاصرة وهو واقف على مرصده ينظر إلى بعيد لعله يرى المنجد مقبلاً فإذا رآه يحتمل بالصبر الضيق الوقتي. والعدوة تفتخر بسقوط ابنة صهيون وأما هي فتجاوبها قائلة «إذا سقطت أقوم» ولو أدبها الرب لم يرفضها. والفرق بين المؤمن الحقيقي وغيره هو أن المؤمن الحقيقي يسقط ويقوم وغيره يسقط ولا يقوم ولا يريد أن يقوم.
إِذَا جَلَسْتُ فِي ٱلظُّلْمَةِ فَٱلرَّبُّ نُورٌ لِي كما قال داود «إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ ٱلْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي» (مزمور ٢٣: ٤) وسيظهر بر الله بوفاء عهوده القديمة لشعبه.
أَحْتَمِلُ غَضَبَ ٱلرَّبِّ (ع ٩) وهذا قول كل تائب توبة حقيقية فإنه يعترف بخطيته وبعدل الرب في تأديبه وبتسليمه للتأديب وبإيمانه بأن الرب يخلصه.
اَلآنَ تَصِيرُ لِلدَّوْسِ (ع ١٠) الظاهر أن النبي والشعب استنظروا الخلاص من ضيقات زمانهم وبواسطة من يناجدهم بحرب جسدية ولكن الكلام يصح أيضاً بمعنى خلاص أعظم وهو الخلاص من الخطية وخلاص كل بشر والدوس ليس دوساً جسدياً بل دوس الكفر والظلم والطمع وذلك بإظهار الحق والصلاة والمحبة وتجديد القلوب بالروح القدس.
١١ – ١٣ «١١ يَوْمَ بِنَاءِ حِيطَانِكِ، ذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ يَبْعُدُ ٱلْمِيعَادُ. ١٢ هُوَ يَوْمٌ يَأْتُونَ إِلَيْكِ مِنْ أَشُّورَ وَمُدُنِ مِصْرَ، وَمِنْ مِصْرَ إِلَى ٱلنَّهْرِ. وَمِنَ ٱلْبَحْرِ إِلَى ٱلْبَحْرِ. وَمِنَ ٱلْجَبَلِ إِلَى ٱلْجَبَلِ. ١٣ وَلَكِنْ تَصِيرُ ٱلأَرْضُ خَرِبَةً بِسَبَبِ سُكَّانِهَا، مِنْ أَجْلِ ثَمَرِ أَفْعَالِهِمْ».
إشعياء ٥٤: ١١ وعاموس ٩: ١١ صفنيا ٢: ٢ إشعياء ١٩: ٢٣ – ٢٥ و٦٠: ٤ و٩ ص ٦: ١٣ وإرميا ٢٥: ١١ ص ٣: ٤ وإشعياء ٣: ١٠ و١١
يَبْعُدُ ٱلْمِيعَادُ الأرجح أن كلمة ميعاد تشير إلى الحدود المعيّنة من الله للمملكة (انظر يشوع ١: ٤ وإشعياء ٣٣: ١٧) وتنبأ النبي عن رجوع المنفيين من مصر ومن أشور فلا تسعهم المملكة وقال إن الميعاد أي الحدود تبعد فتتسع المملكة. «من مصر إلى النهر» أي نهر الفرات و«من البحر إلى البحر» أي من بحر الروم إلى خليج العجم و«من الجبل إلى الجبل» أي من جبل سيناء إلى جبل لبنان.
وَلَكِنْ تَصِيرُ ٱلأَرْضُ خَرِبَةً (ع ١٣) أي الأرض الوثنية فإن أرض إسرائيل تُبنى وتتسع ولكن الأراضي الوثنية تصير خربة بسبب أفعال سكانها.
١٤ – ٢٠ «١٤ اِرْعَ بِعَصَاكَ شَعْبَكَ غَنَمَ مِيرَاثِكَ، سَاكِنَةً وَحْدَهَا فِي وَعْرٍ فِي وَسَطِ ٱلْكَرْمَلِ. لِتَرْعَ فِي بَاشَانَ وَجِلْعَادَ كَأَيَّامِ ٱلْقِدَمِ. ١٥ كَأَيَّامِ خُرُوجِكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أُرِيهِ عَجَائِبَ. ١٦ يَنْظُرُ ٱلأُمَمُ وَيَخْجَلُونَ مِنْ كُلِّ بَطْشِهِمْ. يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَصُمُّ آذَانُهُمْ. ١٧ يَلْحَسُونَ ٱلتُّرَابَ كَٱلْحَيَّةِ، كَزَوَاحِفِ ٱلأَرْضِ. يَخْرُجُونَ بِٱلرَّعْدَةِ مِنْ حُصُونِهِمْ، يَأْتُونَ بِٱلرُّعْبِ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا وَيَخَافُونَ مِنْكَ. ١٨ مَنْ هُوَ إِلٰهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ ٱلإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ ٱلذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى ٱلأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِٱلرَّأْفَةِ. ١٩ يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ ٱلْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ. ٢٠ تَصْنَعُ ٱلأَمَانَةَ لِيَعْقُوبَ وَٱلرَّأْفَةَ لإِبْرَاهِيمَ، ٱللَّتَيْنِ حَلَفْتَ لآبَائِنَا مُنْذُ أَيَّامِ ٱلْقِدَمِ».
ص ٥: ٤ ومزمور ٩٥: ٧ وإشعياء ٤٠: ١١ و٤٩: ١٠ لاويين ٢٧: ٣٢ ومزمور ٢٣: ٤ إرميا ٥٠: ١٩ عاموس ٩: ١١ خروج ٣: ٢٠ و٣٤: ١٠ ومزمور ٧٨: ١٢ ص ٣: ٧ مزمور ٧٢: ٩ وإشعياء ٤٩: ٢٣ تثنية ٣٢: ٢٤ مزمور ١٨: ٤٥ إشعياء ٢٥: ٣ و٥٩: ١٩ خروج ٣٤: ٧ و٩ وإشعياء ٤٣: ٢٥ ص ٢: ١٢ و٤: ٧ و٥: ٧ و٨ مزمور ١٠٣: ٨ و٩ و١٣ إرميا ٣٢: ٤١ إرميا ٥٠: ٢٠ إشعياء ٣٨: ١٧ و٤٣: ٢٥ وإرميا ٣١: ٣٤ تكوين ٢٤: ٢٧ و٣٢: ١٠ تثنية ٧: ٨ و١٢
اِرْعَ بِعَصَاكَ أي يحكم عليهم ويعتني بهم كراع لخرافه.
سَاكِنَةً وَحْدَهَا فِي وَعْرٍ فِي وَسَطِ ٱلْكَرْمَلِ جبل الكرمل على شط بحر الروم واشتهر بالخصب والجمال وأُطلق الاسم على كل مكان مثمر وغنم ميراث الرب هي كغيضة بوسط بستان أي شعب مظلوم ومتضايق بين شعوب العالم كأن الرب خصصهم وحدهم للدمار. وصلاة النبي هي أن الرب يرجع إليهم ويرحمهم ويرعاهم في مراع خضر كباشان وجلعاد في القديم لما استوطنوا أولاً في أرض كنعان.
تمم ميخا خدمته بالإنذار والتوبيخ واهتم بشعبه وحزن على خطاياهم وعدم إيمانهم وهنا بآخر نبوته يستودعهم لله.
كَأَيَّامِ خُرُوجِكَ (ع ١٥) جواب الرب لصلاة شعبه. كان خروج إسرائيل من مصر عجيبة مشهورة في العهد القديم فضربوا به مثلاً. فيقول الرب هنا أنه يُريهم بالمستقبل أيضاً عجائب مثلها. كان رجوعهم من بابل بأمر كورش وهو ملك وثني عجيبة وقيامة المسيح عجيبة وحلول الروح القدس وتجديد قلوب الذين طلبوا صلب يسوع وتجديد ألوف من الوثنيين في أيامنا وانضمامهم إلى شعب الله من أعظم العجائب كما أن تخليص الناس هو أمر أعظم وأعجب من إهلاكهم. فالنبي في ختام نبوته لا يعود يفتخر بإذلال الأعداء وإهلاكهم بل يرفع نظره إلى الرب ويفتخر برحمته إلى شعبه وغفرانه آثامهم غفراناً تاماً فإنه يدوسها ويطرحها في أعماق البحر ولا يذكرها بعد «من هو إله مثلك» يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء… له المجد إلى الأبد آمين.
السابق |