سفر ميخا | 05 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر ميخا
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ
١ – ٩ «١ اَلآنَ تَتَجَيَّشِينَ يَا بِنْتَ ٱلْجُيُوشِ! قَدْ أَقَامَ عَلَيْنَا مِتْرَسَةً. يَضْرِبُونَ قَاضِيَ إِسْرَائِيلَ بِقَضِيبٍ عَلَى خَدِّهِ. ٢ أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ. ٣ لِذٰلِكَ يُسَلِّمُهُمْ إِلَى حِينَمَا تَكُونُ قَدْ وَلَدَتْ وَالِدَةٌ، ثُمَّ تَرْجِعُ بَقِيَّةُ إِخْوَتِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٤ وَيَقِفُ وَيَرْعَى بِقُدْرَةِ ٱلرَّبِّ، بِعَظَمَةِ ٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِهِ، وَيَثْبُتُونَ. لأَنَّهُ ٱلآنَ يَتَعَظَّمُ إِلَى أَقَاصِي ٱلأَرْضِ. ٥ وَيَكُونُ هٰذَا سَلاَماً. إِذَا دَخَلَ أَشُّورُ فِي أَرْضِنَا وَإِذَا دَاسَ فِي قُصُورِنَا نُقِيمُ عَلَيْهِ سَبْعَةَ رُعَاةٍ وَثَمَانِيَةً مِنْ أُمَرَاءِ ٱلنَّاسِ ٦ فَيَرْعَوْنَ أَرْضَ أَشُّورَ بِٱلسَّيْفِ، وَأَرْضَ نِمْرُودَ فِي أَبْوَابِهَا، فَيَنْفُذُ مِنْ أَشُّورَ إِذَا دَخَلَ أَرْضَنَا وَإِذَا دَاسَ تُخُومَنَا. ٧ وَتَكُونُ بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ فِي وَسَطِ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ كَٱلنَّدَى مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ، كَٱلْوَابِلِ عَلَى ٱلْعُشْبِ ٱلَّذِي لاَ يَنْتَظِرُ إِنْسَاناً وَلاَ يَصْبِرُ لِبَنِي ٱلْبَشَرِ. ٨ وَتَكُونُ بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ بَيْنَ ٱلأُمَمِ فِي وَسَطِ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ كَٱلأَسَدِ بَيْنَ وُحُوشِ ٱلْوَعْرِ، كَشِبْلِ ٱلأَسَدِ بَيْنَ قُطْعَانِ ٱلْغَنَمِ، ٱلَّذِي إِذَا عَبَرَ يَدُوسُ وَيَفْتَرِسُ وَلَيْسَ مَنْ يُنْقِذُ. ٩ لِتَرْتَفِعْ يَدُكَ عَلَى مُبْغِضِيكَ وَيَنْقَرِضْ كُلُّ أَعْدَائِكَ!».
إرميا ٥: ٧ (ص ٤: ١٤ في العبراني) ١ملوك ٢٢: ٢٤ وأيوب ١٦: ١٠ ومراثي ٣: ٣٠ (ص ٥: ١ في العبراني) متّى ٢: ٦ تكوين ٣٥: ١٩ و٤٨: ٧ وراعوث ٤: ١١ و١صموئيل ١٧: ١٢ إشعياء ١١: ١ ولوقا ٢: ٤ إرميا ٣٠: ٢١ وزكريا ٩: ٩ مزمور ١٠٢: ٢٥ وأمثال ٨: ٢٢ و٢٣ ص ٤: ١٠ و٧: ١٣ وهوشع ١١: ٨ ص ٤: ٩ و١٠ ع ٧ و٨ وإشعياء ١٠: ٢٠ – ٢٢ ص ٧: ١٤ وإشعياء ٤٠: ١١ و٤٩: ٩ وحزقيال ٣٤: ١٣ – ١٥ و٢٣ و٢٤ إشعياء ٤٥: ٢٢ و٥٢: ١٠ ع ٢ إشعياء ٨: ٧ و٨ و١٠: ٢٤ – ٢٧ ناحوم ٢: ١٠ – ١٢ صفنيا ٢: ١٣ تكوين ١٠: ٨ – ١١ إشعياء ١٤: ٢٥ و٣٧: ٣٦ و٣٧ ع ٣ وص ٢: ١٢ و٤: ٧ و٧: ١٨ تثنية ٣٢: ٢ ومزمور ١١٠: ٣ وهوشع ١٤: ٥ مزمور ٧٢: ٦ وإشعياء ٤٤: ٤ تكوين ٤٩: ٩ وعدد ٢٤: ٩ ص ٤: ١٣ ومزمور ٤٤: ٥ وإشعياء ٤١: ١٥ و١٦ وزكريا ١٠: ٥ هوشع ٥: ١٤ مزمور ٥٠: ٢٢ مزمور ١٠: ١٢ و٢١: ٨ و١٠٦: ٢٦ وإشعياء ٢٦: ١١
النبي يكلم يهوذا ويسمي أورشليم «بنت الجيوش» أي التي فيها جيوش. لا جيوش منظمة بل جيوش المضطربين والجياع. والنبي يرى في الرؤيا أموراً مستقبلة كأنها حاضرة ويرى نفسه بين شعب يهوذا العدو القريب هو أشور. والنبوة تناسب أيضاً الكلدانيين والرومانيين مع أن أفكار النبي وسامعيه كانت في العدو القريب. ويقول النبي تهكماً تتجيشين فإن بنت صهيون لا تقدر أن تقاوم القادمين عليها وتتجيش للهلاك. وقاضي إسرائيل هو الملك أو غيره من الحكام والقول إنهم يضربونه على خده يشير إلى هبوط المملكة إلى أدنى دركات الهوان. و«إسرائيل» هنا يهوذا كما يظهر من القرينة. و«أفراتة» (ع ٢) اسم بيت لحم القديم (انظر تكوين ٣٥: ١٩) ومعنى بيت لحم بيت الخبز فمنها خرج خبز الحياة للعالم ومعنى أفراتة مثمرة فمنها تلك الحبة من الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت وأتت بثمر كثير (يوحنا ١٢: ٢٤). وكانت بيت لحم صغيرة أن تكون من ألوف يهوذا أي كان عدد سكانها أقل من ألف فلا يكون لها وحدها رئيس ألف (انظر عدد ١: ١٦ و١٠: ٤) وفي زمان يسوع دُعيت قرية لا مدينة. وقال متّى (٢: ٦) «لَسْتِ ٱلصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا» أي ولو كانت صغيرة ناظراً إلى الحوادث التي حدثت فيها كولادة داود وبالأخص ولادة يسوع. واليهود فهموا أن هذه النبوة هي في المسيح (انظر متّى ٢: ٤ – ٨) وقيل «يخرج لي» لأن تجسد المسيح كان بموجب تعيين من الله. ومخارجه هي ظهورات الأقنوم الثاني منذ القديم كظهور الملاك لإبراهيم (انظر تكوين ١٨) ولموسى (خروج ٣) وليشوع (يشوع ٥: ١٣) ولجدعون (قضاة ٦: ١٢) ولمنوح (قضاة ١٣) والمسيح منذ الأيام الأزلية وهو الله (انظر يوحنا ١: ١ و٢) وأما ظهوراته فكانت في القديم. لذلك يسلم شعبه (ع ٣) أي يؤدبهم ويسلمهم لأعدائهم لسبب خطاياهم وحينما تكمل مدة التأديب يرسل لهم المخلص.
وَلَدَتْ وَالِدَةٌ (ع ٣) قابل هذه الآية بما ورد في (إشعياء ٩: ٦) «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ» و(لوقا ٢: ١١) «وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ» و(إشعياء ٧: ١٤) «هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» وتفسيره في (متّى ١: ٢٣ وإشعياء ٩: ٦ و٧). فيظهر من هذه الآيات ومن القرينة أن المشار إليه هو المسيح الذي وُلد بالجسد من مريم العذراء.
تَرْجِعُ بَقِيَّةُ إِخْوَتِهِ إلى بني إسرائيل (انظر إشعياء ١١: ١٢) «وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ» و(هوشع ٣: ٥) «بَعْدَ ذٰلِكَ يَعُودُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَيَطْلُبُونَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمْ» و«إخوته» هم إخوة المسيح. ولعل ميخا لم يفهم معنى كلامه الكامل بل نظر إلى مخلص من العدو القريب أي الأشوريين ولكن كلامه حُفظ إلى الأجيال القادمة ولعل المنفيين في بابل درسوا ما كان ميخا كتبه قبل زمانهم بمئة وخمسين سنة ونيف فتعزّوا بالوعد واشتقاوا إلى زمان إنجازه.
بَقِيَّةُ إِخْوَتِهِ إخوة المسيح. رجع البعض من اليهود من السبي «إلى بني إسرائيل» أي إلى بلادهم. والكلام يلمح أيضاً إلى الرجوع إلى الرب بالتوبة والإيمان وإلى شعبه المؤمنين والكلمة «بقية» تشمل الأمم أيضاً كما قال يسوع (يوحنا ١٠: ١٦) «لِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ».
وَيَرْعَى (ع ٤) أي يحكم على شعبه ويعتني بهم كراع بخرافه.
بِعَظَمَةِ ٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِهِ الكلمة صار جسداً ووضع نفسه وأخذ صورة عبد ولكنه لم يزل الله غير المنظور. دفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض.
وَيَثْبُتُونَ لا يكون ارتداد بعد ولا سبي كما كان بالقديم.
إِلَى أَقَاصِي ٱلأَرْضِ (انظر مزمور ٧٢: ٨ و١١ و١٧) «يَمْلِكُ مِنَ ٱلْبَحْرِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَمِنَ ٱلنَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي ٱلأَرْضِ… يَسْجُدُ لَهُ كُلُّ ٱلْمُلُوكِ. كُلُّ ٱلأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ … يَكُونُ ٱسْمُهُ إِلَى ٱلدَّهْرِ».
يَكُونُ هٰذَا سَلاَماً (ع ٥) بالمسيح غُفرت خطايانا فلنا سلام مع الله وسلام في قلوبنا ويكون سلام على الأرض حينما يقبله العالم كرئيسهم (انظر إشعياء ٩: ٦).
أَشُّورُ في زمان النبي كان أشور أعظم ملك في العالم وأعظم عدو لإسرائيل والرب خلّص إسرائيل لما دخل أشور أرضهم وداس في قصورهم وحاصر أورشليم في زمان حزقيا الملك. وفي كلام النبي نبوة أعظم لم يفهمها هو تماماً فإن الخلاص الموعود به لم يكن من أشور فقط بل أيضاً من كل عدو يقاوم ملكوت الله كالكلدانيين والرومانيين وجيوش الكفر والفساد في كل جيل والمخلص هو المسيح وهو يعمل بواسطة مختاريه من بني البشر.
سَبْعَةَ رُعَاةٍ سبعة عدد الكمال وثمانية زيادة على الكمال (انظر عاموس ١: ٣) والمعنى أن الله يعتني بشعبه ويقيم لهم مخلصين في وقت الاحتياج وبمقدار الاحتياج ويعلم لشعبه أكثر مما ينتظرون.
فَيَرْعَوْنَ أَرْضَ أَشُّورَ (ع ٦) لم يكن دمار أرض أشور بيد إسرائيل بل من الماديين والبابليين في القرن السابع وكان ذلك بعناية الله ولأجل ثبات ملكوته فيجوز لشعبه أن يفتخروا كما يفتخر العبيد بسيدهم ويقولوا عن أعماله العظيمة «نحن عملنا»
بِٱلسَّيْفِ كلام الله مشبّه بسيف والمبشرون بعسكر غير أن مصارعة الكنيسة ليست مع دم ولحم وليس سلاحها سلاحاً جسدياً ولا تكون لهلاك الناس بل لخلاصهم وانضمامهم إليها.
أَرْضَ نِمْرُودَ (انظر تكوين ١٠: ٨ – ١١) أي بابل ومن هناك خرج وبنى نينوى. ومعنى نمرود الأصلي «العامي» والغاية في بناء برج بابل هي مقاومة الله (انظر تكوين ١١: ٤) و «أبوابها» هي مدنها لأن الباب كان مكان المجلس والقضاء.
كَٱلنَّدَى (ع ٧) المسيحيون كالندى الذي ينعش الأرض وهو لطيف وساكت بفعله ومثمر وهو يبذل نفسه لإفادة الأرض. و«من عند الرب» وكذلك أعمال شعبه الحسنة كلها معمولة بالنعمة من الله.
كَٱلأَسَدِ (ع ٨) لا يوجد تشبيه واحد يعبر عن جميع صفات الكنيسة. ولا يكفي المسيحيين أن يكونوا لطفاء وودعاء بل يلزمهم أيضاً أن يكونوا أقوياء وشجعاء كالأسد الذي من سبط يهوذا (انظر رؤيا ٥: ٥) كان إسرائيل شعباً قليلاً وضعيفاً حوله أعداء أقوياء يضايقونه كثيراً فلا عجب إذا اشتاق إسرائيل إلى مخلص مقتدر في الحرب كملكهم داود.
١٠ – ١٥ «١٠ وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَنِّي أَقْطَعُ خَيْلَكَ مِنْ وَسَطِكَ، وَأُبِيدُ مَرْكَبَاتِكَ. ١١ وَأَقْطَعُ مُدُنَ أَرْضِكَ، وَأَهْدِمُ كُلَّ حُصُونِكَ. ١٢ وَأَقْطَعُ ٱلسِّحْرَ مِنْ يَدِكَ، وَلاَ يَكُونُ لَكَ عَائِفُونَ. ١٣ وَأَقْطَعُ تَمَاثِيلَكَ ٱلْمَنْحُوتَةَ وَأَنْصَابَكَ مِنْ وَسَطِكَ، فَلاَ تَسْجُدُ لِعَمَلِ يَدَيْكَ فِي مَا بَعْدُ. ١٤ وَأَقْلَعُ سَوَارِيَكَ مِنْ وَسَطِكَ وَأُبِيدُ مُدُنَكَ. ١٥ وَبِغَضَبٍ وَغَيْظٍ أَنْتَقِمُ مِنَ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا».
تثنية ١٧: ١٦ وإشعياء ٢: ٧ وهوشع ١٤: ٣ إشعياء ١: ٧ و٦: ١١ إشعياء ٢: ١٢ – ١٧ وهوشع ١٠: ١٤ وعاموس ٥: ٩ تثنية ١٨: ١٠ – ١٢ وإشعياء ٢: ٦ و٨: ١٩ إشعياء ٢: ١٨ و١٧: ٨ وحزقيال ١: ٩ خروج ٣٤: ١٣ وإشعياء ١٧: ٨ و٢٧: ٩ إشعياء ١: ٢٤ و٦٥: ١٢
إِنِّي أَقْطَعُ خَيْلَكَ قيل في تثنية ١٧: ١٦ عن الملك الذي يملك على شعب الله «لاَ يُكَثِّرْ لَهُ ٱلْخَيْلَ» أي الخيل والمركبات لأجل الحرب. و«المدن» (ع ١١) هي المدن الحصينة كالمذكورة في زمان يهوشافاط ملك يهوذا (٢أيام ١٧: ١ و٢) «تَشَدَّدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَجَعَلَ جَيْشاً فِي جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ». والخلاصة أن الرب أولاً سيطهّر شعبه بقطع عبادة الأصنام والسحر وقطع اتكالهم على القوة الجسدية وحبهم للمجد العالمي بواسطة الحرب. وبعد تطهير شعبه ينتقم من الذين لم يسمعوا. وبعد إقامة ملكوت الله على الأرض تحت رياسة ملك السلام لا تكون حاجة إلى أدوات الحرب (انظر إشعياء ٩: ٥ – ٧).
السابق |
التالي |