سفر يونان | 04 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر يونان
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ
١ – ٤ «١ فَغَمَّ ذٰلِكَ يُونَانَ غَمّاً شَدِيداً، فَٱغْتَاظَ ٢ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ: آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هٰذَا كَلاَمِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذٰلِكَ بَادَرْتُ إِلَى ٱلْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلٰهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى ٱلشَّرِّ. ٣ فَٱلآنَ يَا رَبُّ خُذْ نَفْسِي مِنِّي، لأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي. ٤ فَقَالَ ٱلرَّبُّ: هَلِ ٱغْتَظْتَ بِٱلصَّوَابِ؟».
ع ٤ و٩ ومتّى ٢٠: ١٥ ولوقا ١٥: ٢٨ إرميا ٢: ٧ ص ١: ٣ خروج ٣٤: ٦ وعدد ١٤: ١٨ ومزمور ٨٦: ٥ و١٥ ويوئيل ٢: ١٣ وميخا ٧: ١٨ ع ٨ و١ملوك ١٩: ٤ وأيوب ٦: ٨ و٩ أيوب ٧: ١٥ و١٦ وجامعة ٧: ١ ع ٩ ومتّى ٢٠: ١١ و١٥
فَغَمَّ ذٰلِكَ العلاقة مع الأصحاح السابق أي «ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه فغم ذلك يونان» واغتم لأنه حسب نينوى عدوّاً لإسرائيل وانقلابهم خيراً لهم فغار لشعبه كما غار إيليا للرب (انظر ١ملوك ١٩: ١٠) وأما يونان فكان ضعيف الإيمان وقليل المعرفة فإن طرق الرب ليست طرقنا ولا يمكننا أن ندرك عمق غناه وحكمته وبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء (انظر رومية ١١: ٣٣) ويونان كغيره من معاصريه لم يعرف أنّ الرب أب حنون لكل بني البشر ومن مقاصده الأزلية أن بشارة الخلاص تمتدّ إلى أقاصي الأرض فلا يكون أممي ولا يهودي بل يكون الجميع واحداً في المسيح.
لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلٰهٌ رَؤُوفٌ (ع ٢) (انظر خروج ٣٤: ٦ و٧ ويوئيل ٢: ١٣) قال يونان «هذا كلامي إذ كنت بعد في أرضي» أي عرف من الأول أن إرساليته إلى نينوى لا تكون للانقلاب بل للرحمة فلم يستحسن الرحمة للعدو وما أراد أن يكون مرسلاً لا ينفذ قوله.
خُذْ نَفْسِي مِنِّي (ع ٣) هكذا صلى إيليا لما هرب من إيزابل. ولم يرد يونان أن يرى سقوط شعبه عن يد ملك أشور.
هَلِ ٱغْتَظْتَ بِٱلصَّوَابِ (ع ٤) ما أعظم لطف الله وطول أناته فطلب من يونان أن يراجع قوله ليرى غلطه بنفسه.
٥ – ٨ «٥ وَخَرَجَ يُونَانُ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ وَجَلَسَ شَرْقِيَّ ٱلْمَدِينَةِ، وَصَنَعَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ مَظَلَّةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا فِي ٱلظِّلِّ، حَتَّى يَرَى مَاذَا يَحْدُثُ فِي ٱلْمَدِينَةِ. ٦ فَأَعَدَّ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ يَقْطِينَةً فَٱرْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلًّا عَلَى رَأْسِهِ، لِيُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ ٱلْيَقْطِينَةِ فَرَحاً عَظِيماً. ٧ ثُمَّ أَعَدَّ ٱللهُ دُودَةً عِنْدَ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ فِي ٱلْغَدِ، فَضَرَبَتِ ٱلْيَقْطِينَةَ فَيَبِسَتْ. ٨ وَحَدَثَ عِنْدَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ أَنَّ ٱللهَ أَعَدَّ رِيحاً شَرْقِيَّةً حَارَّةً، فَضَرَبَتِ ٱلشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ يُونَانَ فَذَبُلَ فَطَلَبَ لِنَفْسِهِ ٱلْمَوْتَ، وَقَالَ: مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي».
١ملوك ١٩: ٩ و١٣ ص ١: ١٧ عاموس ٦: ١٣ يوئيل ١: ١٢ حزقيال ١٩: ١٢ وهوشع ١٣: ١٥ مزمور ١٢١: ٦ وإشعياء ٤٩: ١٠ ع ٣
جَلَسَ شَرْقِيَّ ٱلْمَدِينَةِ لعله دخل المدينة من الغرب ومرّ فيها وخرج من الشرق.
وَجَلَسَ فِي ٱلظِّلِّ كانت نينوى على نهر دجلة بقرب مدينة الموصل الحالية وهناك حر شديد واليوم في فصل الصيف ينزل أهل الموصل إلى أقبية تحت الأرض في نصف النهار ليخلصوا من الحر.
فَأَعَدَّ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ يَقْطِينَةً (ع ٦) أعدّ يقطينة وأعد دودة (ع ٧) وأعد ريحاً شرقية. أي كل شيء من الرب. الخير كاليقطينة والمصائب كالدودة والريح الشرقية. الأشياء الصغيرة كالدودة والأشياء العظيمة كانقلاب المدينة وخلاصها. الكل منه والكل للخير فعلينا وإن كنا لا نفهم كل مقاصده أن نقبلها بالإيمان.
لِيُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ أي اعتنى به مع أنه تذمر عليه ولم يستحق تلك العناية الأبوية.
ثُمَّ أَعَدَّ ٱللهُ (ع ٧) قيل إن كل يقطينة لها دودة أي أن الخيرات الجسدية وقتية ونفرح بها ونعرف أيضاً أن فيها جراثيم الموت فإن الغنى يزول سريعاً «يصنع لنفسه أجنحة كالنسر يطير نحو السماء» وأيام الحياة مهما كثرت «تقرض سريعاً فتطير» ومهما كانت محبتنا شديدة نحو أهل بيوتنا ففي كل بيت دودة أي ما يكدر. وكما أنه لا يليق بيونان أن يعلّق قلبه باليقطينة التي كانت ليوم فقط بلا اهتمام بالمدينة العظيمة الواقعة أمام عينيه هكذا لا يجوز لنا أن نعلق قلوبنا بمالنا وأملاكنا وراحتنا الجسدية بلا اهتمام بالملايين الهالكين في البلدان الوثنية.
فَطَلَبَ لِنَفْسِهِ ٱلْمَوْتَ (ع ٨) (انظر أيضاً ع ٣) أولاً طلب الموت لأنه لم يرد نجاة نينوى وهي المدينة الظالمة الضارة لشعبه. ثم طلب الموت لأنه انزعج من الحر. ولكن حياتنا من الله وهو يحفظها يوماً فيوماً حتى نكمل الخدمة المعينة لنا فلا يجوز أن نستعفي من هذه الخدمة في هذا العالم ولا أن نتجاسر ونطلب الوقوف لدى الله بلا دعوة منه.
٩ – ١١ «٩ فَقَالَ ٱللهُ لِيُونَانَ: هَلِ ٱغْتَظْتَ بِٱلصَّوَابِ مِنْ أَجْلِ ٱلْيَقْطِينَةِ؟ فَقَالَ: ٱغْتَظْتُ بِٱلصَّوَابِ حَتَّى ٱلْمَوْتِ. ١٠ فَقَالَ ٱلرَّبُّ: أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى ٱلْيَقْطِينَةِ ٱلَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلاَ رَبَّيْتَهَا، ٱلَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. ١١ أَفَلاَ أُشْفِقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَبْوَةً مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ».
ع ٤ ص ٣: ١٠ ص ١: ٢ و٣: ٢ و٣ ص ٣: ٣ تثنية ١: ٣٩ وإشعياء ٧: ١٦ مزمور ٣٦: ٦
ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَبْوَةً أي ١٢٠٠٠٠ «لا يعرفون يمينهم من شمالهم» أي أولاد من سن سبع سنين وما دون. فكان عدد أهل المدينة نحو ٦٠٠٠٠٠.
وخلاصة ما استفدناه من هذا السفر:
- وجوب تبشير الوثنيين والإيمان بأنهم يسمعونه ويقبلونه. وإن رحمة الله تشمل الجنس البشري وإنه يقبل كل من تاب وأحسن عمله والله قادر على تجديد القلوب وإنارة العقول.
- إن يونان كان رمزاً للمسيح لأن السيد المسيح أشار إلى هذا في الإنجيل ومع روح يونان كانت ذاتية متعصبة فيستدل من السفر على روح المسيح المملوءة بالرأفة والحلم والرحمة.
- إن راحتنا وسلامتنا ومجدنا العالمي ونفوذ كلامنا كلها أشياء خفيفة جداً بالنسبة إلى تبشير العالم وخلاص النفوس وإقامة ملكوت الله على الأرض.
السابق |