سفر المزامير

سفر المزامير | 147 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُونَ

«١ سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ، لأَنَّ ٱلتَّرَنُّمَ لإِلٰهِنَا صَالِحٌ. لأَنَّهُ مُلِذٌّ. ٱلتَّسْبِيحُ لاَئِقٌ. ٢ ٱلرَّبُّ يَبْنِي أُورُشَلِيمَ. يَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ. ٣ يَشْفِي ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ وَيَجْبُرُ كَسْرَهُمْ. ٤ يُحْصِي عَدَدَ ٱلْكَوَاكِبِ. يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ».

ربما كان هذا المزمور من لهجة كلامه قد كتب في العصر الذي بعيد أيام عزراء ونحميا حينما كانت أسوار أورشيم قد بنيت ثانية وعادت الحياة إلى مجراها الطبيعي وأصبح الشعب يتمتع بالكرامة القومية والحرية. وهكذا أمكنهم الآن أن يدافعوا عن أنفسهم ويحموا ذواتهم بمقدرة وكفاءة. ولا بأس أن نذكر شيئاً من التاريخ هنا فإن عزرا الكاهن كان قد جاء إلى اليهودية في السنة السابعة من ملك ارتحشستا وهو ركتزر كسيس وقد اشتهر بالحلم على اليهود واللين. وبقيت سفرة عزريا خمسة أشهر وجلب معه نحواً من ألفين من المسبيين وأغلبهم من اللاويين وأخذ ينشر في البلاد تعاليم الشريعة الموسوية والرجوع إليها حتى جاء نحميا بعد ذلك بثلاث عشرة سنة وانصرف بالأحرى إلى ترميم أسوار أورشليم وكان ساقي الملك الخاص. وبعد أن انتهى كلا الرجلين جرت احتفالات شائقة لتكريم هذه الذكريات ويرجح أن هذه المزامير الأربعة الأخيرة كانت ترنم في تلك المناسبات.

ينقسم هذا المزمور إلى قسمين هما من (العدد ١ – ١١ وثم من العدد ١٢ – ٢٠). وقد حسب البعض أن الناظم قد اتخذ حادثاً طبيعياً كسقوط الثلج وشرع في نظمه وبعد ذلك أكمله.

(١ – ٤) يبدأ حالاً بالتسبيح للرب ويدعم كلامه بإثبات صواب ذلك أنه صالح ولاذّ ولائق (راجع مزمور ٣٣: ١). وأما الداعي لهذا التسبيح فهو أمران جوهريان الأول إعادة بناء أورشليم والثاني جمع المنفيين (راجع إشعياء ١١: ١٢ و٥٦: ٨).

هذا الرب الذي يشفي المنكسري القلوب ويجبر خواطرهم كما فعل بإرجاعهم من السبي فلا يتركهم ولا يتخلى عن أحبائه الصارخين إليه. وهذا الأمر لا يصعب عليه قط طالما يستطيع أن يعدّ النجوم ويحصي مراكزها ويدعوها بأسمائها. ولأول وهلة نجد علاقة قليلة بين الإنسان والنجوم إذ ينتقل فجأة من الواحد للآخر ولكن إذا فهمنا أن القصد هو إظهار محبة الله وعنايته الشاملتين يهون علينا الأمر كثيراً.

«٥ عَظِيمٌ هُوَ رَبُّنَا وَعَظِيمُ ٱلْقُوَّةِ. لِفَهْمِهِ لاَ إِحْصَاءَ. ٦ ٱلرَّبُّ يَرْفَعُ ٱلْوُدَعَاءَ وَيَضَعُ ٱلأَشْرَارَ إِلَى ٱلأَرْضِ. ٧ أَجِيبُوا ٱلرَّبَّ بِحَمْدٍ. رَنِّمُوا لإِلٰهِنَا بِعُودٍ. ٨ ٱلْكَاسِي ٱلسَّمَاوَاتِ سَحَاباً، ٱلْمُهَيِّئِ لِلأَرْضِ مَطَراً، ٱلْمُنْبِتِ ٱلْجِبَالَ عُشْباً ٩ ٱلْمُعْطِي لِلْبَهَائِمِ طَعَامَهَا، لِفِرَاخِ ٱلْغِرْبَانِ ٱلَّتِي تَصْرُخُ. ١٠ لاَ يُسَرُّ بِقُوَّةِ ٱلْخَيْلِ. لاَ يَرْضَى بِسَاقَيِ ٱلرَّجُلِ. ١١ يَرْضَى ٱلرَّبُّ بِأَتْقِيَائِهِ، بِٱلرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ».

(٥ – ٦) هذا الإله العظيم الذي لا يحده زمان ولا مكان يستطيع أن يدرك أعظم الأشياء في الطبيعة وهي النجوم كما أنه لا يفوته أشد الأشياء غموضاً وهو قلب الإنسان وأسراره الخفية. لقد أوجد الأشياء الحقيرة التي تسبب ربما للإنسان والحيوان تعباً ومشقة ولكنه فعل ذلك بمقتضى حكمته التي لا نستطيع إدراكها (راجع إشعياء ٤٠: ٢٦ وأيضاً أيوب ٣٧: ٢٣) هو إله يرفع من يشاء ويخفض من يشاء. فهو يرفع الذين يتواضعون أمامه ولو كانوا في أشد حالات الضيق كما أنه يلتفت إلى الأشرار بالقصاص والنقمة وينزلهم عن مراتبهم ولو بلغوا حسب الظاهر أسمى الدرجات.

(٧ – ١١) يأخذ المرنم هنا التفاتة جديدة ويطلب أن يزيدوا الحمد والترنيم لهذا الإله الذي يغطي وجه السماء بالغيوم وهذه بدورها تعطي الأمطار للمزروعات وفي الوقت ذاته تنعش الأعشاب الموجودة في الجبال لأجل المراعي. وهكذا تشبع البهائم من الخير الذي يعطيه الرب ومن دسم الأرض التي باركها بالري الكافي. بل إن هذا الإله يعطي الطعام للحيوانات غير الأليفة كما لطيور البرية ويقدم مثلاً فراخ الغربان التي تصرخ والتي يشمئز الناس من نعيبها ولكن الله يطعمها ويقوتها أيضاً (راجع لوقا ١٢: ٣٤). وهكذا فإن عطاء الله الجواد لا يضع شروطاً سوى قبولها بالشكر والتمتع بها. ومن جهة أخرى فهو لا يرضى بالقوة والصلف لا فرق أكان من الخيالة أم الرجالة ولكنه يرضى بمن يرجو رحمته ويطلب نعمته ويعيش بموجبهما قائماً شكوراً (راجع مزمور ٣٣: ١٦ وما يليه وأيضاً عاموس ٢: ١٤).

«١٢ سَبِّحِي يَا أُورُشَلِيمُ ٱلرَّبَّ. سَبِّحِي إِلٰهَكِ يَا صِهْيَوْنُ. ١٣ لأَنَّهُ قَدْ شَدَّدَ عَوَارِضَ أَبْوَابِكِ. بَارَكَ أَبْنَاءَكِ دَاخِلَكِ. ١٤ ٱلَّذِي يَجْعَلُ تُخُومَكِ سَلاَماً، وَيُشْبِعُكِ مِنْ شَحْمِ ٱلْحِنْطَةِ. ١٥ يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فِي ٱلأَرْضِ. سَرِيعاً جِدّاً يُجْرِي قَوْلَهُ. ١٦ ٱلَّذِي يُعْطِي ٱلثَّلْجَ كَٱلصُّوفِ، وَيُذَرِّي ٱلصَّقِيعَ كَٱلرَّمَادِ. ١٧ يُلْقِي جَمْدَهُ كَفُتَاتٍ. قُدَّامَ بَرْدِهِ مَنْ يَقِفُ؟ ١٨ يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فَيُذِيبُهَا. يَهُبُّ بِرِيحِهِ فَتَسِيلُ ٱلْمِيَاهُ. ١٩ يُخْبِرُ يَعْقُوبَ بِكَلِمَتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ بِفَرَائِضِهِ وَأَحْكَامِهِ. ٢٠ لَمْ يَصْنَعْ هٰكَذَا بِإِحْدَى ٱلأُمَمِ، وَأَحْكَامُهُ لَمْ يَعْرِفُوهَا. هَلِّلُويَا».

(١٢ – ٢٠) يطلب من عباد الله وأتقيائه الذين اجتمعوا الآن آمنين في المدينة العظيمة. فسبحي إذن أيتها المدينة وزيدي التهليل ولا تتراجعي. لقد عادت المدينة إلى العمران بعد الخراب وتمتعت بالحرية بعد الاستعباد وعاشت برغد وهناء بعد أيام الذل والعبودية ويجدر إذن أن لا تمر هذه الفرصة دون تقديم الشكر الحقيقي (راجع نحميا ٧: ١ – ٤) هوذا بركة الرب الشاملة فقد شدد عوارض الأبواب حتى تفتح وتغلق كما يشاء أصحابها لا كما يشاء العدو (إشعياء ٦٠: ١٧) ولذلك يمكن للبلاد أن تعيش بأمن وسلام. فلا يعتدي أحد من الجيران على التخوم كما أن السكان في بحبوحة إذ يشبعون من الخيرات الفائضة إذ يأكلون لباب الحنطة وأفضل دسمها وأطيبه. بل هوذا كلمة الرب معروفة ومسموعة في كل مكان فلا يوجد من يستخف بها أو يرمي إرشادها جانباً. وهكذا تتمم فرائضه بسرعة ويتعرف شعبه على الشريعة بدقة وسهولة. هذا الإله الذي يسمح بالثلج والبرد والصقيع حتى تجمد الأرض كلها من أهوال الشتاء ولكن هذا إلى حين – وما أصدق هذا القول في هذه البلاد حيثما لا يطول وقت الثلوج والصقيع – وبعد ذلك تعود الأرض فتكتسي بحلل الربيع القشيبة حينما تذوب الثلوج كلها وتنعش ينبايع المياه التي هي سبب خير الأراضي في الربيع المتأخر والصيف والخريف.

لذلك فمن واجب هذه الأمة أن تعبد إلهها بأكثر حرارة وإخلاص وعلى نسبة هذا الشرف الخاص بين الأمم فليكن أيضاً عظمة الخدمة ومطاليبها من كل فرد (راجع تثنية ٤: ٧ وما يليه وأيضاً ٤: ٣٢ إلى ٣٤). فإذا كان بقية الأمم لم يعرفوا ذلك فلنعرفهم به ويكون الإيمان الحقيقي سبب خلاص كامل للعالم أجمع.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى