سفر المزامير

سفر المزامير | 142 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ

قَصِيدَةٌ لِدَاوُدَ لَمَّا كَانَ فِي ٱلْمَغَارَةِ. صَلاَةٌ

«١ بِصَوْتِي إِلَى ٱلرَّبِّ أَصْرُخُ. بِصَوْتِي إِلَى ٱلرَّبِّ أَتَضَرَّعُ. ٢ أَسْكُبُ أَمَامَهُ شَكْوَايَ. بِضِيقِي قُدَّامَهُ أُخْبِرُ. ٣ عِنْدَ مَا أَعْيَتْ رُوحِي فِيَّ، وَأَنْتَ عَرَفْتَ مَسْلَكِي فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي أَسْلُكُ أَخْفَوْا لِي فَخّاً».

هي صرخة في طلب النجدة من سجن إلى أصدقاء مخلصين يؤمنون بالله ويمحضون الصداقة صادقة كريمة. وهو المزمور الثامن من هذه السلسلة الأخيرة التي تحمل اسم داود وربما نظمت في ذلك الوقت الذي كان داود فيه أسيراً مضطهداً بيد أبشالوم ابنه. أو أن الناظم – وهو غير داود نفسه – قد اتخذ تلك الحوادث الرائعة في تاريخ الملك داود حتى ينظم ما يخلد ذكراها في هذه المزامير المتتابعة. وقد تكون المغارة المذكورة هي مغارة عدلام (راجع ١صموئيل ٢٢) أو مغارة عين جدي (راجع ١صموئيل ٢٥). ومع أن هذا المزمور لا يحمل دلائل قاطعة أنه قد نظم بعد العصر الداودي ولكنه لا يخفى أيضاً أنه منسوج على منوال مزامير متقدمة أخذ عنها كثيراً من الأفكار والمعاني (راجع مزمور ٧٧ وأيضاً مزمور ١٤٣).

(١ – ٣) يشرع المرنم حالاً بأن يعرض شكواه فهو يشعر أنه مهجور من الناس ومتروك من أخلص الأصدقاء ولذلك يطلب من الرب أن يعينه على احتمال هذه الحالة الصعبة. فهو مثقل بالهموم العظيمة ولذلك فهو يتضرع إلى الرب حتى يخفف عنه الأحمال ويقويه ويشدده لكي يجابه كل المتاعب. وهو يقدم لديه الشكوى لأنه يشعر أن الحمل أعظم من أن يبقى على أكتافه وعليه أن يزحزخه بعيداً. ولا يكتم أنه في ضيق وإن روحه في عياء شديد لذلك فهو يعتقد أن الله سيمنحه مما هو فيه لا سيما وإن طريقه مملوء بالفخاخ الكثيرة وهو كل حين في خطر شديد أن يسقط فيها. إن الرب وحده يعرف الطريق التي يسلك فيها المرنم ولا تخفى عليه تلك المخاطر لذلك فهو سيمد يد العون والإسعاف وينتشل عبده من ملماته قبل أن يسقط سقوطاً لا قيام بعده.

«٤ اُنْظُرْ إِلَى ٱلْيَمِينِ وَأَبْصِرْ، فَلَيْسَ لِي عَارِفٌ. بَادَ عَنِّي ٱلْمَنَاصُ. لَيْسَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ نَفْسِي. ٥ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ. قُلْتُ: أَنْتَ مَلْجَإِي، نَصِيبِي فِي أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ. ٦ أَصْغِ إِلَى صُرَاخِي لأَنِّي قَدْ تَذَلَّلْتُ جِدّاً. نَجِّنِي مِنْ مُضْطَهِدِيَّ لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنِّي. ٧ أَخْرِجْ مِنَ ٱلْحَبْسِ نَفْسِي لِتَحْمِيدِ ٱسْمِكَ. ٱلصِّدِّيقُونَ يَكْتَنِفُونَنِي لأَنَّكَ تُحْسِنُ إِلَيَّ».

لقد كانت الطرق مملوءة بالفخاخ والأشراك التي وضعها أناس ماهرون ولكنهم بلا ضمير ولا وجدان. ويخاطب المرنم نفسه ويحذرها قائلاً انظر وابصر قبل أن ينال هؤلاء الكائدون مأربهم. وهو يلتفت إلى اليمين لكي يرد عنه ضربات الأعداء لأن السلاح تحمله عادة اليد اليمنى وهكذا فإن حامل الأسلحة كان عادة يمشي عن يمين سيده لكي يناوله السلاح اللازم ويحميه في وقت الخطر أيضاً. وفي حيرته هذه لا يجد أحداً يسعفه ولا يرى أي خلاص من المأزق الحرج لأن الاصدقاء المحبين قد تركوه جانباً ولكنه يلتفت وينجده. وفي شدته هذه يصرخ إلى الرب ويحسبه أنه الملجأ الوحيد والنصيب الكامل الذي يكفيه بين الأحياء.

وفي العدد ٦ يأخذ الكلام شكلاً مؤثراً فإن المرنم يشعر بالطمأنينة والهدوء. ويتأكد أن الله سيجيب الطلب. ذلك لأنه قد تذلل أمام الرب ولأن الأعداء أقوى منه فالرب لن يتركه فريسة بين أيديهم (راجع مزمور ١٧: ١ وأيضاً ٧٩: ٨ وأيضاً ١٨: ١٨). ولأول مرة في كل المزامير يخبرنا المرنم صراحة أنه في ضيقة معينة فيعرفنا أنه في حبس ويرجو الله أن يخرجه منه. وعندما يخرج سيحمد اسم الرب على هذا الإحسان العظيم ويجد حينئذ جميع الصديقين قد أحاطوا به وأنجدوه أيضاً. لقد عرفوه وافتقدوه بعد أن افتقده الله برحمته وأخرج من الحبس نفسه. وهكذا فإن هؤلاء يقوونه ويسعفونه لأن الله قد قواه ولم يتخل عنه أبداً.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى