سفر المزامير

سفر المزامير | 141 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ

مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ

«١ يَا رَبُّ إِلَيْكَ صَرَخْتُ. أَسْرِعْ إِلَيَّ. أَصْغِ إِلَى صَوْتِي عِنْدَ مَا أَصْرُخُ إِلَيْكَ. ٢ لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَٱلْبَخُورِ قُدَّامَكَ. لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ. ٣ ٱجْعَلْ يَا رَبُّ حَارِساً لِفَمِي. ٱحْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ. ٤ لاَ تُمِلْ قَلْبِي إِلَى أَمْرٍ رَدِيءٍ، لأَتَعَلَّلَ بِعِلَلِ ٱلشَّرِّ مَعَ أُنَاسٍ فَاعِلِي إِثْمٍ، وَلاَ آكُلْ مِنْ نَفَائِسِهِمْ».

طالما أن هذا المزمور يحمل العنوان لدواد فمن الواجب أن نعرف الظرف الخاص الذي كتبه داود فيه أو كتبه إنسان آخر يصف ذلك الظرف ويضع تلك الصورة واضحة أمام عيوننا. والأرجح أن هذا الظرف الخاص هو حينما طُرد داود من وجه أبشالوم ابنه وبالتالي منعه من أن يقدم الذبائح والتقدمات في أورشليم. وهو مزمور مسائي يصور تلك الحالة المنوه عنها تصويراً دقيقاً في ذلك الحال المملوء بالمتاعب والاضطرابات.

(١ – ٢) إن هذين العددين هما لداود ذاته أكثر مما هما على نسق كتابته فقط. فهو يصرخ طالباً النجدة وهو يطلبها بسرعة ويود لو أن الله يبرهن له أنه يسمع صوته ويصغي إلى تضرعاته فلا يذهب كلامه عبثاً أو كقبض الريح. وبالتالي فهو يلتمس من الله أن يجعل شكل صلاته كأنها مرتفعة نحو السماء كما يرتفع البخور وليكن رفع اليدين في الابتهال والدعاء كأنه يقدم ذبيحة عند المساء فهو إذن يتصوّر أنه قريب من الله في المكان المعتاد ولو كان بعيداً بالجسد (راجع قضاة ٢٠: ٣٨ و٤٠ وقابله مع مزمور ٢٨: ٢ وأيضاً خروج ٢٩: ٣٨ – ٤٢).

(٣ – ٤) يبدأ المرنم بأن يصف لنا بعض مطالبه الخاصة فإن صلاته مرفوعة لأجل مقاصد معينة (راجع مزمور ٣٩: ٢ و٣٤: ١٤). فهو يطلب حفظ اللسان لئلا يتفوه بأمور كان الأولى به السكوت عنها لئلا يندم ولات ساعة مندم. وبعد هذه الصلاة لأجل اللسان يلتمس أن يقطع علاقاته بالأشرار وهكذا يتركهم جابناً من كل قلبه. فلا يسمح لنفسه أن يكون له أي نصيب معهم ولا يكون له أي علاقة بأفعالهم. فيترك الإثم لأصحابه وهكذا يبتعد عن أن يجذبه أحد إلى أي النفائس التي قد يقدمونها لأجل الإرضاء أو الرشوة.

«٥ لِيَضْرِبْنِي ٱلصِّدِّيقُ فَرَحْمَةٌ، وَلْيُوَبِّخْنِي فَزَيْتٌ لِلرَّأْسِ. لاَ يَأْبَى رَأْسِي. لأَنَّ صَلاَتِي بَعْدُ فِي مَصَائِبِهِمْ. ٦ قَدِ ٱنْطَرَحَ قُضَاتُهُمْ مِنْ عَلَى ٱلصَّخْرَةِ، وَسَمِعُوا كَلِمَاتِي لأَنَّهَا لَذِيذَةٌ. ٧ كَمَنْ يَفْلَحُ وَيَشُقُّ ٱلأَرْضَ تَبَدَّدَتْ عِظَامُنَا عِنْدَ فَمِ ٱلْهَاوِيَةِ. ٨ لأَنَّهُ إِلَيْكَ يَا سَيِّدُ يَا رَبُّ عَيْنَايَ. بِكَ ٱحْتَمَيْتُ. لاَ تُفْرِغْ نَفْسِي. ٩ ٱحْفَظْنِي مِنَ ٱلْفَخِّ ٱلَّذِي قَدْ نَصَبُوهُ لِي، وَمِنْ أَشْرَاكِ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ. ١٠ لِيَسْقُطِ ٱلأَشْرَارُ فِي شِبَاكِهِمْ حَتَّى أَنْجُوَ أَنَا بِٱلْكُلِّيَّةِ».

(٥ – ٧) وإذا كان من ضربة قد أتت من يد الصديق فهي بركة وليست ضربة كما أن توبيخه هو زيت لرأسي كي أتدهن به. وهكذا فإن الضربة ترحم الإنسان الذي يُضرب بها لأنها تذكره بالرجوع عن غيه. وهكذا يرضى الرأس بها ويقبلها بل إنني لا أتأخر عن أن أقدم الصلاة الشفاعية من أجلهم لا سيما حينما يكونون في أي المصائب. إذن فهو لا يحسب الضربة كذلك ولا يرضى بالتوبيخ إلا من قبيل ردع النفس نحو الأفضل (راجع مزمور ٢٣: ٥ و١٣٣: ٢).

إن أولئك الذين جعلوا أنفسهم قضاة للشعب قد انطرحوا إلى أسفل ونزلوا عن المقام السامي الذي وصلوا إليه. ذلك لأنهم فعلوا بكبرياء فكانت كلماتهم على مسامع الشعب بصلف وغطرسة وأما كلماتي أنا فكانت متواضعة وهكذا كانت لذيذة على مسامعهم. لقد اغترّ الشعب من قبل فتبع أبشالوم ولكن إلى حين إذ رأوا فساد ما كانوا فيه فعادوا إلى الصواب تائبين. ولكنه في العدد الثامن لا يكتم المصيبة التي داهمت الشعب وسببت خراباً وتقتيلاً وهكذا يشبه تلك العظام المتبددة كالحجارة التي تظهر عندما يشق الفلاح الأرض بسكته. فقد كانت مصيبة عامة على الشعب ولكنها قد انتهت كما تنتهي الفلاحة بالخير للحبوب التي تدفن في الأثلام وتصبح زرعاً يوما ما.

(٨ – ١٠) يلتفت إلى الله طالباً عوناً. ويطلب حماية لئلا تفرغ نفسه من الشجاعة والاحتمال. إن الضيق الذي أحاطه يجب أن يملأه بالإيمان فقط. وهكذا فإنه يعرف الفخ ويتجنب مكانه ويتميز الإشراك فلا يسقط فيها. بل لترجع هذه المصائب على الذين سببوها وليقع هؤلاء المحتالون في الشباك التي رموها أمام أرجلنا وهكذا يمنح الله نجاته الكاملة للملك ولشعبه المخلص نحوه إلى المنتهى.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى