سفر المزامير | 104 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلرَّابِعُ
«١ بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ. يَا رَبُّ إِلٰهِي قَدْ عَظُمْتَ جِدّاً. مَجْداً وَجَلاَلاً لَبِسْتَ. ٢ ٱللَّابِسُ ٱلنُّورَ كَثَوْبٍ ٱلْبَاسِطُ ٱلسَّمَاوَاتِ كَشُقَّةٍ. ٣ ٱلْمُسَقِّفُ عَلاَلِيَهُ بِٱلْمِيَاهِ. ٱلْجَاعِلُ ٱلسَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ. ٱلْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلرِّيحِ».
هذا المزمور أيضاً يبدأ بالعبارة «باركي يا نفسي الرب». وهو غير معروف من مؤلفه ويرينا أن الله حاكم في مملكة الطبيعية فيذكر الحيوانات الكثيرة بأسمائها وطرق معيشتها حتى يكاد يكون هذا المزمور فصلاً في علم الحيوان. بينما المزمور السابق يتكلم عن نعمة الله ولذلك يبحث عن الملائكة والقوات والأجناد السماوية. وغاية المرنم أن يرينا إن عمل الخليقة حسن جداً كما ورد في سفر التكوين الأصحاح الأول. ويتمنى أن يطرد الشر من الأرض طالما خلائق الله كلها حسنة. ذلك لأن الإنسان بفساد طبيعته قد أفسد ما أوجده الله حسناً.
(١ – ٣) يبدأ هذا المزمور متابعاً أعمال الخليقة فيصف النور أولاً وهو بدء خليقة الله. يفعل ذلك بعد أن يعطي المجد لله ويصفه بأنه يلبس المجد والجلال. وهو العظيم في كل شيء المنزه عن كل شيء أرضي لأن ملكه ملك سماوي علوي. ولأن الله قد خلق النور أولاً لذلك يلبسه متسربلاً به كما أنه قد بسط السموات كما تبسط شقة الخيمة لكي تغطيها (راجع عاموس ٤: ١٣ وإشعياء ٤٤: ٢٤ و٤٥: ٧ وإرميا ٢٠: ١٢). في قوله «الباسط السموات كشقة». ينتقل إلى اليوم الثاني من أيام الخليقة حينما خلق الله الجلد فبسط السموات كما تبسط شقة الخيمة وتنشر من جميع الأنحاء (راجع إشعياء ٥٤: ٢). هذا الإله العظيم الذي يجعل المياه سقوفاً لغرفه العالية والذي يركب على السحاب ويمشي على الريح. هو إله مرتفع ويستخدم هذه القوات المختلفة المتعالية فوق الإنسان لأجل إظهار مجده تعالى. وهو يركب مركبته النورانية هذه لكي يحكم في الناس ويريهم مجده وجلاله ويجعلهم خاضعين (إشعياء ١٩: ١).
«٤ ٱلصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ نَاراً مُلْتَهِبَةً. ٥ ٱلْمُؤَسِّسُ ٱلأَرْضَ عَلَى قَوَاعِدِهَا فَلاَ تَتَزَعْزَعُ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ. ٦ كَسَوْتَهَا ٱلْغَمْرَ كَثَوْبٍ. فَوْقَ ٱلْجِبَالِ تَقِفُ ٱلْمِيَاهُ. ٧ مِنِ ٱنْتِهَارِكَ تَهْرُبُ مِنْ صَوْتِ رَعْدِكَ تَفِرُّ. ٨ تَصْعَدُ إِلَى ٱلْجِبَالِ. تَنْزِلُ إِلَى ٱلْبِقَاعِ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي أَسَّسْتَهُ لَهَا. ٩ وَضَعْتَ لَهَا تُخُماً لاَ تَتَعَدَّاهُ. لاَ تَرْجِعُ لِتُغَطِّيَ ٱلأَرْضَ».
(٤) يقال إنه كما خلق الله الإنسان من تراب الأرض هكذا خلق ملائكته من النار الملتهبة. وقد يكون المعنى أن الله يستخدم الريح والنار لإتمام مقاصده تعالى وإسماع صوته كما في انتظار إيليا أن يسمع صوت الله في المغارة (راجع ١ملوك ١٩: ١١ وما يليه). ولا شك أن الكروبيم نفسه يجب أن ينقل إلينا الفكرة أن الله كان يستعملهم مثل مركبة لينتقل من مكان إلى آخر (انظر مزمور ٣٥: ٥). ونرى حينئذ أن الرب يمثل لنا قوة الريح التي يستخدمها كرسول عنه.
(٥ – ٩) يرينا الآن أن هذه الأرض ثابتة غير متقلقلة ولا متزعزعة. هوذا الجبال العالية ترتفع متشامخة وهوذا السهول والوديان وينظر إلى البحيرات العالية فيراها في أمكنة عالية بين الجبال. وقد يكون المعنى أن هذه الينابيع المتدفقة الآتية من قمم الجبال كيف وصلت إلى هناك لولا أن الله قد كسا الجبال بها فغارت إلى حين ثم انفجرت ينابيع ماء حية لتروي العطاش. أما أن هذه المياه تهرب وتفر من صوت الرعد فهنا إشارة إلى فكرة قديمة هي أن الرعد يفجر المياه ويجعلها تسيل بشدة. وهذه المياه العالية في الجبال هي من هناك نازلة وفي نزولها تصل إلى الأمكنة المخصصة لها والتي لا تقدر أن تتعداها. فهذه المياه ليست حرة في جريانها بل تسير كما يريد الله لها وتقف حينما يريد فهي تخضع لنظامات معينة فلن يكون طوفان كالذي جرى من قبل فيغمر المعمورة كلها. بل إن هذه البحار هي في أماكنها الخاصة لا تستطيع أن تصعد منها لتغمر الأرض بالمياه لأنه قد وضع لها حدوداً (راجع أمثال ٨: ٢٩ وإرميا ٥: ٢٢) ولم تعد هذه المياه كما كانت عند بدء الخليقة حينما كانت تغمر الأرض (راجع تكوين ١).
«١٠ اَلْمُفَجِّرُ عُيُوناً فِي ٱلأَوْدِيَةِ. بَيْنَ ٱلْجِبَالِ تَجْرِي. ١١ تَسْقِي كُلَّ حَيَوَانِ ٱلْبَرِّ. تَكْسِرُ ٱلْفِرَاءُ ظَمَأَهَا. ١٢ فَوْقَهَا طُيُورُ ٱلسَّمَاءِ تَسْكُنُ. مِنْ بَيْنِ ٱلأَغْصَانِ تُسَمِّعُ صَوْتاً. ١٣ ٱلسَّاقِي ٱلْجِبَالَ مِنْ عَلاَلِيهِ. مِنْ ثَمَرِ أَعْمَالِكَ تَشْبَعُ ٱلأَرْضُ. ١٤ ٱلْمُنْبِتُ عُشْباً لِلْبَهَائِمِ، وَخُضْرَةً لِخِدْمَةِ ٱلإِنْسَانِ، لإِخْرَاجِ خُبْزٍ مِنَ ٱلأَرْضِ، ١٥ وَخَمْرٍ تُفَرِّحُ قَلْبَ ٱلإِنْسَانِ لإِلْمَاعِ وَجْهِهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلزَّيْتِ، وَخُبْزٍ يُسْنِدُ قَلْبَ ٱلإِنْسَانِ».
(١٠ – ١٤) يصف هنا تلك الينابيع التي تتفجر في أودية الجبال العالية فهي واطئة بالنسبة للجبال حولها ولكنها عالية بالنسبة للاراضي التي تحتها. وهذه المياه عادة طيبة وباردة ومنعشة وتنحدر بعد ذلك في أودية مختلفة حتى تجتمع لتكون أنهاراً عظيمة. ثم تسقي كل الحيوانات التي تعيش في البراري ولا سيما الفراء أي الحمار الوحش ذو الخطوط المتوازية التي تكسو جلده. وقوله «تكسر ظمأها» هو تعبير مستعمل حتى الأن فنقول «نكسر عطشنا» وهذا التعبير لم يستعمل في أي موضع غير هنا. وفوق هذا الحيوانات تسكن طيور السماء التي تنتقي لنفسها نواتئ الصخور حيث تبني أعشاشها أو أعالي الشجر أو قمم الجبال الشامخة التي لا يقدر أن يصل إلى فراخها أي حيوان. وهذه الطيور تعرف بصوتها فقط إذ ربما تغيب عن العيون أشكالها ويكون صوتها زقزقة أو نعيباً بين أغصان الأشجار. هو الله الذي يسقي الجبال من الأعالي وحينئذ تشبع الأرض من هذا الخير الذي يمنحه الرب للناس. وهكذا ينبت الشجر والخضر وأنواع البقول والحبوب التي تغذي وتحيي الإنسان. فيعطي عشباً للبهائم وخضرة لمأكولات البشر بل ويبنت المزروعات التي منها يؤخذ الخبز.
(١٥) هذا الخبز الذي هو قوت البشر ويستغنون ربما عن كثير من المأكولات وأما عنه فلا يستغنون. بل هذه الأرض التي تنبت الكرمة بعنبها الطيب اللذيذ يضاف إليه صناعة الإنسان فيستخرج منه الخمر الذي عرفه منذ القديم وألمع به وجهه اكثر من إلماع الزيت. ولكن هذا لا يكفي ما لم يكن خبز للإنسان يسند به قلبه. وهو التعبير ذاته الذي نستعمله حتى اليوم في هذه البلاد.
وقد ذهب بعض المترجمين «لإلماع وجهه بالزيت». وليس أكثر من الزيت.
«١٦ تَشْبَعُ أَشْجَارُ ٱلرَّبِّ، أَرْزُ لُبْنَانَ ٱلَّذِي نَصَبَهُ. ١٧ حَيْثُ تُعَشِّشُ هُنَاكَ ٱلْعَصَافِيرُ. أَمَّا ٱللَّقْلَقُ فَٱلسَّرْوُ بَيْتُهُ. ١٨ ٱلْجِبَالُ ٱلْعَالِيَةُ لِلْوُعُولِ. ٱلصُّخُورُ مَلْجَأٌ لِلْوِبَارِ. ١٩ صَنَعَ ٱلْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. ٱلشَّمْسُ تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا. ٢٠ تَجْعَلُ ظُلْمَةً فَيَصِيرُ لَيْلٌ. فِيهِ يَدِبُّ كُلُّ حَيَوَانِ ٱلْوَعْرِ. ٢١ ٱلأَشْبَالُ تُزَمْجِرُ لِتَخْطُفَ وَلِتَلْتَمِسَ مِنَ ٱللّٰهِ طَعَامَهَا».
(١٦ – ١٨) وهكذا يكون المرنم قد ذكر المصادر الثلاثة الهامة لقوت الإنسان حسب العرف القديم وهي الخمر والخبز والزيت. أما قوله في العدد ١٦ أشجار الرب فهي تلك الأشجار الباسقة التي تخبر عن قدرة الرب وترينا عظمته بالنسبة لقدمها في السنين وبالنسبة لارتفاعها وثباتها ضد عوادي الأيام. فيذكر نوعين من هذه الأشجار العظيمة أولاً الأرز وثم السرو في هذه الأشجار تجعل العصافير أعشاشها كما أن للقلق – وهو نوع من البجع الذي يأتي في الربيع ويقتات على الحشرات التي تفتك بالمزروعات فمن هذا القبيل هو نافع جداً للفلاح. هذه الطيور التي لا يؤكل لحمها تجعل أعشاشها في السرو وهذا الطير مشهور بإلفته العائلية وكان يحسبه القدماء سعيداً وبركة للبيوت التي ينزل في جوارها ويعشش. ويتابع المرنم تفكيره فيرى أن عناية الله التي تحيط بكل شيء تجعل الوعول مسكنها الجبال والوبار مسكنها الصخور. أما الوعل فهو الماعز البري الذي يسكن الأماكن العالية.
(١٩ – ٢١) والآن ينتقل المرنم إلى اليوم الرابع من أيام الخليقة فيذكر الشمس والقمر. ولكنه يذكر القمر أولاً لكي يتبعه بذكر مليكة النهار وهي الشمس التي تبدد الظلمات. والقمر قد عرف منذ القديم لكي يقسم الأوقات إلى أشهر والأشهر إلى سنوات على التوالي. وهكذا يذكر الليل وما يدب فيه من حيوان. هوذا الظلمة تغشى الأرض وتستر في طياتها تلك الوحوش الضارية التي تطلب قنصها عندئذ. بل هوذا الأشبال ذاتها تزمجر طالبة طعاماً ومن يستطيع أن يعتني بجميع هذه الحيوانات غير الله الذي خلقها فهو وحده قادر أن يقوتها ويحييها.
«٢٢ تُشْرِقُ ٱلشَّمْسُ فَتَجْتَمِعُ، وَفِي مَآوِيهَا تَرْبِضُ. ٢٣ ٱلإِنْسَانُ يَخْرُجُ إِلَى عَمَلِهِ وَإِلَى شُغْلِهِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ. ٢٤ مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنَةٌ ٱلأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ. ٢٥ هٰذَا ٱلْبَحْرُ ٱلْكَبِيرُ ٱلْوَاسِعُ ٱلأَطْرَافِ. هُنَاكَ دَبَّابَاتٌ بِلاَ عَدَدٍ. صِغَارُ حَيَوَانٍ مَعَ كِبَارٍ. ٢٦ هُنَاكَ تَجْرِي ٱلسُّفُنُ. لَوِيَاثَانُ هٰذَا خَلَقْتَهُ لِيَلْعَبَ فِيهِ. ٢٧ كُلُّهَا إِيَّاكَ تَتَرَجَّى لِتَرْزُقَهَا قُوتَهَا فِي حِينِهِ».
(٢٢ – ٢٣) وهذه الحيوانات التي بعضها ليلية إذا بها عندما تشرق الشمس تعود فتختبئ في مآويها إلى ميعاد آخر. بينما الإنسان يعيش بطريقة معاكسة فهو يشتغل أثناء النهار ولا يبرح يفعل ذلك حتى يكتنفه الظلام وحينئذ يتوقف عن عمله إلى نهار آخر.
(٢٤ – ٢٧) ثم يلخص كلامه السابق كله بتمجيد أعمال الرب التي صُنعت كلها بالحكمة والدراية. وهوذا الأرض كلها تشهد بذلك وترينا غنى الرب الذي لا يستقصى ولا يحدّ. وهذا العدد مناسب جداً لختام الكلام عن المخلوقات البرية كلها ونجده في (العدد ٢٥) ينتقل إلى البحر ويجد فيه الاتساع العظيم فينبهر بصره بهذا الجلال وهذه العظمة ويرى فيه تلك الأسماك الكثيرة بأشكالها المتباينة وأحجامها المختلفة من صغيرة وكبيرة. أيضاً هنا يتابع المرنم ترتيبه السابق من جهة أيام الخليقة ويصل إلى اليوم الخامس. وهنا لا يضع فاصلاً كبيراً بين أي شيء خلق من قبل لذلك نجد الطيور والحيوانات والأسماك كلها متتابعة وهذا دليل أن المرنم لم يلتفت إلى ترتيب الخليقة وتابعها كما هي بل تصرف كما شاء له مجرى الكلام. في هذا البحر يجد السفن التي تمخر عبابه بل يجد لوياثان وهو عادة التمساح ولكنه هذا يعني الأرجح الحوت لأن التمساح لا يسكن البحار بل يعيش على ضفاف الأنهار. وقد يكون لوياثان كناية عن الوحوش البحرية على اختلاف أشكالها دون تمييز. ويلتفت مرة أخرى إلى البر والبحر ويجد أن كل شيء يمجد اسم الله ويذيع حمده وبركته لأنه هو الخالق والمعتني الذي يمنح كل مخلوقاته طعامها في حينه فلا تجوع ولا تعطش بل تسكن آمنة مطمئنة لأن الله يدبر كل شيء بحسب حكمته غير المتناهية.
«٢٨ تُعْطِيهَا فَتَلْتَقِطُ. تَفْتَحُ يَدَكَ فَتَشْبَعُ خَيْراً. ٢٩ تَحْجُبُ وَجْهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ. ٣٠ تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ ٱلأَرْضِ ٣١ يَكُونُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلدَّهْرِ. يَفْرَحُ ٱلرَّبُّ بِأَعْمَالِهِ. ٣٢ ٱلنَّاظِرُ إِلَى ٱلأَرْضِ فَتَرْتَعِدُ. يَمَسُّ ٱلْجِبَالَ فَتُدَخِّنُ. ٣٣ أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلٰهِي مَا دُمْتُ مَوْجُوداً، ٣٤ فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي وَأَنَا أَفْرَحُ بِٱلرَّبِّ. ٣٥ لِتُبَدِ ٱلْخُطَاةُ مِنَ ٱلأَرْضِ وَٱلأَشْرَارُ لاَ يَكُونُوا بَعْدُ. بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ. هَلِّلُويَا».
(٢٨ – ٣٠) ذاك الإله الجواد الذي يعطيها ويفتح يده عليها فإذن كل مساعيها وحدها عبث وإنما تصبح ذات جدوى متى رضي الله عنها فتشبع وتحيا. ومن جهة ثانية إذا حجب الرب وجهه إذا بها تخاف وتتغير وتبدأ بالاضمحلال والزوال «لأن به نحيا ونتحرك ونوجد». وهو الله الذي ينزع أرواحها وتموت بعد ذلك تعود إلى التراب وهكذا تستمر أعمال الله في خليقته أشياء تضمحل وأشياء تتجدد على التوالي ولا سيما حينما يرسل روحه المحيي ذلك النفس الذي ينفخه في الوجود فإذا به يتحرك بمشيئة الله فتعود الأرض إلى حالتها القشيبة وقت الربيع. فما كان موتاً في الشتاء يصبح حياة مرة أخرى وهكذا دواليك على مرور الزمان (راجع ١صموئيل ١٥: ٦ وأيوب ٣٤: ١٤ وما بعده).
(٣١ – ٣٥) أما مجد الرب فلا يتغير ولا يتبدل بل هو هو إلى الأبد ويفرح الرب بأعماله لأنها حسنة وصالحة كلها. هذا الإله العظيم الذي برضاه نحيا وبدون رضاه ترتعد الأرض كلها. إذا لمس الجبال يجعلها تدخن فتبعث الحمم من أفواه براكينها. وهكذا بغضبه يتم الهلاك والدمار. ويلتفت إلى نفسه فيجد أن من الواجب أن يغني في حياته وأن يرنم ترنيمات لائقة بهذا الإله المحب القدير القدوس. وإذا به يتأكد أن الرب يفرح بالنشيد وهو أي المرنم يفرح بهذا الفرح. هو إنسان متعبد لإلهه يرى في هذه المخلوقات جميعها ما يدعوه للتخشع والسجود والتسليم فيزداد تواضعاً كلما عرف عظمة الرب أكثر ويزداد ورعاً كلما رأى آيات الله ماثلة أمام عينيه. وأخيراً ينحي باللائمة على الأشرار الذين لا يرون ما يراه ولا يؤمنون إيمانه ويتمنى لو يبادون من الأرض حتى لا يبقى أحد منكراً لجميل إلهه. ولكنه هو أي المرنم يعود إلى نفسه في الختام ويبارك الرب ويسبحه بكل ما أوتي من قوة وحلاوة نشيد.
السابق |
التالي |