سفر المزامير

سفر المزامير | 96 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلتِّسْعُونَ

«١ رَنِّمُوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. رَنِّمِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ. ٢ رَنِّمُوا لِلرَّبِّ، بَارِكُوا ٱسْمَهُ، بَشِّرُوا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاَصِهِ. ٣ حَدِّثُوا بَيْنَ ٱلأُمَمِ بِمَجْدِهِ، بَيْنَ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ».

في هذا المزمور تحية لملكوت الله الجديد فهو نظر ثاقب إلى المستقبل البعيد يراه بعين الإيمان سعيداً مجيداً. وهو يحمد اسم الله كما يفعل المزمور السابق الذي يقول عن الرب «ملك كبير على كل الآلهة». ونجد هذا المزمور يرنم عند إرجاع تابوت العهد (رجع ١أخبار ١٦: ٢٣ – ٣٣). وهو يناسب جداً للتعبير عن أفراح ذلك العيد والترانيم العذبة التي تتخلله. ويذهب الكثيرون إلى أن هذا المزمور قد كتب بعد السبي حينما عرف إسرائيل رسالته نحو الشعوب الأخرى وهو يدعونا جميعاً للاعتراف بالرب الواحد على العالم أجمع. لقد كانت اختبارات السبي مرّة ولكنها عظيمة وجليلة إذ جعلت حداً فاصلاً بين الأفكار التي قبل السبي والأفكار التي جاءت بعده حينما نجد كمال ذلك ظاهراً في العهد الجديد حينما يأتي المسيح مخلص العالم وحينئذ لا فرق بين يهودي وأممي ذكر وأنثى عبد وحرّ بل الجميع واحد أمام الله ديّان العالمين.

(١ – ٣) يبدأ المرنم بأن يدعو شعب الله للترنيم وبعد ذلك يدعو شعوب الأرض جميعاً ليشتركوا بالترنيم. بل إنه من واجب هذا الشعب أن يكونوا الدعاة لمعرفة الرب الذين ينشرون اسمه ويعرّفون كل الأمم بخلاصه. وهي ترنيمة جديدة في مبناها وليس في معناها إذ أن الترنيم للرب أمر واجب وحلو. وللمرة الثالثة يطلب الترنيم للرب وبركة اسمه وحينئذ يخبر الجميع بالخلاص العجيب الذي أعدّه. هذه الترنيمة الجديدة هي صدى أعماله العجيبة لدى كل الشعوب فهم أيضاً قد اختبروا هذه الاختبارات وعرفوا يقيناً أن الخالق العظيم هو واحد للوجود كله. وهذا الخلاص هو موضوع ما يجب أن ينشر بين الناس من أخبار سعيدة مفرحة. ونلاحظ أن القسم الأول من العدد الأول هو ذاته الذي نجده (إشعياء ٤٢: ١٠) كذلك فالعدد الثاني هو (إشعياء ٥٢: ٧) والعدد الثالث هو (إشعياء ٦٦: ١٩).

«٤ لأَنَّ ٱلرَّبَّ عَظِيمٌ وَحَمِيدٌ جِدّاً، مَهُوبٌ هُوَ عَلَى كُلِّ ٱلآلِهَةِ. ٥ لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ ٱلشُّعُوبِ أَصْنَامٌ، أَمَّا ٱلرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ. ٦ مَجْدٌ وَجَلاَلٌ قُدَّامَهُ. ٱلْعِزُّ وَٱلْجَمَالُ فِي مَقْدِسِهِ. ٧ قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا قَبَائِلَ ٱلشُّعُوبِ، قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْداً وَقُوَّةً. ٨ قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ ٱسْمِهِ. هَاتُوا تَقْدِمَةً وَٱدْخُلُوا دِيَارَهُ».

(٤ – ٦) هذا الإله هو عظيم ولا حد لقدرته السرمدية وحميد لأنه يستحق المديح والإكرام. وقد فاق كل إله آخر من آلهة الأمم. هو لا ينكر أن لا يكون للأمم الأخرى آلهة ولكنه يهزأ بتلك الآلهة ويقول عنها أصنام لا قيمة لها ولا قدرة فيها. أما الرب فهو ذاته الذي صنع السموات كما أنه بسط الأرض وخلق جميع سكانها. وفي النص العبراني يقول إن إلوهيم هي إيليليم أي لا شيء. وال في العبرانية تقابل لا العربية بواسطة القلب وهو كثير في اللغات. وكلمة «إيليليم» المترجمة أصنام يستعملها إشعياء كثيراً (راجع مثلاً إشعياء ٤٠ و٤٤). وحينما هذا الإله العظيم يسير فإنه يتقدمه المجد والجلال كما أن كمال القداسة والجمال في مقدسه الأرضي حيثما يرى بعين الخيال أكثر من العين الحقيقية (راجع إشعياء ٦٠).

(٧ – ٨) لذلك فهو يدعو الشعوب كلها مرة أخرى أن يقدموا مجداً للرب ويعترفوا بقوته السرمدية التي لا تستقصى. ولا سبيل لأحد أن يعتذر عن ذلك بمعنى أنه يقول ليس هذا إلهي. فقد أراهم من قبل أن آلهتهم ليست شيئاً وعليهم أن يعترفوا بالإله الحقيقي ويتبعوه وحينئذ لا يكون لأمة على أمة أي فضل إذا كانت تتبع إرشادات الله وتتمشى على تعاليمه ووصاياه فهو للجميع لأنه رب الجميع. وهكذا فإن الواجب يقضي أن يذيعوا اسمه ويمجدوه كما يليق به وحده. بل عليهم أن يظهروا ذلك عملياً بأن يقدموا من أموالهم في هذه السبيل. وحينما يقدمون هكذا فهم يدخلون إلى مقادس الله بأيد عاملة وقلوب كريمة مؤمنة. وهذه التقدمات هي لتكريم الرب وليس لاسترضاء وجهه لأنه يستحق كل إكرام.

«٩ ٱسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. ٱرْتَعِدِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ. ١٠ قُولُوا بَيْنَ ٱلأُمَمِ: ٱلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. أَيْضاً تَثَبَّتَتِ ٱلْمَسْكُونَةُ فَلاَ تَتَزَعْزَعُ. يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ بِٱلٱسْتِقَامَةِ. ١١ لِتَفْرَحِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَلْتَبْتَهِجِ ٱلأَرْضُ، لِيَعِجَّ ٱلْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ. ١٢ لِيَجْذَلِ ٱلْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ. لِتَتَرَنَّمْ حِينَئِذٍ كُلُّ أَشْجَارِ ٱلْوَعْرِ ١٣ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ. جَاءَ لِيَدِينَ ٱلأَرْضَ. يَدِينُ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْعَدْلِ وَٱلشُّعُوبَ بِأَمَانَتِهِ».

(٩) وعلى العابدين أن يلبسوا ثياباً لائقة ونجد ذلك مبيناً في العدد الجديد بثياب العرس. فإن لباس الحشمة والأدب والورع لها تأثير كبير على العبادة لذلك فقد اعتاد الناس أن يدخلوا بيوت العبادة وهم لابسون أفخر ملابسهم. فإذا كان من الواجب أن نلبس ثياباً لائقة في السهرات أو أمام الكبار والحكام احتراماً لأصحاب الدعوة أفلا يجوز بالإنسان أن يظهر لائقاً أمام إلهه الذي خلقه لا سيما في أشرف الأوقات حينما يقدم العبادة لجلاله الأقدس.

(١٠ – ١١) وحينئذ على هذه الأمم أن تعترف بالملك الواحد وهكذا تتثبت المسكونة بحكمته وعدالته فلا يكون اختلاف فيما بينها طالما أن الرب واحد لها جميعاً وعليها أن تسمع صوته وتصغي لإرشاده. وحينئذ فهو يدين كل إنسان وكل أمة على موجب ما فعلوه بالعدل والاستقامة. وحينما يتم ذلك يجب أن يعم الفرح جميع الأقطار. وهذه الفكرة من ميزات النبي إشعياء (راجع الأصحاحات ٤٠ – ٥٢). وقوله البحر وملؤه فوارد في (إشعياء ٣٥: ١ وإشعياء ٤٢: ١٠).

(١٢ – ١٣) وبعد أن ينتهي من التعميم بفرح السموات والأرض والبحر يأتي إلى الحقل وما فيه من مزروعات فهي في خير ونعمة كذلك فإن الوعر والبرية والصخور والجبال إذا بها تترنم أيضاً لأن الرب الإله يملأ كل شيء بمجده. ونجد إشعياء يزيد على الأشجار بأن يجعلها تصفق بالأيادي (راجع إشعياء ٤٥: ١٢ و٤٤: ٢٣). وهذه كلها تفعل ذلك أمام الرب الديّان. والمرنم يلتفت إلى الماضي وإلى المستقبل ويربطهما معاً ويرى إصبع الله عاملة في التاريخ كله ومع الشعوب جميعها وليس مع إسرائيل وحده.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى