سفر المزامير

سفر المزامير | 75 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلسَّبْعُونَ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. عَلَى «لاَ تُهْلِكْ». مَزْمُورٌ لآسَافَ. تَسْبِيحَةٌ

«١ نَحْمَدُكَ يَا اَللّٰهُ. نَحْمَدُكَ وَٱسْمُكَ قَرِيبٌ. يُحَدِّثُونَ بِعَجَائِبِكَ. ٢ لأَنِّي أُعَيِّنُ مِيعَاداً. أَنَا بِٱلْمُسْتَقِيمَاتِ أَقْضِي. ٣ ذَابَتِ ٱلأَرْضُ وَكُلُّ سُكَّانِهَا. أَنَا وَزَنْتُ أَعْمِدَتَهَا. سِلاَهْ».

في هذا المزمور يرى المرنم أن الله هو الحاكم العادل على كل البشر ويظهر قدرته وسلطانه في ماجريات الأحوال العادية لذلك فإن المؤمن يعتز بذلك ويفتخر لأن إلهه لم يتركه في الماضي ولا يتركه الآن. وقد اختلف المفسرون في تعيين الزمان الذي كتب فيه. فبعضهم يحسبون أنه كتب على أثر خراب أمبراطورية أشور بينما آخرون يضعونه في زمان المكابيين أيضاً ولذلك قد وضع مرافقاً للمزمور سابقه فيكون هذان المزموران متممين واحدهما الآخر من جهة المعنى وبالتالي فقد نظما في الوقت ذاته تقريباً. هو مزمور لآساف أو على نسقه وقد وضع له لحن خاص «على لا تهلك». ويمتاز بعمق الأفكار الروحية وهكذا يرنم مصحوباً بالآلات الموسيقية.

(١) إن المؤمنين وهم يتوقعون خلاص الرب يقدمون الحمد والشكران له تعالى. واسم الله قريب بالنسبة لهذا الحمد الذي نصعده الآن. فهو إله قريب من الإنسان العابد الذي يأتيه بروح الخشوع والوقار (راجع مزمور ٥٠: ٢٣ وإرميا ١٢: ٢ وقابل مع تثنية ٣٠: ١٤) حينما يذكر اسم الله بالشفاه حينئذ يحدثون بعجائبه أيضاً فهو إله يستحق كل حمد وعبادة ولأنه قريب لذلك يشعر المتعبد بتلك اللذة الخشوعية التي تأتي لدى أمثال هذا الاجتماع المملوء بالوقار.

(٢) إن الله يعيّن ميعاداً لكل شيء لذلك فعلى الأمم الطاغية أن لا تتمادى كثيراً في ظلمها لأنه سيأتي وقت حينما يقضي الله بعدله على كل الناس وعلى كل الأمم أيضاً (راجع حبقوق ٢: ٣) ليس البشر هم الذين يعينون مثل هذا الميعاد بل الله ذاته بمطلق حكمته غير المتناهية سوف يتداخل في أمور الناس ويسيرّها كما يشاء هو ولا يترك لهم الأمور حبلها على الغارب. لذلك فعلى الإنسان كما على الأمة أن تنتبه وتتيقظ قبل فوات الأوان لئلا يقضي الله عليهم بالدمار والاضمحلال.

(٣) حينئذ تذوب الأرض مع سكانها من هول ما يقاسون (إشعياء ١٤: ٣١ وخروج ١٥: ١٥ ويشوع ٢: ٩). ذلك لأن الحكم الصارم سوف يصدر عليهم ولا مهرب منه ولا منجاة أبداً. وقوله تذوب أي يخونها العزم وتفقد شجاعتها وتتبعثر إلى كل جهة. وهذا الإله العادل بيده الميزان لكي يزن كل الاشياء والأعمال. لذلك فهو قد وضع الأنظمة والنواميس لكي يطبقها أيضاً على الجميع بالسواء.

«٤ قُلْتُ لِلْمُفْتَخِرِينَ: لاَ تَفْتَخِرُوا. وَلِلأَشْرَارِ: لاَ تَرْفَعُوا قَرْناً. ٥ لاَ تَرْفَعُوا إِلَى ٱلْعُلَى قَرْنَكُمْ. لاَ تَتَكَلَّمُوا بِعُنُقٍ مُتَصَلِّبٍ. ٦ لأَنَّهُ لاَ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ وَلاَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ وَلاَ مِنْ بَرِّيَّةِ ٱلْجِبَالِ. ٧ وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ هُوَ ٱلْقَاضِي. هٰذَا يَضَعُهُ وَهٰذَا يَرْفَعُهُ».

(٤) يتابع الله كلامه في هذا العدد الذي ابتدأه في العدد السابق ويخاطب به المفتخرين أي الذين يعتزون بأمجاد هذه الدنيا الفانية وأوهامها الخلابة. إنهم إذا افتخروا فقد سكروا موقتاً بخمرة القوة والجبروت ومتى صحوا من سكرهم يعودون إلى أسوأ مما كانوا فيه. إذا حسبنا هذا المزمور يتناول الكلام عن افتخار أشور فيكون ربشاقي وأصحابه هم الذين يعنيهم بقوله هذا (راجع إشعياء ٣٧: ٢٣ وزكريا ٢: ٤).

(٥) يزيد شرحه عن المعنى نفسه فهو ينصح هؤلاء المتكبرين المتصلفين أن لا يرفعوا قرونهم عالية ولا يصلبوا أعناقهم دليل التمرد والعصيان لأن الله أعلى من كل البشر وهو كما شاء صنع ولا مرد لأحكامه وتصلب الرقبة دليل الجبروت (راجع مزمور ٣١: ١٩ و٩٤: ٤). ورفع القرن هو استعارة من الحيوان الذي يهم بالقتال فهو على أهبة لكي يتصادم مع غيره (راجع ١صموئيل ٥: ٣).

(٦) هنا يعطي تنبيهاً عاماً لجميع الأمم القاطنة في الشرق أو الغرب أو التي في البرية الجنوبية. ولم يذكر الشمال لأن الخطر المداهم هو قادم من هناك على جميع تلك المقاطعات الإسرائيلية التي يجتاحها العدو المغتصب واحدة بعد الأخرى (انظر إشعياء ٣٦: ٦) وبرية الجبال هي البطراء وما جاورها من دولة الأنباط كما عرفت بعدئذ. هوذا الله حاكم على العالمين كلهم (إشعياء ٣٣: ٢٢).

(٧) ولا يطول بالمرنم الوقت حتى يترك الكلام بالنفي ويأتي للإيجاب ويذكرنا أن الله هو الذي يقضي بالعدل والإنصاف. ولأنه كذلك فهو الذي يضع البعض ويرفع الآخرين. هكذا يفعل القاضي فإنه يكتشف المذنب ويقاصه كما أنه يبرر البريء ولا يبقيه في ضيقه وانخذاله. هذا بالعكس عما يفعله البشر الظالمون فإنهم يذنبون البريء ويبرئون المذنب وكلاهما مكرهة عند الرب. إن الله لكي يرى سلطانه الكامل لا يرضى إلا بأن يرى الحق يسود كل إنسان وينقي الباطل ويدوس أصحابه حتى يعودوا إلى الحكمة والرشاد.

«٨ لأَنَّ فِي يَدِ ٱلرَّبِّ كَأْساً وَخَمْرُهَا مُخْتَمِرَةٌ. مَلآنَةٌ شَرَاباً مَمْزُوجاً. وَهُوَ يَسْكُبُ مِنْهَا. لٰكِنْ عَكَرُهَا يَمَصُّهُ يَشْرَبُهُ كُلُّ أَشْرَارِ ٱلأَرْضِ. ٩ أَمَّا أَنَا فَأُخْبِرُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. أُرَنِّمُ لإِلٰهِ يَعْقُوبَ. ١٠ وَكُلَّ قُرُونِ ٱلأَشْرَارِ أَعْضِبُ. قُرُونُ ٱلصِّدِّيقِ تَنْتَصِبُ».

(٨) هوذا الله ذاته يحمل بيده كأساً وهي معدة لتكون شراباً يسقيه لكل من يشاء. وهي ممزوجة بالماء ليس لتخفيفها فقط بل لجعلها أكثر قبولاً لشاربيها (انظر إشعياء ٥١: ١٧) وعلى هؤلاء الشاربين أن يشربوا حتى الثمالة. وأما الأشرار فلهم حثالة الكأس وعكرها لأن الله لا يرضى عنهم (حزقيال ٢٣: ٣٤). وهذه الصورة عن الكأس المترعة خمراً والتي ذكرت من قبل (مزمور ٦٠: ٥) يأخذها الأنبياء ويزيدون عليها معاني وأفكاراً كثيرة وقد ذكرها إشعياء وحبقوق وحزقيال وأما إرمياء فقد أطال كلامه عنها (راجع حزقيال ٢٥: ٢٧ وما بعده و٤٨: ٢٦ و٤٩: ١٢) بينما في (إرميا ٢٥: ١٥) وما بعده يحوك منها قصة رمزية وإذا بها كأس لتسكر الشاربين. وهكذا فإن الأشرار سينالهم القصاص العادل في حينه ولن ينجو من يد الله العادل القاضي والديان لكل إنسان.

(٩) هنا يعود المرنم فليتفت إلى ذاته ويرى حاضره ومستقبله أيضاً. هنا يظهر الاطمئنان والهدوء وبالتالي يبدأ بالترنم فرحاً مسروراً. قد يكون أنه قد لحقه شيء من الاضطهاد والعذاب ولكن ذلك في الماضي وقد نال الأشرار جزاء ما صنعته أيديهم وأما هو الآن فينعم بالراحة والسلام. نعم لقد كان من قبل من تلك الجماعة المضطهدة أما الآن فهو من تلك الجماعة الظافرة المنتصرة (انظر ٢تيموثاوس ٢: ١٢).

(١٠) والسبب في فرحه راجع لأن قوة الأشرار تتحطم لا تستطيع الوقوف في وجه قدرة الله وترتيبه. إن الأشرار هم إلى حين. قد يعتزون ويفتخرون ولكنهم سيضمحلون ويذهبون كالسحاب الذي يطارده الريح. ومن جهة أخرى فإن الأبرار سيكون لهم الراحة والعزة ولا يمكن أن يظلوا في شقائهم واندحارهم لأن هذا أيضاً إلى حين وإذا بالديان الذي بيده ميزان الأرض كلها سوف يعيد الأشياء إلى نصابها المعتاد. وأما الكلام عن القرون فهو كثير (راجع تثنية ٣٣: ١٧ ومراثي ٢: ٣ وخصوصاً الأربعة قرون في زكريا ٢: ١ وما بعده).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى