سفر المزامير | 50 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَمْسُونَ
مَزْمُورٌ لآسَافَ
«١ إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ تَكَلَّمَ، وَدَعَا ٱلأَرْضَ مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا. ٢ مِنْ صِهْيَوْنَ، كَمَالِ ٱلْجَمَالِ، ٱللّٰهُ أَشْرَقَ. ٣ يَأْتِي إِلٰهُنَا وَلاَ يَصْمُتُ. نَارٌ قُدَّامَهُ تَأْكُلُ وَحَوْلَهُ عَاصِفٌ جِدّاً. ٤ يَدْعُو ٱلسَّمَاوَاتِ مِنْ فَوْقُ وَٱلأَرْضَ إِلَى مُدَايَنَةِ شَعْبِهِ. ٥ ٱجْمَعُوا إِلَيَّ أَتْقِيَائِي ٱلْقَاطِعِينَ عَهْدِي عَلَى ذَبِيحَةٍ».
هذا أحد المزامير التي تحمل اسم آساف بأنه ناظمها. ويظهر أن آساف هذا علاوة على كونه أحد أئمة المغنين الذين كانوا ينقسمون إلى هامان ثم آساف ثم أثان كان شاعراً روحياً من الطراز الأول (راجع ٢أيام ٢٩: ٣٠) وكذلك (نحميا ١٢: ٤٦). وله اثنا عشر مزموراً كلها تحمل اسمه ومزاميره هي «إلهية» أكثر مما هي «ربية». ويميل لكلمة العلي في أحيان كثيرة. ولهذه المزامير صفة خاصة بأنها تصور الله يتكلم قاضياً للشعب وللعالم. ثم أيضاً إذا دققنا نظرنا بها نجد أنها تشير إلى يوسف وإلى نسله كثيراً ومن ناحية أخرى تذكر أن الله يرعى شعبه كما يفعل الراعي بخرافه (انظر مزمور ٧٤ و٥٠ و٧٧: ٢١ و٧٨: ٥٢ وقابلها مع المزامير ٧٠ – ٧٢ وأيضاً مزمور ٧٩: ١٣ و٨٠: ٢). ونجد ترديداً متواصلاً للفكرة أن الله لا يرضى بالذبائح الحيوانية بل يهمه القلب وما يقدمه من عبادة روحية مقبولة وهنا مراجعة لما ورد في (١صموئيل ١٥: ٢٢). وقد نحسب صموئيل أباً روحياً لمثل هذه الأفكار في المزامير. ونجد هذه الفكرة تصل للأوج في أقوال إرميا النبي الذي كان من سبط لاوي وكاهناً ومع ذلك تكلم ضد العبادة الطقسية بأجلى وضوح وأعظم بيان (انظر ٧: ٢٢ وما يليه).
(١) نجد أن اسم ذي الجلالة موضوع بشكل متكرر يلفت الأنظار وليس من الضرورة ترجمة هذه الكلمات إله الآلهة الرب هكذا. بل الكلمة الأولى تفيد الكلي القدرة والثانية إلوهيم تفيد صاحب الإكرام والعزة والجلال بينما يهوه تفيد معنى الكائن الذي يجعل التاريخ حسب قصده وطبقاً لمشيئته. وهو يدعو الأرض كلها لتكون شاهدة عل حكمه العادل على شعبه المتعاهد معه. إن الكلام الإلهي يتناول جميع سكان المسكونة لذلك يريد الناظم أن يسمعوه.
(٢) أي إن الله يشرق في هيكله المقدس القائم على جبل صهيون وقوله «كمال الجمال» أي الكامل بجماله ولا مزيد عليه لمستزيد. ويظهر أن النوافذ الشرقية في الهيكل كانت مبنية على شكل يسمح للنور أن يدخل في الصباح ويملأ الهيكل بالبهاء والسناء مما يزيد الشمس إشراقاً جديداً في داخل المكان المقدس (راجع المراثي ٢: ١٥). وقد تكون الترجمة أيضاً «إن من صهيون قد أشرق بكمال جماله» فيكون كمال الجمال لله سبحانه وليس لجبل صهيون. وفي الترجمة اليسوعية يقول «من صهيون ذات الجمال الكامل…».
(٣) يحضر الله أمام شعبه وهو الذي أعطاهم الشريعة ولم يحفظوها وسن لهم النواميس ولم يمشوا عليها. وهو يقاص أولاً بالكلام حتى إذا لم يسمعوا يعود فيقاصهم بالأعمال. ويظهر لهم الآن كما في جبل سيناء وإذا نار قدامه تأكل وحوله الرياح العاصفة. وهو بصوت شديد قوي ينادي شعبه لكي يرعووا عن غيهم ويرجعوا إليه.
(٤) يدعو أهل السموات والأرض ليكونوا شهوداً على دينونة شعبه. هو لا يريد قصاصهم سراً بل علانية ليكونوا عبرة للمعتبرين. ويستبعد أن يكون المعنى أن السموات والأرض تدعو لشعبه للدينونة بل ليكونوا شهوداً (انظر تثنية ٤: ٢٦ و٣٢: ١ وإشعياء ١: ٢). بينما نجد في العهد الجديد أن الملائكة خدامه أكثر مما هم شهود على شعبه (انظر متّى ٢٤: ٣١).
(٥) والذين يدعون للاجتماع هم جماعة المؤمنين «الأتقياء» وقد يكون ذلك من باب التسمية فقط وليس من الضروري أن يكون بالحقيقة. أو أنه قد يكون من باب التهكم فيذكر أنهم أتقياء وقاطعوا عهد وهم بالحقيقة ليسوا أتقياء وينكرون العهود التي قطعوها. لقد حاول هؤلاء الأتقياء أن يتظاهروا بالتقوى ويتمموا طقوسها فكانوا يذبحون الذبائح المطلوبة منهم في أوقاتها ولكن أين إيمانهم مما يفعلون؟
«٦ وَتُخْبِرُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِعَدْلِهِ، لأَنَّ ٱللّٰهَ هُوَ ٱلدَّيَّانُ. سِلاَهْ.٧ اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ. يَا إِسْرَائِيلُ فَأَشْهَدَ عَلَيْكَ. اَللّٰهُ إِلٰهُكَ أَنَا. ٨ لاَ عَلَى ذَبَائِحِكَ أُوَبِّخُكَ، فَإِنَّ مُحْرَقَاتِكَ هِيَ دَائِماً قُدَّامِي. ٩ لاَ آخُذُ مِنْ بَيْتِكَ ثَوْراً، وَلاَ مِنْ حَظَائِرِكَ أَعْتِدَةً. ١٠ لأَنَّ لِي حَيَوَانَ ٱلْوَعْرِ وَٱلْبَهَائِمَ عَلَى ٱلْجِبَالِ ٱلأُلُوفِ».
(٦) وتخبر هنا تفيد معنى تشهد. إن المتكلم كما رأينا في العدد الخامس «اجمعوا إليّ أتقيائي» هو الله «إلههم» الذي له حق أن يقف وجهاً لوجه ضد إسرائيل لأنه هو الرب العظيم الديان. وهنا يذكرهم بشخصه كما في (حزقيال ٢٠: ٢) حينما أعطيت الشريعة الإلهية للشعب من على جبل سيناء. وقوله «السموات» لكي يقابل الكلام بسابقه حينما يخاطب البشر سكان الأرض إذا به يريدهم أن يسمعوا ما تقوله السماء. والواجب أن يسمعوا لئلا يقعوا تحت طائلة القصاص والدينونة.
(٧) هذا الإله العظيم يبدأ بالكلام مخاطباً شعبه وعليهم أن ينتبهوا ويصغوا وبعد أن ذكره بأنه شعبه الخاص عاد أيضاً فأطلق عليه اسمه زيادة في التنبيه. وأراد أولاً الكلام ولكنه في الثاني طلبه للشهادة ضده. وعليه فقط أن يسمع ذلك. وأما موضوع التهمة التي يوجهها الله ضد شعبه فهو الخيانة إذا اتخذوا لأنفسهم آلهة من دون الله وهو الإله المحب الغيور.
(٨) في هذا العدد شيء كثير من روح النبوءة ضد الطقوس وتتميم الرسوم والفرائض الخارجية. ويظهر أن الشعب كان محافظاً على عبادته الطقسية فقدم الذبائح وأصعد المحرقات ولكنه لسوء الحظ قد ترك ما هو أعظم من ذلك كثيراً وهو روح العبادة المخلصة والثقة الحقيقية بانصراف القلب عنه تعالى إلى أشياء أخرى وعبادات باطلة. مع أن الله عليم بكل ما يجري ولا تفوته أدق الأمور لذلك فإن خدع الإنسان الله فما يخدع سوى نفسه فقط.
(٩) إن الله غني بذاته عن كل ما خلقه. وكل شيء يحتاج الله وهو تعالى لا يحتاج لشيء. وهنا يقول أنه لا يأخذ ثور إنسان ولا أعتدة أي تيوس. إذ أن الذبيحة المقدمة لله إنما يرضى عنها فقط ويشتم رائحتها ويبارك الإنسان مقدمها على نسبة روحه التقوية وهذا ليس لأنه تعالى يحتاج لأي طعام كما كان يفتكر الإنسان الفطري القديم.
(١٠) إن مالك الملك العظيم الذي هو وحده يملك حيوانات البرية جميعها أيضاً. كما أنه يملك البهائم والوحوش الضواري وكل أنواعها المنتشرة في سفوح الجبال والوديان والسارحة طلباً للقوت. وقوله على الجبال الألوف أي على ألوف الجبال. وقد تكون الترجمة أيضاً والبهائم على جبالها لأنه قد تكون ألوف الأخيرة بمعنى ثور وتكون حرفياً هكذا «والبهائم على جبال الثيران». والقصد هنا على كل حال أن يرى اتساع ملك الله وكيف أنه يضم هذه المخلوقات كلها.
«١١ قَدْ عَلِمْتُ كُلَّ طُيُورِ ٱلْجِبَالِ، وَوُحُوشُ ٱلْبَرِّيَّةِ عِنْدِي. ١٢ إِنْ جُعْتُ فَلاَ أَقُولُ لَكَ لأَنَّ لِي ٱلْمَسْكُونَةَ وَمِلأَهَا. ١٣ هَلْ آكُلُ لَحْمَ ٱلثِّيرَانِ أَوْ أَشْرَبُ دَمَ ٱلتُّيُوسِ؟ ١٤ اِذْبَحْ لِلّٰهِ حَمْداً، وَأَوْفِ ٱلْعَلِيَّ نُذُورَكَ، ١٥ وَٱدْعُنِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي».
(١١) إن الله عليم بكل شيء لذلك فهو يعلم جميع الطيور الأليفة منها والبرية على السواء (انظر متّى ١٠: ٢٩). كذلك فله وحوش البرية فهي مستوطنة في حمى الله الواسع الذي يشمل العالم كله. وهذه عنده أي في متناول عنايته السرمدية (انظر أيوب ٢٧: ١١ و١٠: ١٣).
(١٢) وهل يشبه الله الإنسان بحاجته للطعام؟ ثم أليس له المسكونة كلها يتصرف بها كيف شاء. فهو لا يجوع ولا يحتاج لأن منه البركات جميعها. هو الخالق المبدع وهو المدبر والمعتني بكل شيء.
(١٣) وهنا يتساءل هل الله يهتم بالذبائح بالنسبة لأنه يأكل هذه اللحوم ويتغذى بها كما يفعل الإنسان؟ وهل شرابه من دمائها يا ترى؟ وهنا إشارة إلى ما كان يفعل بالذبائح من جهة لحمها ودمها. وكان الدم يرش ويسكب تقدمة ثمينة لله. وكان الإنسان القديم يعتقد أن الحياة في الدم ذاته لذلك كان يسكبه أمام الله بصفته أنه أثمن شيء يقدم لله.
(١٤) ولكن ما نفع هذه الذبائح المقدمة؟ وما أهمية هذا الدم المراق؟ فيلتفت المرنم إلى جوهر العبادة ولباب الدين ويخبرنا أن الذبح المقبول هو الحمد والتسبيح. إن العبادة هي ما يتناول القلب والضمير وينير الأفكار والحياة. لقد كانت الذبائح الطقسية هامة جداً (راجع لاويين ٧: ١١ – ١٥ وأيضاً لاويين ٧: ١٦). ولكن في هذا العدد يوجه قلب الإنسان لمطلب أدبي أسمى من المطالب المادية جميعها. بل يطلب أن يقدم الإنسان بما يتعهد به ويوفي الوعود والنذور.
(١٥) وإذا تممنا هذه العهود ووفينا بالنذور بكل أمانة وإخلاص حينئذ نجد أن هذه الديانة الحقة ترافقنا في حياتنا اليومية. حينما يأتينا الضيق نجد أنفسنا مدفوعين بعامل الخشوع والورع أن ندعو الله وهو يخلصنا إلى التمام وينقذنا من جميع ضيقاتنا (انظر أمثال ٢١: ٣) فترى بذلك ما يقوله الحكيم في أمثاله ثم انظر (هوشع ٦: ٦ وميخا ٦: ٦ – ٨ وإشعياء ١: ١١ – ١٥) وأيضاً في مواضيع كثيرة غيرها نجد أن الأنبياء قد فهموا معنى الديانة الحقة وأظهروا للناس ما يريد الله من شعبه حتى نصل أخيراً إلى قول السيد المسيح «اَللّٰهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا ٤: ٢٤).
«١٦ وَلِلشِّرِّيرِ قَالَ ٱللّٰهُ: مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي وَتَحْمِلُ عَهْدِي عَلَى فَمِكَ، ١٧ وَأَنْتَ قَدْ أَبْغَضْتَ ٱلتَّأْدِيبَ وَأَلْقَيْتَ كَلاَمِي خَلْفَكَ. ١٨ إِذَا رَأَيْتَ سَارِقاً وَافَقْتَهُ وَمَعَ ٱلزُّنَاةِ نَصِيبُكَ. ١٩ أَطْلَقْتَ فَمَكَ بِٱلشَّرِّ وَلِسَانُكَ يَخْتَرِعُ غِشّاً».
(١٦) هنا يبدأ بالشكوى على الأشرار الذين يجاهرون بشرهم ولا يستحون من حالة سيئة وصلوا إليها ومع ذلك فهم هنا يتظاهرون بإتمام الفرائض ويضعون في أفواههم كلاماً لا ينطبق على حقيقة حالهم. هم أناس لهم ديانتهم الخاصة أو طائفتهم الدينية الخاصة التي تخدم مصالحهم الذاتية دون أي عمق في الحياة الروحية الحقة. هم الذين قد يقومون ببعض الحسنات ويتممون ظاهرياً ما يأمر به الدين ولكن هذا لا ينطبق على حقيقة حالهم الروحية لأن أعمالهم تخالف تقواهم الظاهرية مخالفة صريحة. وقوله «ما لك تحدث الخ» هنا استفهام التوبيخ وإن الله لا يتعرفهم ولا يقبل فرائضهم قط.
(١٧) وحالة هذا الشرير هي هكذا لأمرين: الأول لأنه أبغض التأديب أي لم يتعظ بالحوادث التي مرت عليه ولم يستفد لكي يرجع عن غيه إلى الصواب ولم يصلح نفسه مما ارتكبه من الأخطاء. والثاني لأنه ألقى كلام الله خلفه بدلاً من أن يضعه قدامه (راجع إشعياء ٤٨: ١٧). لكي يكون للتأديب أثره الفعال في النفس علينا أن نقبله ونعتبره درساً ثميناً وإن يكن صعباً بعد الأحيان لكي نستفيد في حياتنا الروحية (انظر ٢تيموثاوس ٣: ١٦ و١٧). هكذا علينا أن نتبع كلام الله.
(١٨) يبدأ بتعداد المخالفات التي يخالف بها الشرير وصايا الله تعالى. وإذا المخالفة الأولى تتناول كسر الوصية الثامنة فهو يسرق ويوافق السارقين على أفعالهم الشنيعة. ثم يخالف الوصية السابقة إذ هو بين الزناة الفاسقين أيضاً. هاتان الرذيلتان تتناولان الأعمال الشريرة التي تعتدي على حقوق الآخرين أو شرفهم وكرامتهم. فالسارق ينهب المال وأما الزاني فينهب الشرف ويعتدي على أقدس ما يملكه الإنسان وهو عرضه وإباؤه.
(١٩) وهنا يتابع وصف الشرير فهو لا يكتفي بأعماله القبيحة واعتدائه بل هو شرير أيضاً بلسانه فقد أطلق فمه بالقدح والمذمة والاغتياب والنميمة. وفي هذا مخالفة أخرى لوصايا الله (الوصية التاسعة) «لا تشهد على قريبك شهادة زور…» (انظر لاويين ١٩: ١٤) فهذا الشرير يتناول الهزء بالناس والتعريض والنكاية بهم ولا يهمه في الأمر شيئاً سوى التشفي والانتقام. وأغلب كلامه إن لم يكن كله هو من باب الكذب والافتراء وانتهاك حرمة الناس والحط من كرامتهم.
«٢٠ تَجْلِسُ تَتَكَلَّمُ عَلَى أَخِيكَ. لٱبْنِ أُمِّكَ تَضَعُ مَعْثَرَةً. ٢١ هٰذِهِ صَنَعْتَ وَسَكَتُّ. ظَنَنْتَ أَنِّي مِثْلُكَ. أُوَبِّخُكَ وَأَصُفُّ خَطَايَاكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ. ٢٢ ٱفْهَمُوا هٰذَا يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُونَ ٱللّٰهَ، لِئَلَّا أَفْتَرِسَكُمْ وَلاَ مُنْقِذَ. ٢٣ ذَابِحُ ٱلْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي، وَٱلْمُقَوِّمُ طَرِيقَهُ أُرِيهِ خَلاَصَ ٱللّٰهِ».
(٢٠) ومما يزيد في الجرم هو أن هذه الشرور موجهة إلى أخيه وابن أمه فبدلاً من أن يبادله المودة ويعاونه على احتمال مصائب الحياة إذا به سبب عثرة وانحطاط. وفي جلوسه على هذه الصورة دليل الكسل والبطالة فهو إذاً من أولئك الناس الذين يتكلمون كثيراً ويلقون الكلام على عواهنه غير حاسبين للعواقب حساباً. وقوله ابن أمك ولم يقل ابن أبيك فقط دليل الزيادة في القربى فهو لحمك ودمك أي ابن أبيك وأمك إذ كانت العادة أن يتزوج الرجل أكثر من امرأة واحدة (انظر رومية ٢: ١٦ – ٢٤).
(٢١) هنا ينتهي المرنم وهو يتكلم باسم الرب من تعداد شرور الخاطئ وآثامه في الفكر والقول والعمل ثم يقول له مع ذلك كله قد سكت عنك ولم أحسابك عما اقترفته ولكن لم ترعو فبدلاً من أن ترى وتفهم معنى حلم العلي تماديت في الإثم وظننت الإله العظيم مثلك. وما أكثر الخطايا التي يقترفها الناس لحسبانهم متوهمين أنه هكذا يريد الله فيفسرون الأشياء على غير حقيقتها ويجعلون الله مسؤولاً عن جرائم هم ارتكبوها. ولكن يعود المرنم للتوبيخ ولإزالة الوهم العالق في الذهن ويرى إن أفضل شيء لرجوع الخاطئ هو أن يرى هذا الخاطئ ذنبه ويتوب عنه وبدون التوبة الحقيقية لا يمكن أن يكون غفران.
(٢٢) وبكل قوة وبلاغة يلتفت الناس جميعاً وبطريقة بليغة بارعة يريدهم أن يرجعوا إلى إلههم. ذلك لأنهم قد نسوا ما هم فيه وتعلقوا بأوهام لا قبل لهم على الخلاص منها. وإذا استمروا في غوايتهم ولم يرعووا عن جهلهم فإن الله لا يتراجع عن إنزاله بهم أشد العقوبة والقصاص وكأنه يفترسهم كما يفعل الأسد. في هذين العددين الأخيرين يصل للخلاصة وعادة تحوي الخلاصة أسمى ما يريد الكاتب أو المتكلم أن يتركه في قلوب السامعين.
(٢٣) وهنا يعود للجهة الإيجابية فإن كان الناس لا يفهمون يقعون إذاً تحت القصاص ولكن المؤمن الحقيقي يمجد الله بسيرته وأفعاله وحينئذ إذا عاش شريفاً وسار مستقيماً في طريق الحياة فله الخلاص والسعادة. إن الذي يتطلع مستقيماً ولا اعوجاج في طريقه فهو لا شك سينظر إلى بعيد ويتضح أمامه الهدف. وهنا يسمو المرنم في تفكيره سمواً عظيماً ويراجع ما أورده في العدد ١٤ من المزمور ذاته. إذ يترك في ذهن القارئ ما يريد أن يصف به معنى الديانة الحقة التي تتناول الحياة لا الظواهر وتؤثر في القلب لا في إتمام المراسيم الخارجية.
السابق |
التالي |