سفر المزامير | 47 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُونَ
لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِبَنِي قُورَحَ. مَزْمُورٌ
«١ يَا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ صَفِّقُوا بِٱلأَيَادِي. ٱهْتِفُوا لِلّٰهِ بِصَوْتِ ٱلٱبْتِهَاجِ. ٢ لأَنَّ ٱلرَّبَّ عَلِيٌّ مَخُوفٌ، مَلِكٌ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ. ٣ يُخْضِعُ ٱلشُّعُوبَ تَحْتَنَا وَٱلأُمَمَ تَحْتَ أَقْدَامِنَا. ٤ يَخْتَارُ لَنَا نَصِيبَنَا، فَخْرَ يَعْقُوبَ ٱلَّذِي أَحَبَّهُ. سِلاَهْ».
هذا المزمور هو أغنية رأس السنة مع المزمور الحادي والثمانين. ولأنه يذكر في العدد الخامس «صعد الله بهتاف…» فهو يستعمل لعيد الصعود في الكنيسة المسيحية. ومن جهة أخرى فهو مزمور يحيي الانتصار العظيم الذي أحرزه شعب الله على الأمم حولهم (راجع ٢أخبار ٢٠: ٢٩) وذلك على الأرجح. أيام حكم يهوشافاط في القرن الثامن ق.م. على الأرجح. والمرنم يطلب الخضوع من جميع الأمم إذ أن حكم الله عليهم ليس بالخوف بل بالفرح وهو سيكون إلههم كما هو إله إسرائيل وهذا اتساع في فهم مقاصد الله وعدم حصر محبته بأمة معينة.
(١) يخاطب جميع الأمم ويطلب منهم أن يظهروا علامات الابتهاج بالتصفيق ويهتفوا لأن الابتهاج يملأ قلوبهم ويكون في رنة أصواتهم ما يؤكد فرحهم هذا. على الجميع أن يخضعوا لله لأن ملكوته يعمهم وشريعته الإلهية فوق أفهامهم وعليهم أن يطيعوها.
(٢) إن الله لا يساكن الناس إذ هو عالٍ فوقهم وعليهم أن يخافوه ويهابوه لأنه ملك وسلطته على الأرض كلها كما في السموات. ولا شك أن المرنم يأخذ الاستعارة من الحياة الشرقية وكيف كان الناس يحترمون ملوكهم ويرعون حرمتهم ويكونون لهم عبيداً مدى الحياة.
(٣) هنا اختبار لبني إسرائيل كيف أنهم انتصروا على الأمم حولهم وينسبون انتصارهم هذا لفضل الله عليهم وحسن عنايته بهم ونعمته. والمرنم يستخلص من حوادث تاريخية واقعية ما يستطيع أن يعلنه عن قدرة الله فيقول «يخضع الشعوب تحتنا». ومن هنا نرى أن المرنم لا يدعو الأمم كلها إلى جامعة تضمها أو إلى هيئة أمم متحدة تجمعها بنظام شامل يسود الجميع بل يهمه أن يخبر أن الله قد أولى شعبه نصراً مبيناً وعلى الشعوب كلها أن تخضع وتسلّم لمشيئته.
(٤) في قوله «يختار» ليس من الضروري معناه الحاضر والمستقبل بل كما في (عدد ٢٣: ٧ وقضاة ٢: ١) فالكلام هو عن حدث تاريخي كيف إن الله أعطى الأرض ميراثاً لشعبه. فالله هو مالك الأرض وإليه مرجعها كما في عصر الإقطاع مثلاً وإنما يعطيها حصناً لمن يعملون فيها. وقد سمى هذه الأرض «فخراً» بالنسبة لأنه أعطيت نتيجة المحبة لشخص محبوب هو يعقوب (راجع عاموس ٦: ٨ ونحميا ٢: ٣ وكذلك إشعياء ١٣: ١٩).
«٥ صَعِدَ ٱللّٰهُ بِهُتَافٍ، ٱلرَّبُّ بِصَوْتِ ٱلصُّورِ. ٦ رَنِّمُوا لِلّٰهِ رَنِّمُوا. رَنِّمُوا لِمَلِكِنَا رَنِّمُوا. ٧ لأَنَّ ٱللّٰهَ مَلِكُ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا رَنِّمُوا قَصِيدَةً. ٨ مَلَكَ ٱللّٰهُ عَلَى ٱلأُمَمِ. ٱللّٰهُ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ قُدْسِهِ. ٩ شُرَفَاءُ ٱلشُّعُوبِ ٱجْتَمَعُوا. شَعْبُ إِلٰهِ إِبْرَاهِيمَ. لأَنَّ لِلّٰهِ مَجَانَّ ٱلأَرْضِ. هُوَ مُتَعَالٍ جِدّاً».
(٥) حينما نقول «صعد الله» فهنا نفترض أنه نزل من قبل وقصد نزوله هو أن يتمم بعض المواعيد التي قطعها على نفسه (تكوين ١٧: ٢٢ وقضاة ١٣: ٢٠) وكذلك لكي يجري عملاً قضى به (مزمور ٧: ٨ و٦٨: ١٩) وهنا الله قد نزل لكي يحارب عن شعبه. وهو الآن يعود لعرشه بينما الشعب يعود لأورشليم وأما عرشه ففوق صهيون وفي السماء. «الهتاف» أي هتاف الشعب لدى الانتصار. والصور أي بواسطة الأبواق التي تعلنه أولاً (راجع ٢أخبار ٢٠: ٢٦ وما بعده).
(٦) هنا يطلب أن يزيد الشعب ترنيماً أولاً لأنه الله وبعد ذلك يكرر الطلب لأنه الملك الظافر على الشعوب كلهم. فهو يرى أن هذه الأصوات الفرحة المهللة يجب أن تتجاوب أصداؤها في كل مكان وتسمع في الأودية والناس عائدون لوطنهم ظافرين ويسيرون بخطى قوية متزنة على إيقاع الموسيقى وعلى هتاف الفرح والابتهاج بالغلبة. وتكرار الأمر رنموا هو للتوكيد ولزيادة التأثير في النفس البشرية.
(٧) وأما السبب في هذا الترنيم فجوهري وذلك لأن الله قد ملك وانتصر وملكه على الأرض كلها. لقد كانت الأفكار الضيقة ترى الله «يهوه» حاكماً على أرض إسرائيل فقط ولكن عقب هذا الانتصار على الأمم المجاورة أصبح الله هو الحاكم عليهم أيضاً ومدى سلطانه يسودهم على السوا. وأما الترنيم بواسطة قصيدة لأن ذلك يربط المعاني بعضها ببعض لأن الحوادث التي جرت تستدعي أن تدون وتحفظ على مر السنين الطوال (انظر رؤيا ١١: ١٥ – ١٨).
(٨) لقد نزل الله وحاز انتصاراً حاسماً ثم عاد للسماء من حيث جاء. وبواسطة هذا الانتصار يرى الشاعر كما بمرآة إن الله سيحكم على الأمم جميعهم وهكذا يختم تاريخ النضال والنزاع بين الأمم لأن الله مالك عليهم جميعاً.
(٩) الشرفاء في الكلمة العبرانية تفيد أولئك الذين ينتدبون للأمور الهامة فهم ممثلو الشعب والمتكلمون باسمه والساعون في سبيل خيره. هؤلاء الشرفاء قد اجتمعوا بشعب إله إبراهيم (وهو أب الآباء) لكي يفوا بالوعد الذي قطعه الله قديماً. «وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض». هو الله وحده الذي له السلطان كله وهو فوق الجميع (انظر ١صموئيل ٢: ٨) والله في عرشه ينال كل المجد والتكريم من الشعوب كلهم لأنه مستحق.
السابق |
التالي |