سفر المزامير | 16 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ
مُذَهَّبَةٌ لِدَاوُدَ
«١ اِحْفَظْنِي يَا اَللّٰهُ لأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. ٢ قُلْتُ لِلرَّبِّ: أَنْتَ سَيِّدِي. خَيْرِي لاَ شَيْءَ غَيْرُكَ. ٣ ٱلْقِدِّيسُونَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَٱلأَفَاضِلُ كُلُّ مَسَرَّتِي بِهِمْ. ٤ تَكْثُرُ أَوْجَاعُهُمُ ٱلَّذِينَ أَسْرَعُوا وَرَاءَ آخَرَ. لاَ أَسْكُبُ سَكَائِبَهُمْ مِنْ دَمٍ، وَلاَ أَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمْ بِشَفَتَيَّ. ٥ ٱلرَّبُّ نَصِيبُ قِسْمَتِي وَكَأْسِي. أَنْتَ قَابِضُ قُرْعَتِي. ٦ حِبَالٌ وَقَعَتْ لِي فِي ٱلنُّعَمَاءِ، فَٱلْمِيرَاثُ حَسَنٌ عِنْدِي».
(١) مذهبة واردة في المزامير ٥٦ – ٦٠ فهي ذات معنى موسيقي وضعي. وقد لاحظ بعض المفسرين أن هذا المزمور وأمثاله «المذهبات» يتقدمها كلمات قلت وأقول الخ. وكذلك يكون فيها قرار يكثر ترديده مثل «فلا أخاف ماذا يفعل بي الإنسان». وكاتب هذا المزمور هو في خطر الموت. وهو صديق لله. وليس في هذا المزمور أي تشك أو تذمر بل يوجد تسليم كامل لمشيئة الله. لذلك نجد هدوءاً وسكينة من أوله إلى آخره.
(٢) هنا تصريح واضح بالخلوص للرب خلوصاً تاماً. وبأنه هو مصدر كل خير وبدونه لا خير البتة. ليس إنه سيد فقط بل هو سيدي. ولأنه كذلك فهو مصدر «خيري» وليس فقط مصدر الخير بصورة عامة. ما أسمى هذا الانصراف لله والاعتراف بسيادته علينا لذلك هو كل الخير لنا.
(٣) ويمكن ترجمتها «هم الأفاضل وكل مسرتي بهم». وقوله الذين في الأرض لكي يلتفت عن الرب الذي في السماء وهو سيده بينما هؤلاء هم سروره. إذاً فهو يحب الله ويحب قديسيه. والقديسون هم الذين يتممون مشيئة الرب ووصاياه (انظر حزقيال ١٩: ٦ وتثنية ٧: ٦) ويوجد قديسون في السماء (راجع مزمور ٨٩: ٦).
(٤) أما الذين تركوا وارتدوا لآخر فهو لا يمشي مشيتهم بل يأنف عن أن يذكر أسماءهم بشفة. فهو لا يقدم تقدمة شراب كما يقدمون لأنهم يقدمون بأيدٍ ملطخة بالدم.
(٥) الرب قسمتي وهذه الكلمة ذاتها تستعمل في (عدد ١٨: ٢٠) حينما يذكر أن لاوي نصيبه أو قسمته الرب فليس لهم أشياء مادية تخص الدنيا بل نصيبهم روحي وقسمتهم في السماء. وفي ترجمة أخرى «أنت توسع قرعتي». أي توسع مكان سكناي وترحبه لي. هذا النصيب الذي ملكته سيكون رحيباً.
(٦) كان نصيبه في وقت سعيد (انظر أيوب ٣٦: ١٢) أو في مكان موفق. لذلك فما ورثه مقبول وحسن لديه. وحيث أن المعطي قد باركه بهذه العطية وهذا الميراث لذلك يشير أنه في فردوس من النعيم. واستعماله للجبال هو أنها تدل على الحدود في الأرض التي كانت نصيبه. ولأن الرب نصيبه لا الأرض لذلك يسعد بالميراث.
«٧ أُبَارِكُ ٱلرَّبَّ ٱلَّذِي نَصَحَنِي، وَأَيْضاً بِٱللَّيْلِ تُنْذِرُنِي كُلْيَتَايَ. ٨ جَعَلْتُ ٱلرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ. لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلاَ أَتَزَعْزَعُ. ٩ لِذٰلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَٱبْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. ١٠ لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. ١١ تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ ٱلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شَبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى ٱلأَبَدِ».
(٧) إن الإنسان بدون نصيحة إلهه وبدون إرشاد روحه لا يستطيع الخلاص وإذا تركنا لأنفسنا فإننا نختار الأردأ وليس الأفضل. وكانت الكلي في ذلك الزمان تحسب مركزاً للضمير في الإنسان. لقد نصحني الله أن أختار سبيل الحياة فإذا لم أفعل ذلك هلكت. وأما قوله «بالليل تنذرني…» أي إنه بتأملاته الروحية التي قد يتأملها ليلاً وانصرافه لله يرى أخيراً كيف يسير.
(٨) وحينما واصل تفكره هذا وصلاته شعر أن الله قريب إليه عن يمينه وهذا دليل قربه إليه وكذلك دليل أهمية مركزه في قلبه فهو ليس عن اليسار كأنه في محل ثانوي بل هو في أحسن محل وأسمى مقام.
(٩) هو فرحان لأن أعظم الآمال أصبحت أمامه وهو يقابل الموت الآن والابتسامة على محياه حتى أن جسده يستطيع أن يستقبل الموت بكل اطمئنان. ينظر الموت وجهاً لوجه بكل هدوء وسكنية غير مهتم بشيء (انظر تثنية ٣٣: ١٢ و٢٨ وأمثال ٣: ٢٤).
(١٠) إي أنه لا يتركه يصل بحالته لحالة أهل القبور (راجع مزمور ٨٩: ٤٩) وهذا العدد مقتبس (لوقا ٢: ٢٦ ويوحنا ٨: ٥١). معلوم أنه في الحالات الطبيعية متى مات الجسد فإنه يعتريه الفساد ويضمحل. لذلك فنظر المرنم هو بعدم الموت أي للبقاء والخلود مع الله. ويعني بقوله «تقيك» أي هو نفسه.
(١١) في هذا العدد لا يكتفي بعبارات التقي بأنه لا يضمحل. بل يجعله يحيا (انظر تثنية ٣٠: ١٥) أي الحياة مع الله وبالله. لأن بدون ذلك يكون الموت الأبدي. ثم يذكر أنه يرى الله ولذلك فهو في سرور مقيم. يشبع من السرور. بل يتناول نعماً من يمين الله ذاته فلم يكون في ما بعد أي كدر أو انزعاج. إن الله دائما يعطي خيرات عظيمة ولا يفرغ ما لديه قط.
في (سفر الأعمال ٢: ٢٩ – ٣٢ و١٣: ٣٥ – ٣٧) حينما يقتبس هذا المزمور يرى الكاتب أن إتمام النبوة لم يكن بدواد بل بالمسيح.
السابق |
التالي |