سفر المزامير | 14 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ
لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِدَاوُدَ
يظهر هذا المزمور بمعناه في المزمور الثالث والخمسين ولكن الفرق بينهما هو أنه يستعمل كلمة الرب بينما ذاك يستعمل كلمة الله.
«١ قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلٰهٌ. فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً. ٢ اَلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ ٱللّٰهِ؟ ٣ ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ».
(١) لا يعلم تماماً ما هو الظرف الذي كتب فيه المزمور وقد لا يكون لغير ظرف بل يقصد به وصف الطبيعة البشرية الساقطة التي يحوجها الخلاص. ونرى في (رومية ٣: ١٠ و١٩) بعض الفقرات منه قد اقتبسها الرسول بولس لكي يبرهن أن كلا اليهود والأمم هم في حالة تتطلب الخلاص الذي أعده الله للجميع. نجد في المزامير من الثالث إلى هذا المزمور ما عدا الثامن تذمراً واضحاً عن حالة الأشرار. الخطيئة هي مرض البشرية المتأصل فيها وهنا المرنم يصور أمرين:
الأول: إن الجاهل يكفر بالله وبوجوده. قد لا يتجاسر بعض الأحيان أن يبوح به للناس فيهمس بذلك في قلبه. الثاني أن الخطأة قد فقدوا النعمة وهكذا قد فسدت طبيعتهم ورجست أفعالهم وعملوا الشر بدل الصلاح.
(٢) والله يعرف هذه الحالة السيئة المشار إليها لأنه يشرف على جميع البشر ويختبر سرائرهم. إن الله شاهد بذلك بل شاهد عيان يرى ويتألم لهذه الحالة السيئة. إن الشر يسري في البشر كالعدوى وهم يميلون إليه ويمارسونه بسرعة أكثر جداً مما لو دعوا للخير والإحسان.
(٣) وهنا يذكر ما شاهده فيهم فوجد أولاً الزيغان عن الوصايا فوق فساد الطبيعة وبالتالي فهم لا يستطيعون أن يعملوا صلاحاً لأن ذلك مخالف لطبيعتهم التي هم فيها. إن الزيغان معناه الضلال عن طريق الحق والصواب إذاً هو يتناول السيرة أكثر مما يتناول الطبيعة وأما الفساد فيتناول الطبيعة ذاتها. وهكذا فإن عدم عملهم الصلاح هو بسبب انعدام الحياة الروحية فيهم.
وسيعرف حالة كل إنسان حينما يقف لدى الديان ليقدم الحساب الأخير (انظر ١كورنثوس ٤: ٣ – ٥).
«٤ أَلَمْ يَعْلَمْ كُلُّ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ ٱلْخُبْزَ، وَٱلرَّبَّ لَمْ يَدْعُوا. ٥ هُنَاكَ خَافُوا خَوْفاً لأَنَّ ٱللّٰهَ فِي ٱلْجِيلِ ٱلْبَارِّ. ٦ رَأْيَ ٱلْمِسْكِينِ نَاقَضْتُمْ لأَنَّ ٱلرَّبَّ مَلْجَأُهُ. ٧ لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلاَصَ إِسْرَائِيلَ. عِنْدَ رَدِّ ٱلرَّبِّ سَبْيَ شَعْبِهِ يَهْتِفُ يَعْقُوبُ وَيَفْرَحُ إِسْرَائِيلُ».
(٤) إن فاعلي الإثم هنا ليس ضرورياً أنهم خارج بني إسرائيل فهم يضطهدون إخوانهم ويظلمونهم ويسلبون حقوقهم كأنهم يأكلون الخبز ولا يزال التعبير العامي للآن (يأكولون حقوق غيرهم) وكان الأجدر بالإسرائيليين الذين لهم الناموس والشرائع والأنبياء أن يمتازوا عن غيرهم ولكن هي طبيعة البشر الفاسدة (انظر إشعياء ٣: ١٣ – ١٥) فإن حاكم الأرض كلها يخاطب رؤساء إسرائيل بنوع خاص. ونلاحظ أن الكلام هنا بشكل سؤال ألم يعلموا؟ بينما الجواب هو في العدد الخامس بشكل إيجابي حازم.
وقد يكون المعنى أن هؤلاء الأشرار أصبحوا يقترفون شرورهم كأمر عادي كما يأكلون الخبز ولا يحسبون حساباً لذلك (انظر ميخا ٣: ١ – ٣).
(٥) هنا الله يخيفهم فقد أطال أناته عليهم فلم يرتدعوا والآن ينالون الجزاء. والله ينظر إلى شعبه البار الذين يحفظون وصاياه ويتممون مشيئته.
(٦) ليس فقط ناقض بل قاوم وهزأ به وجعله يخجل من نفسه. فكما أن الناس الصالحين الذين يحاولون عمل مشيئة الرب يصادفون اضطهاداً من الأشرار وسخرية. هم أبناء العالم وأبناء إبليس فلا عجب أن يكونوا كذلك. ولكن جميع مساعيهم هي بلا جدوى لأن الله ملجأ الصالحين. يكفي هؤلاء المساكين أن يشعروا بحضور الله فيما بينهم ليكونوا مطمئنين غير خائفين.
(٧) من هذا العدد نستنتج أن هذا المزمور قد يكون بعد السبي أو إن هذا العدد نفسه قد زيد عليه على مرور السنين. فلم يكن للإسرائيليين من أمل بالرجوع إلا إلى صهيون. بل أن أورشليم هي قبلة أنظارهم (راجع دانيال ٦: ١١). وحيئنذ يكون الفرح والهتاف بهذا الخلاص الذي أعده الله لشعبه.
السابق |
التالي |