سفر المزامير

سفر المزامير | 12 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر المزامير

للقس . وليم مارش

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى «ٱلْقَرَارِ». مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ

«١ خَلِّصْ يَا رَبُّ لأَنَّهُ قَدِ ٱنْقَرَضَ ٱلتَّقِيُّ، لأَنَّهُ قَدِ ٱنْقَطَعَ ٱلأُمَنَاءُ مِنْ بَنِي ٱلْبَشَرِ. ٢ يَتَكَلَّمُونَ بِٱلْكَذِبِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ صَاحِبِهِ، بِشِفَاهٍ مَلِقَةٍ، بِقَلْبٍ فَقَلْبٍ يَتَكَلَّمُونَ. ٣ يَقْطَعُ ٱلرَّبُّ جَمِيعَ ٱلشِّفَاهِ ٱلْمَلِقَةِ وَٱللِّسَانَ ٱلْمُتَكَلِّمَ بِٱلْعَظَائِمِ، ٤ ٱلَّذِينَ قَالُوا: بِأَلْسِنَتِنَا نَتَجَبَّرُ. شِفَاهُنَا مَعَنَا. مَنْ هُوَ سَيِّدٌ عَلَيْنَا؟».

(١) إن هذا المزمور يتبع الحادي عشر بصورة مناسبة للغاية فهو صلاة لأجل تخليص المساكين والمتضايقين في زمن انتشرت فيه روح الكبرياء والتمرد على العلي كما انتشرت الفوضى الأخلاقية وانحطت الآداب وهو مزمور موضوع على غرار سابقه وكانت قد ترقت الموسيقى إلى درجة بعيدة في عصر داود كما كانت الأخلاق بعيدة عن الكمال. فكان المؤمنون يعيشون كشهداء في وسط جيل معوج وملتوٍ.

(٢) هنا يرى المرنم الكذب منتشراً بين الناس والشفاه ملقة والقلب غير مخلص (بقلب فقلب) كإنما بقلبين وليس بقلب واحد. وقال السيد المسيح من فضلة القلب يتكلم الفم فإذاً عدم الإخلاص يبدأ بالقلب أولاً. وأعظم هذه الأكاذيب هي في الصداقة إذ إن الواحد يدعي الأخوة للآخر وهو بعيد عنها (راجع ٢تيموثاوس ٣: ١) فإن الأيام الشريرة ليست بالنسبة لقلة الدراهم وكساد التجارة بل بالنسبة للانحطاط الأخلاقي.

(٣) وقوله العظائم فإن الأفضل أن تترجم «الكبائر» أي الذنوب الكبيرة التي نقترفها ضد اسم الله. وفي قوله يقطع هنا تهديد صارم وتوبيخ لكي يرعوي الجاهل عن جهله ويعود الشرير عن شره وهكذا ينال الخلاص.

والشفاء ثم قوله اللسان من قبيل الترادف والتوكيد وهو كثير في العبرانية كما نلاحظ.

(٤) إن اللسان يستطيع أن يدعي كل شيء ويصبح خارجاً عن المعقول لدرجة أنه يكفر بالله تعالى. فلا يكتفي الأشرار أن يكذبوا بل هم يفتخرون بكذبهم كأنهم لم يفعلوا شيئاً يستحقون عليه التوبيخ وهذا منتهى الوقاحة.

هنا ادعاء فارغ بالذات وتعظم على العلي الذي بيده كل شيء. ولو عقلوا قليلاً لكانوا يتساءلون ومن صنع الفم واللسان أليس الله؟ إذاً فعلى اللسان أن يسبح لاسمه العظيم. لقد قال هؤلاء الأشرار كما قال فرعون قديماً (خروج ٥: ٣). يدعي الشرير أنه يملك لسانه وهذا باطل إذ الحق أن لسانه يملكه.

«٥ مِنِ ٱغْتِصَابِ ٱلْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ ٱلْبَائِسِينَ، ٱلآنَ أَقُومُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. أَجْعَلُ فِي وُسْعٍ ٱلَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ. ٦ كَلاَمُ ٱلرَّبِّ كَلاَمٌ نَقِيٌّ، كَفِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ فِي بُوطَةٍ فِي ٱلأَرْضِ، مَمْحُوصَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ. ٧ أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُهُمْ. تَحْرُسُهُمْ مِنْ هٰذَا ٱلْجِيلِ إِلَى ٱلدَّهْرِ. ٨ ٱلأَشْرَارُ يَتَمَشُّونَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عِنْدَ ٱرْتِفَاعِ ٱلأَرْذَالِ بَيْنَ ٱلنَّاسِ».

(٥) إن الله يقوم للنجدة. فهو سامع لصراخ البائسين ولا يتركهم من رحمته قط. وقوله «من» هنا ضعيفة جداً والأفضل أن تترجم «لأجل» فإن قيام الرب هو لهذا السبيل. والله يجعل من العسر سعة للذين يؤمنون. فلا يترك الشرير ينفخ أو ينتفخ أو ينفث من شره ولا من يحاسبه لأنه الله سيقوم ويسمع ويحاسب إلى التمام.

(٦) هؤلاء الأنقياء الأمناء إذ أن تقواهم يجب أن تطبق عملياً في الحياة اليومية. هؤلاء يرون كلام الله أنه نقي طاهر يشبه ببياضه الفضة المصفاة والمكررة بتصفيتها مرات عديدة لأنه بلا زغل البتة. والفضة هي المعدن الأساسي قديماً للتعامل فهو قبل الذهب وشائع أكثر منه لأنه أرخص. وقوله سبع مرات دليل العدد الكامل أي أنه مصفى إلى التمام.

(٧) الرب يحفظ هؤلاء الأنقياء فلا يصيبهم أخيراً أي مكروه. بل هو يسهر عليهم ويحرسهم على الدوام. وهنا يعود لبدء المزمور فهو لا يتخلى عن أولاده طالما كلامه حق وطاهر لذلك فهو يحفظ ويحرس الأتقياء الطاهرين ولا يتركهم لرحمة مضطهديهم والقائمين عليهم للكيد والمضرة. وهو يطلب الحراسة من هذا الجيل الشرير وإلى الأجيال التي تليه.

(٨) هنا «ارتفاع» تتناول أنهم يصبحون ذوي السلطة والنفوذ. وقوله يتمشون من كل ناحية أي يكثرون وتكثر حركتهم ويمتد عملهم كإنما كل شيء لهم ولا يحسبون لأحد حساباً (راجع أمثال ٣٠: ١١ – ١٤) حيثما يصف الحكيم بكلام مؤثر حالة الأمة المنحطة التي تسير نحو الدمار والاضمحلال.

الأشرار لا يستطعيون السيادة والذهاب والإياب كما يشاؤون إلا بعد أن يسندهم الأراذل الذين يصلون إلى كراسي الحكم ولا يستطيعون البقاء فيها ربما إلا بعد أن يدعمهم مثل هؤلاء.

ربما كان استطاع المرنم أن ينهي المزمور بالعدد السابع ولكنه يعود فيؤكد ما ابتدأ به من شرّ هؤلاء الأشرار فترك صورتهم القبيحة ظاهرة للآخر.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى