سفر المزامير | 11 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِدَاوُدَ
«١ عَلَى ٱلرَّبِّ تَوَكَّلْتُ. كَيْفَ تَقُولُونَ لِنَفْسِي: ٱهْرُبُوا إِلَى جِبَالِكُمْ كَعُصْفُورٍ؟ ٢ لأَنَّهُ هُوَذَا ٱلأَشْرَارُ يَمُدُّونَ ٱلْقَوْسَ. فَوَّقُوا ٱلسَّهْمَ فِي ٱلْوَتَرِ لِيَرْمُوا فِي ٱلدُّجَى مُسْتَقِيمِي ٱلْقُلُوبِ. ٣ إِذَا ٱنْقَلَبَتِ ٱلأَعْمِدَةُ، فَٱلصِّدِّيقُ مَاذَا يَفْعَلُ؟»
(١) يظن أن هذا المزمور كتب حينما شعر داود بغضب شاول عليه وقد رماه بالرمح مرة بعد مرة. وهكذا كانت له النصيحة أن يهرب إلى وطنه وينجو بنفسه. ويظن البعض أنه كتب حينما قامت الثورة في وجه داود بسبب ابنه أبشالوم وبكلا الاحتمالين تفسير مقبول.
يقول داود أنه لا يقبل مثل هذه النصيحة ويهرب من وجه أي عدو لأنه قد جعل الرب متكله. ولنا من هذا بعض أمور حرية بالتأمل:
١) تصميم داود وعزمه فهو كله بالله وليس بنفسه. قد يكون أن الأعداء قد وجهوا إليه أن يترك إلهه الذي لا ينجيه وعليه أن يعتمد على نفسه فقط لأجل النجاة.
٢) غيظه من الذين دعوه للهرب كأنه عصفور صغير من وجه الصياد يلحقه من مكان لآخر فلا يقر له قرار إلا بالبعد في الجبال. وهنا محك مزدوج فهو كجندي شجاع لا يسمح لنفسه بالهرب والجبن من المعركة وكمؤمن لا يسمح لنفسه أن يكفر بنعمة الله ورحمته.
مع أن الخطر موجود والأشرار يستعملون ضده أهم السلاح المعروف عندئذ. فهم يستعملون السهم الذي يطير بعيداً وفي جنح الظلام لأن هؤلاء الأعداء ماكرون غادرون لا يرعون حرمة فهم على كامل استعدادهم أن يرموا ويهلكوا الأبرياء الذين لم يسيئوا إليهم. ويظهر أن هؤلاء الأعداء ينوون الأذية وليس فقط أنهم يتظاهرون بها لأنهم سفاكون للدماء حتى دماء الأبرياء.
(٣) قد تكون الأعمدة هنا إشارة إلى بناء بيته الملكي فهو في خطر الهدم والزوال. وقد تكون الأعمدة بمعنى روحي أي إنه إذا تزعزعت أركان حياتنا ومجدنا فماذا يفعل؟ قد يكون للشرير مهرب من مأزق كهذا فإنه يقابل الإساءة والضرر بمثله ولكن ماذا يفعل الصديق المؤمن؟ والجواب هو في العدد الأول على الرب توكلت! هو رجاؤهم الوحيد ومتكلهم والمنتقم لهم فلا ينتقمون لأنفسهم ولا يهابون شيئاً ولا يجزعون. إن الله قد مسح داود ملكاً على شعبه وهذه مسؤولية كبرى وواجب موضوع عليه فلا يستطيع النكوص عنه ولا الرجوع.
«٤ اَلرَّبُّ فِي هَيْكَلِ قُدْسِهِ. ٱلرَّبُّ فِي ٱلسَّمَاءِ كُرْسِيُّهُ. عَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ. أَجْفَانُهُ تَمْتَحِنُ بَنِي آدَمَ. ٥ ٱلرَّبُّ يَمْتَحِنُ ٱلصِّدِّيقَ. أَمَّا ٱلشِّرِّيرُ وَمُحِبُّ ٱلظُّلْمِ فَتُبْغِضُهُ نَفْسُهُ. ٦ يُمْطِرُ عَلَى ٱلأَشْرَارِ فِخَاخاً، نَاراً وَكِبْرِيتاً وَرِيحَ ٱلسَّمُومِ نَصِيبَ كَأْسِهِمْ. ٧ لأَنَّ ٱلرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ ٱلْعَدْلَ. ٱلْمُسْتَقِيمُ يُبْصِرُ وَجْهَهُ».
(٤) هنا تتجلى للمرنم رؤيا الرب (انظر إشعياء ٦) ويتأكد حضوره معه لكي يطرد من باله كل ما يثبط عزيمته بإلهه. يراه في الهيكل منعكساً بجلاله عن كرسيه في السماء يؤكد لنفسه ولسامعيه أنه إذا كان الله موجوداً فهو لا شك ينظر ويراقب ويمتحن كل إنسان. وذكر الأجفان هنا من قبيل التفرس فإنها تساعد العين على ذلك. إن الله في عهد دائم مع شعبه فلا يتركهم ولكنهم هم الذين يتركونه. هو قريب إلينا وهو فوقنا لأن عرشه في العلى يستطيع النظر الدائم لبني البشر.
(٥) الرب لا يتخلى عن الصديقين قط وإذا ظهر كأنه تخلى فذلك لأجل امتحان الإيمان. ولكن علاقته ليست كذلك مع الشرير والظالم. ففي نظر المرنم الرب يبغضهما. وهنا لا يميز قط بين الشرير وشره ولا بين الظالم وظلمه لأن الرب في نظره يريد أن يتخلص من الشرير بتاتاً. والذين يسببون الشر يسببون الهلاك لأنفسهم أيضاً (أمثال ٨: ٣٦) وقصاصهم محتوم لا بد منه.
(٦) يهلكهم الرب كما أهلك أهل سدوم وعمورة. يوقعهم في فخاخ هم نصبوها لأنفسهم وبعد ذلك يمطرهم بوابل من النار والكبريت دليل حمو غضبه عليهم اقتصاصاً منهم لما اقترفوه من ذنوب. وكذلك ريح السموم المهلكة التي تهب عليهم من الصحراء كأنها تحرقهم حرقاً. وهذه عليهم كأس يجب أن يشربوها لأنها نصيبهم بالنسبة لسوء أفعالهم وشرورهم.
(٧) ذلك هو عدل الله ولا يرى المرنم أي بأس في معاملة صارمة كهذه. فكما يحتمل الأبرار والمستقيمون الاضطهاد والتعذيب فالأشرار سينالون الجزاء إن عاجلاً أم آجلاً. وهنيئاً للصديق عندئذ لأنه سيشرق عليه مجد الرب ويرى وجهه.
إن رؤية الرب مستطاعة متى كان يصحبها الرضا الإلهي وبغير ذلك فلا يستطيع العيش بأن يراه.
السابق |
التالي |