سفر المزامير | 01 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلأَوَّلُ
ينقسم إلى قسمين الأول وصف أخلاق البار وسعادته والثاني وصف تعاسة الأشرار وهلاكهم.
«١ طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ ٱلأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ ٱلْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ».
(١) لا يقصد باستعمال الماضي أنه عمل تمم بالماضي وانتهى الأمر بل الأرجح أنه يتكلم عن أمر حقيقي في كل زمان. ويكون لنا أن نقول «طوبى للرجل الذي لا يسلك». قصد بهذا المزمور أن يكون فاتحة أو مقدمة للمزامير ولذلك فهو مملوء من الإرشادات الجامعة والحكم البالغة.
هنا ثلاث درجات. السلوك أو السير في مشاورة الأشرار أي لا يتمشى على ما يتمشون هم عليه. ثم يقول ولا يقف في طريقهم لئلا يسمع ما يتحدثون به وما يشير عليه. وكذلك لا يجلس في مجالسهم وهنا تدرج من سير لوقوفٍ لجلوس. ويقصد به أن أية مخالطة للأبرار مع الأشرار تفسدهم ولو إلى درجة بسيطة ولكي يظلوا أنقياء عليهم أن يحافظوا على مقاومتهم ويسهروا «اسهروا لئلا تدخلوا في تجربة».
يبدأ الإنسان شره صغيراً فيشعر في ابتعاد عن الله ثم يتوغل في شره وخطيته حتى يقف منتصباً أمام الآخرين غير متهيب مغبة ما يفعله. وأخيراً بعد وقوفه يجلس في مجلس المستهزئين ويتجاسر بأن يبوح بما هو عليه أمام الآخرين ويصبح قدوة في الشر والفساد.
«طُوبَى» وفي العبرانية تأخذ شكل الجمع أي النعم فكأنما يقول إن النعم والخيرات هي نصيب الصالحين الفاضلين.
يجب أن يقولوا حالاً (مزمور ١١٩: ١١٥).
لأن مرض الخطية خبيث معدٍ يأتينا ونحن لا ندري بعض الأحيان. فعلينا أن نتوقى منه ونهرب من مسببيه ولا نفسح المجال لأنصاره أن يؤثروا على قلوبنا (أمثال ٤: ١٤ و١٥) فكل من شاء أن لا يصيبه الأذى عليه أن يتجنبه ويهرب من طريقه وبعدئذ لا يجوز أن يلوم أحداً غير نفسه.
فلننتبه إذاً ولا نسمح لمشورة الأشرار أن تؤثر علينا قط بل لنسر في طريقنا غير ملتفتين للمخادعات حولنا لئلا نقف بعد ذلك وتقوى التجربة علينا ونجر بعد حين فنسقط بين الساقطين المستهزئين بأقدس الأشياء.
«٢ لٰكِنْ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَاراً وَلَيْلاً. ٣ فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ، ٱلَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ».
(٢) هنا يتناول أمرين الأول أن ناموس الرب مسرته والثاني أنه يلهج بهذا الناموس دائماً.
هنا تكون إشارته للنهار والليل كلفت نظر للعبادات التي كانت تقدم في الهيكل صباح مساء. وقد يكون من قبيل تأكيد لهجه بناموس الرب دائماً. إن الصالحين في نظره هم المسترشدون بكتاب الله فهو النجم القطبي لحياتهم يدلهم على طريق الخير ويبعدهم عن طريق الشر. ولا شيء يقي الإنسان من العثار في مهاوي الأشرار مثل انشغالنا بما يخبرنا الله عنه في كتابه. علينا أن نقول في داخلنا ماذا يريد الله أن يقوله لنا فننتبه ونصغي قبل فوات الأوان. إن لله صوتاً مسموعاً على شرط أن يكون لنا آذان تسمع. وعلينا أن نسمع والسرور يملأ قلوبنا. مع أن ناموس الرب يعطينا الفرائض المطلوبة منا. هو كالنير على أعناقنا ولكنه ضروري لسيرنا الروحي لذلك نسرّ به.
أول ما يبدأ التلميذ علمه يتعلم مبادئ العلوم فيستصعبها ولكنه بعد حين كلما حمل نيرها وتعوّد عليه كلما ازداد سروراً وغبطة في تحصيل العلم. وكذلك الحال في الدين كلما تمعنا بكلام الله كلما وجدناه لذيذاً لحياتنا الروحية ولتقدمنا الحقيقي وأصبح طعامنا اليومي نتناوله في فترات منتظمة ولا نستغني عنه.
نلهج به دائماً لأننا نريده. وما يزيده حقاً تلهج به دائماً (مزمور ١١٩: ٩٧). قد نمل من كلام البشر ولكن كلام الله لا يمل منه. هو كالخبز اليومي علينا أن نأكله ولا نمل منه.
(٣) هنا تشبيه جميل للغاية «الشجرة» وهي صديقة الإنسان الأولى فهي قبل الحيوانات الأليفة وكل الدواجن إذ أن الإنسان عاش على ثمار الأشجار والنباتات زمناً طويلاً قبل أن استعان بالحيوانات اللبونة وغيرها.
«٤ لَيْسَ كَذٰلِكَ ٱلأَشْرَارُ، لٰكِنَّهُمْ كَٱلْعُصَافَةِ ٱلَّتِي تُذَرِّيهَا ٱلرِّيحُ. ٥ لِذٰلِكَ لاَ تَقُومُ ٱلأَشْرَارُ فِي ٱلدِّينِ وَلاَ ٱلْخُطَاةُ فِي جَمَاعَةِ ٱلأَبْرَارِ. ٦ لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَعْلَمُ طَرِيقَ ٱلأَبْرَارِ، أَمَّا طَرِيقُ ٱلأَشْرَارِ فَتَهْلِكُ».
(٤) هنا يظهر المرنم الفرق الشاسع بين الاثنين. فمن جهة هو شجرة خضراء باسقة ومن الجهة الأخرى فهو العصافة أي التبن بلونه الأصفر تتقاذفه الريح إلى كل مكان. الشجرة تمثل الحياة والنمو والتقدم وأما العصافة فتمثل الموت الروحي وعدم الركون في الحياة بل يذهب الواحد مع كل ريح.
إن التبن يفصل بالتذرية عن القمح «وأما التبن فيحرقونه بالنار». أي القش الذي لا يستعمل لعلف الماشية يخبز عليه.
(٥) وهكذا فإنه يوجد فرق أيضاً في دينونة الواحد بالشر الذي فعله. ولا نستطيع أن نستنتج أن المرنم فهم من هذا الدينونة المسيحية ذاتها أي بعد الموت كما هو مذكور في متّى ٢٥ بل جلّ قصده أن يرينا الفرق العظيم بين نتيجة حياة الصالح بمقابلتها مع حياة الخاطئ الشرير. يوجد فاصل بين الاثنين ويجب أن نميز الواحد عن الآخر إذ لا خلطة بين النور والظلمة.
(٦) وهل يحابي الله في معاملته بين بار وأثيم. حاشا لله أن يفعل ذلك وإنما الأثيم يخطئ أولاً ضد نفسه. وسبب البعد هو منه وليس من الله الذي يدعو الجميع إليه.
(راجع إرميا ١٢: ٣) «وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَنِي. رَأَيْتَنِي وَٱخْتَبَرْتَ قَلْبِي…».
ومتّى ٦: ٦ «وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَٱدْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ… الخ».
إن مصير الأشرار الأثمة محتوم وسينالون العقاب الذي يستحقونه لذلك إن زها الأشرار وحسبوا أن لا مسؤولية عليهم واستهانوا بوصايا العلي فلسوف يلحقهم القصاص وما بهم من زهوٍ ومجد الآن فسيضمحلان. ولا يمكن أن يثبتا. إذاً فلنقبل هذه النصيحة الثمينة التي يسديها إلينا المرنم ولنقبل على أنفسنا نفحصها جيداً لأنه يجب أن نفترق عن سبل الخطاة ونمشي في سبل الله المستقيمة لأن فيها الخير والتوفيق والهناء.
وقوله على مجري المياه إشارة لما هي العادة في الشرق من سقاية الأراضي من الأنهار رأساً أو بواسطة أقنية تجرّ بها المياه إلى الأمكنة الخاصة.
وكما تزداد الشجرة زهواً واخضراراً كلما نمت وكبرت هكذا البار «الصديق كالنخلة يزهو كالأرز في لبنان ينمو» وهنا إشارة للأشجار الدائمة الاخضرار التي لا يؤثر عليها تغير الفصول بل تظل لابسة حلتها السندسية على مدار السنة.
السابق |
التالي |