سفر المزامير | 02 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر المزامير
للقس . وليم مارش
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي
«١ لِمَاذَا ٱرْتَجَّتِ ٱلأُمَمُ وَتَفَكَّرَ ٱلشُّعُوبُ فِي ٱلْبَاطِلِ؟ ٢ قَامَ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَتَآمَرَ ٱلرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى ٱلرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: ٣ لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا».
لا ندري تماماً العلاقة التاريخية في هذا المزمور وهل هنا إشارة إلى انتقاض ثورة في أيام سليمان أو في أيام الملوك الذين جاؤوا بعده لا ندري تماماً ولا نستطيع أن نعطي تاريخاً مضبوطاً لهذا الأمر. وبعض المفسرين ينكرون أية علاقة للأمور التاريخية ويوجهون الفكر إلى حكم المسيا المنتظر وتكون هذه نبوءة عما احتمله المسيح المخلص من اضطهاد وإهانة وموت الصليب أخيراً.
وينقسم المزمور إلى أربعة أقسام ويستعمل في عيد الفصح بصورة تمثيلية يتناوب الكلام فيه أربعة أشخاص.
العدد ١: ٣ يتكلم المرنم.
ثم ٤ – ٦ يأخذ الملك بالكلام ويرى أنه لا بد من نهاية شريفة لموآمرتهم الفاشلة.
ثم بعد ذلك ٧ – ٩ يعود الملك للكلام فيخبر عن سلطان الله على جميع الشعوب وإنه هو الحاكم وحده في الناس.
وفي ١٠ – ١٢ يأمر هؤلاء المغتصبين أن يندموا قبل فوات الأوان.
«الأمم» أي كل الذين غير يهود.
وتفكرتم في الباطن معناه الثورة والانتقاض على الحكم وهنا يقرن المرنم هذا الأمر ويوجهه كأنه انتقاض على الرب نفسه لأن الملك هو مسيح الرب أي معّين ممسوح منه. فإذاً عدو الملك هو عدو الله أيضاً. وقوله «لنقطع قيودهما» إشارة إلى طلب نزع السلطة والتحرر من ربقة العبودية للملك المعيّن من الله.
يصف مقاومة أهل الشر. ليس فقط الرؤساء والعظماء بل الشعب والعامة. ذلك لأنه يوجد فرق عظيم بين ما يفرضه الله وما يفرضه الإنسان. لأن أساليب الله كلها محبة وحكمة بينما أساليب البشر مملوءة بالظلم والشر والاغتصاب «فَقَدْ أَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي» (يوحنا ١٥: ٢٤).
«٤ اَلسَّاكِنُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. ٱلرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. ٥ حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ. ٦ أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي».
(٤) ثم سكان الأرض وترتيباتهم أرضية محضة لذلك فكل أفعالهم قاصرة وغير ثابتة. ويستهزئ بحالتهم هذه. إذ كيف يستطيعون أن يغيروا ترتيبات العلي. (٥) وإذا الرب يتحول عن الهزء والسخرية بهم فيتكلم ضدهم غاضباً وإذا بهم يرتجفون أمامه خوفاً ورعباً. (٦) ذلك لأن مشيئة الرب هي فوق مشيئتهم وعليهم فقط أن يخضعوا. والإشارة إلى صهيون أي إلى أورشليم عاصمة المملكة ومركز الدولة والملك المدينة المقدسة التي يقيم فيها مسيح الرب.
ويقول إشعياء ٦٤: ١٠ «مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً وَأُورُشَلِيمُ مُوحَشَةً». وصهيون وجبل صهيون هو الحد الشرقي للقدس القديمة حيثما كان. حصن داود عزّ المملكة ومجدها.
«٧ إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ ٱلرَّبِّ. قَالَ لِي: أَنْتَ ٱبْنِي. أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. ٨ اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ ٱلأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصِيَ ٱلأَرْضِ مُلْكاً لَكَ. ٩ تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ».
(٧) يعود الملك فيتكلم مستنداً في دعم دعواه على التاريخ والنبوءة (٢صموئيل ٧: ٤ – ١٧) وهنا إشارة إلى ما تنبأ به ناثان النبي لداود ولنسله من بعده. فإذاً بقطع النظر عن شخصية الملك واقتداره فهو ملك ليس بنفسه ولا من نفسه بل من الله. فلا الشعب ولا الرؤساء. حتى ولا الشعوب الخاصة لحكمه تستطيع أن تنقله من حكمه طالما هو معين من الله.
(٨) هو ابن – وفي وقت مسحه ملكاً – قد نال مثل هذه الولادة وهذا التبني (راجع أعمال ١٣: ٣٢ وعبرانيين ١: ٥ و٥: ٥).
(٩) أما قضيب الحديد في العدد العاشر فهو إشارة إلى الشدة والبطش في إعادة هؤلاء الثائرين المقلقين ولو كان إرجاعهم يقتضي أقسى الشدة والقسوة عليهم. ويكون نصيبهم حينئذ الخذلان والدمار.
«١٠ فَٱلآنَ يَا أَيُّهَا ٱلْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ ٱلأَرْضِ. ١١ ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ بِخَوْفٍ وَٱهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. ١٢ قَبِّلُوا ٱلٱبْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ ٱلطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ ٱلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ».
(١٠) وقبلما يصيبكم هذا الشر العظيم عليكم بالحكمة والروية. يخاطب أولاً الملوك لأن بيدهم السلطان الزمني والقوة والحكم. ثم يلتفت إلى القضاة ويطلب منهم أن يتعظوا لأن القاضي يتوجب عليه أن يتعظ هو نفسه قبل أن يصدر حكمه على الغير. عليه أن يصدر حكمه على نفسه أولاً:
«لا تنه عن خلق وتأت بمثله».
(١١) وهنا يقرن العظمة الحقة لله وليس للملك وإذا كان هذا الملك هو مسيح الرب المختار فالأوفق طاعته لأن بذلك طاعة الرب أيضاً.
(١٢) وينصح بتقبيل هذا الابن الملكي عربون التماس الرضا منه والطاعة له والخضوع. وإذا لم يكن كذلك ولم تقبلوا النصح ولم تسترشدوا فيكون طريق الإبادة قريباً وأكيداً. إن الرضا والتساهل إلى حين لئلا يحسب ذلك من قبيل الضعف والمسكنة وهذا ليس من شيم الملوك المختارين من الله.
ثم ينهي المرنم كلمته بتوجيه العظمة لله وحده. فالذين يطيعون ترتيبه ويمشون حسب وصاياه فلهم الطوبى لأنهم يستطيعون حينئذ أن يتكلوا عليه ولا يخيبوا.
يذهب البعض إلى ترجمة الكلمة «قبلوا الابن» بمعنى أخلصوا للابن واخدموه.
وقد يكون «طوبى لجميع…» في العدد ١٢ قد زيدت على المزامير حينما استعمل هذا للعبادة.
السابق |
التالي |